القاهرة تسوق لشركات الجيش في دول الخليج

تبحث الحكومة المصرية عن أدوات ناجزة تُسرّع من تدفق العملات الأجنبية للبلاد، ما دفعها إلى العمل على تسويق شركات تابعة للجيش وعرضها للبيع على عدد من صناديق الثروة السيادية الخليجية، في مقدمتها السعودية.
القاهرة – تسببت الأزمة الأوكرانية في لجوء القاهرة إلى تنويع خطط التخلص من مؤسساتها الكبرى بدلا من الاعتماد على الطرح في البورصة بصورة رئيسية مع اتجاه رجال أعمال للاستثمار في الأدوات الأكثر ملاذا خلال فترات عدم الاستقرار، مثل الذهب.
وأعلن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان إمكانية أن يستحوذ صندوق الثروة السيادية السعودي على حصص في الشركة الوطنية لإنتاج وتوزيع المواد البترولية (وطنية) التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة المصرية.
وإلى جانب ذلك، تم عرض محطات الكهرباء الثلاث التي أنشأتها شركة سيمنز الألمانية كجزء من خطة أوسع للصندوق لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في مصر.

خالد الشافعي: هذا التوجه يسرّع من الحصول على سيولة دولارية
وأوضح سليمان أن صندوق مصر السيادي عرض حصصا في “وطنية” للبترول التي أنشأت في 1993 ومحطات سيمنز على الصندوق السعودي الذي يتطلع للاستثمار في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والخدمات المالية بالبلاد.
ويأتي ذلك في ظل مساعي الصندوق المصري، والذي يعد في الحقيقة أشبه ببنك استثمار حكومي يبحث عن المستثمرين وعقد الصفقات للدولة، للعثور على مستثمرين منذ فترة.
وأجرى الصندوق محادثات منذ أكثر من عام لبيع “وطنية”، في وقت يسعى فيه لبيع حصص في سيمنز منذ 2019، وهو العام الذي شهد تدشين هذا الكيان. وخططت مصر لطرح شركات الجيش في البورصة منذ أن دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي لطرح بعضها في سوق المال ليتسنى لمصريين المشاركة فيها.
وتوجد نحو 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة في مصر، من إجمالي 24 مدرجة على جدول تصنيف الصناعات، ما اعتبره البعض من رجال الأعمال منافسة ومزاحمة للقطاع الخاص لا يقوى عليها.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن “حجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة يمثل نحو واحد في المئة فقط من إجمالي الاقتصاد المصري والقطاعات العاملة فيه”.
وظهرت أنشطة هذه الكيانات بعد تباطؤ القطاع الخاص وعدم قدرته على تلبية احتياجات الاقتصاد بعد أن شهدت البلاد ثورتين في عامي 2011 و2013 وما تبعهما من تأثيرات اقتصادية سلبية.
وأرخت الحرب الروسية – الأوكرانية بظلالها على خطط الحكومة الاستثمارية وتسببت إجراءات اتخذتها القاهرة خاصة خفض سعر صرف الجنيه وطرح شهادات للأفراد بعائد 18 في المئة في ضعف الإقبال على شراء الأسهم في البورصة.
وانتابت مستثمرون أجانب مخاوف من الاستثمار في الأسهم وتفضيلهم السندات والذهب والنفط، ما أجبر الحكومة على تنويع أدوات بيع شركات الحكومة والجيش، بعد أن كانت تنوي طرحها بالبورصة، لذلك تستعين بالصناديق السيادية الخليجية لبيع حصص مباشرة لها.

محمد كمال: أداة ناجزة تسهّل مشاركة القطاع الخاص في التنمية
ومن المتوقع أن تعرض مصر حصصا في عدد من شركاتها التي تنوي بيعها على صناديق ثروة سيادية خليجية أخرى، في مقدمتها الصناديق المملوكة لدولتي الإمارات وقطر، في ظل زيادة تعاون القاهرة الاستثماري مع البلدين مؤخرا.
وتجتمع اللجنة الوزارية المعنية بالطروحات الحكومية قريبا لمناقشة مصير الشركات المملوكة للدولة المصرية التي ستُطرح في البورصة هذا العام، والتي لا مفر منها لتلقي شريحة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي.
وتراجع الحكومة البرنامج حاليا في ضوء التطورات الأخيرة مع التركيز على طرح أربع أو خمس شركات خلال العام الجاري في قطاعي الطاقة والخدمات المالية، لاسيما أنها كانت تستهدف في الأصل بيع أسهم ما يصل إلى 10 شركات العام الجاري، لكن ظروف السوق العالمية المتدهورة أجبرتها على إعادة النظر في خطتها.
وتتطلع شركة أي.دي.كيو القابضة الإماراتية التابعة لصندوق أبوظبي السيادي للاستحواذ على حصص في عدد من الشركات المدرجة في البورصة وغير المدرجة كجزء من استثماراتها بمصر.
وشدد سليمان على أن الاستثمار يهدف إلى دعم الشركات التي تستعد للقيد في البورصة وسيتم الإعلان عن تفاصيل الصفقات خلال أيام. وقال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن “الاستثمارات الخليجية التي ضختها الدول الخليجية أخيرا أنقذت الحكومة المصرية من انهيار الجنيه”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” “لقد أسهمت في تقوية شوكة الحكومة محليا وعالميا وطمأنة الشعب بشأن عدم عجز الحكومة عن استيراد السلع الأساسية، ودعمت الاحتياطي الأجنبي وتسهل تلقي القرض الجديد من صندوق النقد الدولي”.
ولا يعني بيع الحكومة حصصا بشكل مباشر في شركات الجيش أو التابعة لقطاع الأعمال العام إيقاف برنامج الطروحات الحكومية في البورصة لأن الحديث عنها سبق هذه الخطوة.
60
شركة تابعة للجيش تعمل في 19 قطاعا من 24 قطاعا مدرجا على جدول تصنيف الصناعات
وتستهدف الحكومة من وراء طرح حصص نحو 23 شركة حكومية نحو 100 مليار جنيه، أي ما يعادل 5 مليارات دولار تقريبا.
واعتبر الشافعي أن الحكومة تستهدف من بيع حصص من شركات الجيش للصناديق الخليجية تسريع الحصول على السيولة الدولارية، لأن طرح الشركات بسوق المال يستغرق وقتا بين إعادة الهيكلة والترويج الذي قد يواجه صعوبات مع ارتفاع أسعار الفائدة بمختلف البنوك المركزية على مستوى العالم.
وذكرت وكالة بلومبرغ أن صندوق أبوظبي السيادي قد يستحوذ على حصص في 5 شركات مدرجة بالبورصة المصرية، وهي البنك التجاري الدولي وفوري وأبوقير للأسمدة وموبكو والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.
وبعض هذه الشركات مملوك للدولة وستكون خطوة صندوق أبوظبي ضمن استثمارات تقدر بنحو بملياري دولار لدعم الاقتصاد المصري في مواجهة الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والطاقة.
ويهدف شراء الصناديق السيادية لحصص في الشركات، ومنها المملوكة للجيش، إلى الاستثمار قصير أو متوسط الأجل، إذ يخطط لخروجه منها بعد الشراء مباشرة عبر القيام بتطويرها ونموها، لبيع حصته بسعر مربح عند تخارجه والذي يتم غالبا من خلال الطرح في البورصة.
وأوضح محمد كمال خبير أسواق المال أن بيع مصر لحصص شركات الجيش أو الشركات الكبرى للصناديق السيادية الخليجية بشكل مباشر هو الأسرع والأسهل لمشاركة القطاع الخاص واستحواذه على حصص منها، ويعد نجاحا لقدرة الحكومة على تسويق مؤسساتها في منطقة الخليج.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن موافقة صناديق سيادية خليجية على الاستثمار تؤكد ثقتهم في جاذبية الاستثمار بمصر، ومن المنطقي والأفضل أن تتم عمليات البيع عبر تملكهم لحصص استراتيجية مباشرة بعيدا عن سوق المال الذي يستغرق وقتا حتى تتم عمليات البيع.