القاهرة تسعى لجمع قوى سودانية لتعطيل الحكومة الموازية

القاهرة- الخرطوم- قال وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في تصريحات له نشرت، السبت، إن بلاده تدعم الدولة الوطنية ومؤسساتها في السودان، وإن القاهرة لديها قلق بالغ بشأن مسألة وحدة السودان واستقراره وسلامة أراضيه وعدم تقسيمه، “وهذا خط أحمر بالنسبة إلينا ولا يمكن أن نقبل بحدوثه تحت أيّ ظرف من الظروف،” ما بدا وكأن القاهرة ترسم مسارا للحل في السودان مضاد لمسار نيروبي وإعلان تشكيل الحكومة الموازية.
ويطرح حديث القاهرة عن “خط أحمر” تساؤلات عن مدى استعدادها للاستمرار في هذا المسار، خاصة وقد سبق لها في مناسبات سابقة أن تقدمت بخطة لرعاية حوار سوداني – سوداني والتمسك بأولوية دور مصر في رعاية الحل في السودان، لكن متغيرات لاحقة فرضت عليها تغيير خطتها، فهل أن ثمة تطورات تجعل من الخطة المصرية أولوية من الصعب على القاهرة التراجع عنها؟

صلاح حليمة: الاستعداد لعقد جولة ثانية من مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في القاهرة يتم التحضير لها منذ فترة
وعلمت “العرب” أن دوائر سياسية في مصر تقوم باتصالات وعقد لقاءات مع قوى سودانية بشأن عقد نسخة ثانية من مؤتمر القوى السياسية والمدنية الذي عقد في يوليو الماضي، وانتهى بوجود رغبة لوقف الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع.
وتأتي هذه الاتصالات في وقت يجري فيه الاستعداد لتشكيل حكومة موازية من جانب قوى سياسية وحركات مسلحة وقّعت على ميثاق بمشاركة قوات الدعم السريع في نيروبي مؤخرا، ما يشير إلى أن القاهرة تريد التصدي لهذه الخطوة، لدعم رؤيتها لوحدة السودان والذهاب إلى توافق حول عملية سياسية مستقبلية.
وتخشى القاهرة الوصول إلى نقطة اللاعودة بالنسبة إلى الحفاظ على مؤسسات جامعة لكافة المكونات السودانية، فتوجهات القوى الموقعة على الميثاق السياسي في نيروبي قد تقود إلى وضع شبيه بما حدث في ليبيا على الحدود الغربية المصرية.
وأوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة لـ”العرب” أن الاستعداد لعقد جولة ثانية من مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في القاهرة يتم التحضير لها منذ فترة، لكن تحديد الموعد النهائي لم يتقرر بعد.
وأكد أن تحركات مصر تأتي في وقت يشهد فيه السودان تطورات خطيرة بشأن إقرار دستور جديد ومساعي تشكيل حكومة موازية في إطار داعم لقوات الدعم السريع، لافتا إلى أن القاهرة تسعى لتوظف الاعتراضات الدولية على مسار نيروبي.
وكشف أن القاهرة تطرح تشكيل حكومة انتقالية ذات كفاءات مستقلة لقيادة الفترة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، شرط ألاّ يترشح أيّ من المشاركين بالحكومة في الانتخابات المقبلة، كي لا يكون هناك نقاش حول توجيه دفتها لصالح أيّ من الأطراف، وما تقدمه القاهرة للأطراف السياسية للنقاش يتضمن التأكيد على عدم وجود حواضن سياسية للمجموعات العسكرية وفك الارتباط بين القوى السياسية والحركات والتنظيمات المسلحة، بما فيها قوات الدعم السريع.
◄ دوائر مصرية تقوم باتصالات مع قوى سودانية لعقد نسخة ثانية من مؤتمر القوى السياسية والمدنية الذي عقد في يوليو
وتوافق المجتمعون في مؤتمر القاهرة الأول على أن السودان وطن موحد، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية، ودعوا إلى وقف الحرب باعتبار أن ذلك هو سؤال السودانيين ومطلبهم.
وشدد صلاح حليمة، وهو يقود اتصالات غير رسمية مع القوى السودانية، على أن التواصل سيكون مع كافة المكونات السودانية مثلما كان الوضع في المؤتمر الأول، والهدف الوصول إلى توافق سياسي لتشكيل حكومة انتقالية، وأن وضعية قوات الدعم السريع (وفقا للرؤية المصرية) إما الدمج في الجيش أو الحل، وعدم التعامل معها كتنظيم عسكري كان له وضع قانوني، ومع اندلاع الحرب لم يعد هناك توافق شعبي حول هذه المسألة.
وتريد القاهرة ربط مسار مؤتمر القوى السياسية والمدنية المنتظر بما جرى التوصل إليه في إعلان جدة الصادر في مايو 2023، على أن تساهم المملكة العربية السعودية في رعاية الخطوات السياسية المستقبلية في السودان، إلى جانب مصر.
وتواجه رؤية القاهرة صعوبات عدة، لأن قوات الدعم السريع ليس من السهل عليها أن تقدم تنازلات كبيرة للجيش، في وقت تجد فيه دعما سياسيا من بعض القوى لمشروعها المستقبلي القائم على تشكيل حكومة تسميها “الوحدة والسلام” في الأراضي التي تسيطر عليها، وتهدف من خلالها لتمكين القوى المدنية من السلطة بعد الانقلاب على الحكومة التي كان يقودها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021.

الواثق البرير: القاهرة تواصلت مع بعض القوى السياسي لعقد اجتماعات بها لم يتحدد موعدها بعد
كما أن الجيش السوداني قد لا يقدم تنازلات توقف الحرب لصالح حكومة تكنوقراط، في وقت يتقدم فيه عسكريا في بعض الولايات، من بينها الخرطوم، كما أن الحركة الإسلامية التي تدعم الجيش وحققت مكاسب من وراء الحرب ليس من السهل أن توافق على خطة القاهرة، ومن مصلحتها عدم الوصول إلى اتفاق سياسي يرتكن على ما تمخضت عنه ثورة ديسمبر ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي والقيادي بتحالف “صمود” الواثق البرير لـ”العرب” إن القاهرة تواصلت مع بعض القوى السياسي لعقد اجتماعات بها لم يتحدد موعدها بعد، في إطار الوصول إلى حل لإشكاليات الحرب المعقدة في السودان.
وذكر أن تحالف “صمود” يرحّب بالتحركات المصرية وسيكون مطلوبا من القاهرة أن تلعب دورا كبيرا للضغط من أجل وقف الحرب والانتقال إلى المربع السياسي.
ولفت إلى أن التوجه نحو إقرار مسار سياسي جديد في نيروبي وضع المزيد من العراقيل أمام توحيد القوى المدنية الداعية للتغيير السلمي، وأمام هذا التطور لا سبيل سوى اتخاذ خطوات تهدف لوقف الصراع العسكري والجلوس على مائدة تفاوض، ووقف الاتجاه نحو نزاع حول الشرعية، وأن الحكومتين، الحالية في بورتسودان أو المزمع تشكيلها في مناطق تقع تحت سيطرة الدعم السريع بعد اجتماعات نيروبي لا تجد أرضية صلبة للوقوف عليها في السودان.
وأكد أن هناك ثلاث خطوات يجب السير من خلال الفترة المقبلة تتمثل في إقناع طرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) بوقفها ثم جلوس القوى المدنية على طاولة تفاوض لإقرار عملية سياسية تقدم الحلول الجذرية للصراع، وقبل هذا كله وجود توافق على إدخال المساعدات الإنسانية خاصة لمن عادوا إلى مدنهم وقراهم ويواجهون صعوبات معيشية جراء توقف خدمات المياه والكهرباء عن غالبية المناطق في السودان.
وأيّ مفاوضات مستقبلية في السودان في حاجة إلى ضمان تنفيذها على الأرض، ومن دون ذلك سوف تدور البلاد في دائرة مفرغة، ومن المهم دمج المكونات العسكرية داخل جيش وطني يمثل الشعب السوداني، مع أهمية إقناع القوتين المتحاربتين الرئيسيتين بما سيتم التوصل إليه من تفاهمات سياسية وعودة العناصر المسلحة إلى ثكناتها والسماح لحكومة مدنية بإدارة المرحلة الانتقالية.