القاهرة تستكشف مآلات الأزمة السياسية في السودان

عباس كامل يلتقي في الخرطوم بالقوى المدنية بعد لقائه بقادة الجيش.
الأربعاء 2023/01/04
لقاء أمني – سياسي

تبدو زيارة رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل إلى السودان للوهلة الأولى أنها أمنية محضة، إلا أن لقاءه بعدد من القوى المدنية الموقعة على اتفاق التسوية في الخرطوم يظهر طابعها السياسي ويكشف انزعاج القاهرة مما يحدث على حدودها.

القاهرة - يرتفع صوت البعض من السودانيين بالشكوى من القاهرة كلما رأوا أو سمعوا عن زيارة قام بها رئيس المخابرات العامة في مصر اللواء عباس كامل للخرطوم أو أي مسؤول عسكري كبير.

ويستعيد الكثير من هؤلاء مخاوفهم من أن القاهرة تصر على التعامل مع بلدهم كملف أمني وليس ملفا سياسيا، على الرغم من رحيل نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي مثل إزعاجا أمنيا كبيرا للنظام المصري.

وتجددت الهواجس مع الكشف عن زيارة رسمية جديدة ومعلنة الاثنين قام بها رئيس المخابرات المصرية التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بحضور الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة في السودان.

ونقل اللواء عباس رسالة شفهية إلى الفريق أول البرهان من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تتصل بالعلاقات الثنائية “وسبل دعمها وتطويرها وترقية التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات”، من دون الإشارة إلى قضية محددة، وبما يوحي أنها ذات طابع روتيني.

لكن زيارة رئيس المخابرات المصرية حوت جديدا نوعيا هذه المرة، حيث لم تقتصر على لقاء كبار المسؤولين في الجيش السوداني وما تتسم به هذه الاجتماعات من مناقشات ذات طابع عسكري، وشملت لقاءات مع قوى مدنية عديدة.

ونقل موقع “سودان تربيون” عن قيادي في قوى الحرية والتغيير تأكيده أن ممثلين للائتلاف عقدوا اجتماعا مع رئيس المخابرات المصرية في فندق “كورنثيا” تناول العملية السياسية وكيفية إنهاء الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.

وشارك في الاجتماع من تحالف قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل، ومريم الصادق المهدي، وعمر الدقير، وكمال إسماعيل، وبثينة دينار.

وبدت مهمة اللواء كامل في الخرطوم مزدوجة هذه المرة، وذات طابع أمني وسياسي، لتبديد الشكوك حيال اقتصار غالبية زياراته السابقة على كبار المسؤولين في الجيش السوداني، وهي محاولة من جانب القاهرة لتأكيد أنها منفتحة على المكونين العسكري والمدني، ولا تناصر طرفا على حساب آخر.

زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى السودان تؤكد أن القاهرة منزعجة كثيرا مما يجري في الخرطوم

وأخذت القيادة المصرية تراعي في الآونة الأخيرة حساسيات البعض من السودانيين تجاه علاقتها بالمؤسسة العسكرية في بلدهم، وتسعى إلى تخفيف الالتصاق بها، بما يفسر على أنه دعم مباشر لقيادة الجيش في السودان، والتي تتعرض لانتقادات كبيرة من قوى مدنية عديدة تعمل على إقصائها عن السلطة تماما.

ويقول مراقبون إن الأهمية الأمنية التي تنطوي عليها الزيارة كبيرة، وإن حاولت التدثر بأهداف سياسية، حيث جاءت بعد وقت قصير من تصاعد حدة الموقف في شرق السودان، وتلويح بعض القيادات القبلية في الإقليم بخيار تقرير المصير في ظل انسداد أفق الحوار السياسي مع القيادة المركزية في الخرطوم، ما يمثل إزعاجا لمصر، حيث يقع هذا الإقليم على حدودها الجنوبية.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن هذا التلويح يعد تهديدا كبيرا لمصر، ومن الضروري معالجة الأزمة قبل تفاقمها وتحولها إلى أمر واقع يصعب إيجاد حلول مناسبة لها، مع اتساع رقعة السودان الجغرافية وزيادة حدة التجاذبات في أطرافه، واستمرار الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني، على الرغم من توقيع اتفاق إطاري بينهما في الخامس من ديسمبر الماضي، لم يتضح بعد الوقت الذي يستغرقه التوقيع عليه بصورة نهائية.

وقام وفد يمثل قوى مدنية في مصر بزيارة العام الماضي للسودان وأجرى لقاءات مع أحزاب مختلفة كنواة لتأسيس علاقات متوازنة بين الجانبين، يمكن أن تخرج الصورة النمطية المأخوذة عن القاهرة في الخرطوم من حيزها الأمني إلى السياسي، غير أن الخطوة لم تعقبها تحركات أخرى تبدد الهواجس التقليدية بشأن أولوية الأمني على السياسي في الحسابات المصرية.

وتعد هذه واحدة من التعقيدات التي تقف حجر عثرة في سبيل تقدم العلاقات بين القاهرة والخرطوم، حيث يرى سودانيون أن سقوط نظام البشير أسقط معه الورقة الأمنية بلا رجعة، ومن الواجب أن تأخذ العلاقات بين الجانبين بعدها السياسي الحيوي، والتأكيد على أن هناك مرحلة جديدة من العلاقات يمكن تطويرها، بما يخدم مصالح البلدين الإستراتيجية، والتي تتعرض لتهديدات مشتركة في ملف مياه النيل.

Thumbnail

وتنفي دوائر مصرية وجود تنافر بين الشقين الأمني والسياسي، خاصة أن السودان لا يزال يواجه تحديات أمنية عصيبة، وسقوط نظام البشير لم ينه الإشكاليات السابقة، حيث يتحكم فلوله في بعض مفاصل الدولة، وتنشط الحركة الإسلامية والأحزاب التي تشاركت السلطة إبان حكم البشيرفي الشارع السوداني للدرجة التي جعلت قوى مدنية سودانية تخشى من ردة سياسية تعيد فلول البشير إلى السلطة مرة أخرى.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن الحديث المتكرر عن العقدة الأمنية يأخذ طابعا شعبويا وتقف خلفه عناصر محسوبة على نظام البشير لزرع فتنة بين الخرطوم والقاهرة تحول دون تطوير العلاقات بينهما وتمنع فتح آفاق جيدة للتعاون في قضايا تخص مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع المتشددين في السودان، وزيادة وتيرة التنسيق في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي.

وأوضحت المصادر ذاتها أن زيارة رئيس المخابرات المصرية تؤكد أن القاهرة منزعجة مما يجري في السودان، وأن استمرار أزمته السياسية يمكن أن يصطحب معه مخاوف بشأن الأمن والاستقرار في ربوعه، بما يهدد وحدته الإقليمية التي تمثل أهمية إستراتيجية لمصر، وهو ما يتطلب التعاون مع المكون العسكري وتنسيق المواقف مع المكون المدني ومده بالمعلومات اللازمة لمعرفة أبعاد المشهد.

وتؤكد هذه المعطيات أن السودان سوف يظل التعامل معه كملف أمني بلا تقليل من المكونات السياسية، لأن الجانبين على علاقة وثيقة ويصعب الفصل بينهما في ظل التعقيدات التي يمر بها السودان.

2