القاهرة تستكشف فرصا آسيوية للحد من تأثير المشاريع الاقتصادية الجديدة

تحاول السلطات المصرية مواجهة بعض المشاريع الاقتصادية العملاقة، التي يمكن أن تمر بعيدا عنها بتعظيم قدراتها والانفتاح على أسواق واعدة، ولذلك دخلت مرحلة جديدة في مسار تعزيز موقعها بعد مساع لتحويلها إلى مركز جديد للاستثمارات الآسيوية.
القاهرة – تتطلع مصر إلى الاستفادة من موقعها كبوابة عالمية للتجارة وسوق استهلاكية كبيرة وتضم منطقة اقتصادية واسعة في شرق قناة السويس لاستقطاب شركات من آسيا.
وتزامن تدشين مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بدول خليجية والشرق الوسط وصولا إلى أوروبا، مع تحركات تقوم بها القاهرة حاليا لتسويق مشروع تحولها إلى مركز إقليمي للاستثمارات الآسيوية.
ويرى خبراء أن هذا التحرك يأتي لإدراك المسؤولين بأن تخطي الممر الاقتصادي الجديد حدود مصر ستنتج عنه تحديات اقتصادية كبيرة أمامها.
وقام وفد حكومي من الهيئة العامة للاستثمار بأطول سلسلة ترويج قبل أيام في كل من الصين وسنغافورة واليابان، بهدف جذب تدفقات مالية، في وقت تسعى فيه البلاد لترسيخ فكرة التعامل بالعملات المحلية لتخفيف وطأة الضغط على الدولار.
ويدعم اتجاه القاهرة نحو الأسواق الآسيوية الحيوية حرصها على الاندماج في بعض التكتلات الاقتصادية، مثل مجموعة بريكس والحزام والطريق، والسعي لسرعة الاندماج في تعزيز موقع مصر كحلقة وصل في الكثير من سلاسل الإمداد العالمية.
ويندرج هذا التوجه في سياق توطيد العلاقات بين آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ عدّت الزيارة كواحدة من جولات ترمي إلى دفع وتسهيل فرص الأعمال الكبيرة المتاحة في مجالات التجارة والاستثمار التي تتدفق بين المنطقتين.
وتحاول القاهرة عبر المشروع دعم خططها للاستفادة من فرص استثمارية متاحة على شكل مشاريع عملاقة وبنية تحتية وتصنيع في مجالات التكنولوجيا الرقمية والتمويل الأخضر، ما يعزز تحولها إلى نقطة جذب للتدفقات التجارية والاستثمارية الآسيوية.
وتعتزم الحكومة الموافقة على تأسيس شركات باليوان الصيني، وجرى في بكين طرح فكرة التطوير المشترك لأربع مناطق صناعية وثلاث مناطق حرة، على غرار ما قامت به شركة تيدا الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وتستهدف الشركات الآسيوية اقتناص الفرص الاستثمارية الواعدة بمصر، حيث أشارت تصريحات رسمية في كل من سنغافورة والصين واليابان إلى اهتمام بضخ استثمارات جديدة.
ولدى سنغافورة مثلا اهتمام بالاستثمار في الموانئ، باعتبارها دولة محورية في منطقة شرق آسيا، كما أن 25 في المئة من حركة التجارة العالمية تمر عبرها، ولذلك تروج مصر بقوة لجذب رجال أعمال من سنغافورة، والاستعانة بتجربتها في تجارة الحاويات وصيانة السفن.
وقال أحمد منير عزالدين، رئيس لجنة تنمية العلاقات المصرية – الصينية بجمعية رجال الأعمال، لـ”العرب” إن “القاهرة مؤهلة لتكون مركزا لبعض الاستثمارات الآسيوية”.
وأضاف “هناك تحركات من شركات صينية ويابانية للاستثمار في مصر كسوق واعدة للوصول إلى بعض الدول الأفريقية”.
وتعد بكين أكبر شريك تجاري للقاهرة، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى نحو 20 مليار دولار، وثمة حرص مصري على جذب الكيانات الصينية الكبرى للاستثمار في السوق المحلية عبر منحها الرخصة الذهبية لعدم مواجهة عوائق.
وفضلا عن ذلك، هناك استثمارات جديدة تقوم بها بعض شركات صينية، مثل شاومي وأوبو لإنتاج أجهزة الهواتف الذكية.
ومنحت مصر مؤخرا الرخصة الذهبية لشركتين من أكبر الكيانات الصينية، وهما هاير إليكتريك التي ستدشن مجمعا بمدينة العاشر من رمضان. وتضم المرحلة الأولى منه ثلاث منشآت رئيسية، بالإضافة إلى المصانع المغذية، بتكلفة استثمارية تتجاوز 100 مليون دولار.
وتم منح الرخصة الذهبية منذ أيام قليلة لشركة ميديا إليكتريك – مصر لإقامة وتشغيل منشأة لتصنيع وتصميم وتركيب وتجميع الأجهزة المنزلية والكهربائية ومعدات المطابخ والصناعات المغذية لها بمدينة السادات باستثمارات 105 ملايين دولار.
وأوضح عزالدين أن قطاعات الملابس الجاهزة والطاقة الجديدة والسيارات ستشهد نشاطا كبيرا الفترة المقبلة عبر ضخ استثمارات جديدة من شركات صينية ويابانية.
وأكد أن رجال الأعمال في الصين يرون أن مصر محور مهم للاستثمارات الآسيوية في منطقة الشرق الأوسط.
وكشف بنك التنمية الصيني عن إرسال بعثة إلى القاهرة لمتابعة الفرص الاستثمارية المتاحة، وستقوم الغرفة الصينية لتجارة المنسوجات بإيفاد ممثلين لشركات تعمل في قطاع الغزل والنسيج ترغب في الاستثمار بمصر كنتيجة لجولة مصر الترويجية.
وأشار مجدالدين المنزلاوي، نائب رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال، إلى وجود فرص استثمارية جيدة للشركات اليابانية والسنغافورية بمصر وأن الفترة المقبلة ستشهد استكشاف شراكات جديدة مع رواد القطاع الخاص بجمعية رجال الأعمال.
وأعلنت مؤسسة سنغافورة لجذب الاستثمار ووزارة التجارة ومؤسسة التعاون الدولي عن رغبتها في التعاون مع هيئة الاستثمار للترويج لفرص بين ممثلي الشركات السنغافورية.
ومن المتوقع أن يزور ممثلو شركات سنغافورية القاهرة للتعرف على الفرص المتاحة على أرض الواقع، وجار الإعداد للزيارة بالتعاون مع مؤسسة سنغافورة لجذب الاستثمار.
وأكد المنزلاوي لـ”العرب” أن السلطات المصرية حريصة على خلق بيئة مؤاتية للاستثمار وجاذبة للشركات المحلية والأجنبية، وهي خطوة تمهد الطريق للمستثمرين الآسيويين والأجانب بشكل عام لتوسيع أنشطتهم وضخ استثمارات جديدة في المشاريع التنموية الكبرى.
وتراهن مصر على الاستفادة من الخبرات الصينية في مجال التصنيع والتدريب الصناعي ونقل الخبرات الصينية والتكنولوجيا في المجالات ذات الأولوية للاقتصاد المحلي في هذه المرحلة.
كما تريد الاستفادة من الجانب الصيني في تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة بهدف توفير فرص عمل جديدة للشباب.
ولفت المنزلاوي إلى وجود تعاون كبير بين مصر وكوريا من شأنه توطين وتعميق الصناعة المحلية والتعاون في نقل التكنولوجيا في إطار خطة الدولة للتنمية الاقتصادية والنهوض بالصناعة المحلية وزيادة الصادرات.
وتنظر كوريا، التي يتوقع أن تصبح من كبرى الدول في الطاقة المتجددة، إلى مصر على أنها مركز مهم لمستقبل صناعة الهيدروجين الأخضر. ومن المرجح نمو الاستثمارات الكورية الجنوبية في مصر خاصة في ظل النجاحات التي حققتها كل من شركة سامسونغ وأل.جي في مصر.
كما تعد اليابان أحد البلدان الكبرى التي تستند إليها مصر في جذب التمويلات والاقتراض، لذا ترغب طوكيو في زيادة تعميق التعاون الاقتصادي المشترك مع مصر في مشروعات البنية التحتية والنقل والطاقة والتعليم.
وتلعب حزمة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة لتعزيز الاستثمار مؤخرا بشأن الرخصة الذهبية والإعفاءات الضريبية للمشاريع الجديدة، فضلا عن القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار في مايو الماضي، دورا مهما في تعزيز الاستثمار الأجنبي في السوق. ويتفق العديد من الخبراء على أنها خطوات إيجابية لتحسين بيئة الأعمال وزيادة نمو الصادرات وخفض الواردات.