القاهرة تستعين بسيتي غروب لمواجهة ارتفاع أسعار الغذاء

دخلت مصر مرحلة جديدة في خططها الاستراتيجية المتعلقة بخفض تكاليف الاستيراد، مع دراسة وزارة التموين والتجارة الداخلية إبرام عقود تحوط لسلعتي الزيت والقمح مع مؤسسة سيتي غروب الأميركية قبل نهاية شهر يناير الجاري، لمواجهة الارتفاع الكبير في أسعارها مع زيادة الاستهلاك الناشئ عن نمو السكان.
القاهرة - تسعى القاهرة إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة بشتى الطرق التي تمنع صعود أسعار السلع الأساسية المستوردة، بعد أن شهدت ارتفاعات قياسية على المستوى العالمي خلال العام الماضي في ظل انخفاض إنتاج المحاصيل في الدول المنتجة وزيادة تكاليف الشحن والقفزة الكبيرة في أسعار الأسمدة.
ويُقصد بعقود التحوط لسلعتي الزيت والقمح، أن تتعاقد الحكومة مع مؤسسة مالية عالمية ويتفقان على الشراء من البورصة العالمية بسعر محدد في وقت ما مستقبلا، وتقوم تلك الجهة بالتمويل وتُنفذ العمليات والمناقصات بالبورصة عبر الحكومة.
وهذا يعني أن تتولى المؤسسات المالية المتعاقد معها للتحوط سداد فروق الأسعار المتفق عليها حال تحركها صعودا أو هبوطا بالبورصة، مقابل رد تلك القيم في صورة أقساط شهرية أو نصف سنوية من جانب الحكومة.
وتراود آلية عقود التحوط على السلع السلطات المصرية منذ ثلاثة أعوام، لكن لم ترتق للتعاقد مع مؤسسة مالية دولية، خشية تقلبات الأسعار بالأسواق العالمية، فضلا عن المضاربات التي يقوم بها المتداولون والتي يصعب معها التوقع بأسعار السلع مستقبلا.

نادر نورالدين: آلية غير مجدية تلجأ إليها الحكومة خوفا من الضغط على الدولار
ولم تعد تلك الأداة فاعلة في مواجهة ارتفاع أسعار القمح والزيت عالميا، لأنها لا تتم داخل قاعات التداول، ولا يتمكن أي بلد من استغلال أوقات انخفاض أسعار السلع بالبورصات العالمية وتعقد ما تريده من صفقات مباشرة، غير أن الأسواق تسمح في كل جلسة بشراء ثلاثة مراكب للقمح فقط بسعة 60 ألف طن لكل منها، حتى لا يعد ذلك استغلالا حال تراجع الأسعار.
وسجلت أسعار القمح ارتفاعات كبرى مع نهاية العام الماضي، واشترت وزارة التموين المصرية نحو 180 ألف طن من القمح الروسي بسعر 332 دولارا للطن، ومن قبلها هيئة السلع التموينية نحو 360 ألف طن بسعر 328 دولارا.
وحال استمر ذلك الاتجاه الصعودي بأسعار القمح تتفاقم التحديات أمام السلطات المصرية، إذ تعد البلاد أكبر مستورد للقمح في العالم، ما يعجّل بخفض دعم رغيف الخبز لحاملي البطاقات التموينية، ويأتي ذلك مع تحديد الحكومة سعر القمح في موازنة العام الجاري عند مستوى 255 دولارا.
ويشير ذلك إلى عدم استبعاد ارتفاع معدلات التضخم الأشهر المقبلة، خاصة أن السلع الغذائية تعد سببا رئيسيا في ارتفاع التضخم، والذي وصل في نوفمبر الماضي في مصر إلى مستوى 6.3 في المئة.
وقال نادر نورالدين مستشار وزير التموين المصري سابقا إن “عقود التحوط بمثابة شراء بالأجل، وتستعين الحكومة فيها بالمؤسسات المصرفية والمالية العالمية لتمويل عقود شراء السلعة، وهي أداة غير مجدية وتمثل عبئا على مصر، لكن تلجأ إليها خوفا من الضغط على العملة الأجنبية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القوانين الدولية تمنع أي دولة من شراء السلع بالبورصات العالمية لأجل المتاجرة بها وبيعها في الأسواق المجاورة أو داخل البلد الواحد”.
وأوضح أن البورصات العالمية تشترط دفع القيمة المالية المستحقة مقدما لشراء أي سلعة ما، ومن ثم تشتري المؤسسات الدولية السلعة نيابة عن الحكومة وتسدد السعر بالبورصة في الوقت الذي تحدد فيه الحكومة الكميات، ثم تسدد ما عليها في أوقات تتفق عليها مع المؤسسات العالمية.
ويتحتم على الحكومة المصرية مواجهة الفجوة الغذائية، إذ تعتمد البلاد على نحو 65 في المئة من الاحتياجات الأساسية للغذاء على الخارج، وتستورد 12 مليون طن من القمح سنويا، و10 ملايين طن ذرة صفراء، وكل احتياجات زيوت الطعام والعدس و80 في المئة من الفول و30 في المئة من السكر و60 في المئة من الألبان المجففة واللحوم الحمراء.
وتوقع مكتب الشؤون الزراعية الأميركي بالقاهرة ارتفاع حجم واردات مصر من القمح في العام التسويقي الجاري خلال الفترة من يوليو وحتى يونيو المقبلين إلى نحو 12.4 مليون طن، وعزا ذلك إلى ارتفاع الاستهلاك بالبلاد.

سيد بسيوني: زراعة المحاصيل الزيتية وترشيد الاستهلاك مهم لخفض الاستيراد
ويصعب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمن الغذائي لتلك السلع الغذائية، لكن ربما تساهم المشروعات الزراعية الكبرى التي تنفذها مصر، مثل استصلاح نحو مليوني فدان بالدلتا الجديدة ومحور الإسكندرية مطروح وتوشكى، في توفير المزيد من الغذاء المصري خلال المرحلة المقبلة.
وأكد سيد بسيوني عضو مجلس إدارة لجنة الصناعات الغذائية بجمعية مستثمري العاشر من رمضان لـ”العرب” أن مصر تستورد نحو 98 في المئة من احتياجاتها بزيوت الطعام الذي تتحكم في سعره البورصة العالمية، كما يتمثل دور الحكومة في التعاقد على ما تحتاجه عبر تلك البورصة ولا تملك أي آليات لخفض السعر.
وينبغي على الحكومة أن تسعى إلى مواجهة نقص خامات زيت الطعام بطرق شتى، مثل زراعة بذرة القطن وفول الصويا وزهرة عباد الشمس، في الأراضي المستصلحة الجديدة أو على نهر النيل.
واقترح بسيوني أن تتعاون مصر مع دولة جنوب السودان لزراعة بعض المحاصيل الزيتية لتوافر الأرض الخصبة هناك، وما يعزز ذلك أن السلطات المصرية تعتزم بناء أربعة سدود لتخزين مياه الأمطار وتوفيرها في أوقات الجفاف.
وأشار إلى أن مصر من أكبر البلدان استهلاكا للزيوت على مستوى العالم، وتستخدم أكثر من مليوني طن سنويا، وأن عقود التحوط لن تجدي في خفض تكاليف الاستيراد، لغياب سياسات الترشيد في الريف الذي تعيش فيه فئة كبيرة من سكان مصر.
وارتفعت أسعار زيوت الطعام بمعدلات كبيرة العام الماضي، وصعد سعر طن عباد الشمس من مستوى 800 دولار في 2020 إلى نحو 1500 دولار مع نهاية العام الماضي، وفقا لتقدير لجنة الصناعات الغذائية.
وارتفع زيت النخيل الذي يستخدم في صنع المسلى النباتي من مستوى 600 دولار في 2020 إلى 1350 دولارا العام الماضي، وصعد سعر زيت الذرة من ألف دولار خلال الفترة نفسها إلى ألفي دولار، وأنهى العام الماضي عند مستوى 1600 دولار.
وأوضح بسيوني لـ”العرب” أن سبب ارتفاع أسعار زيوت الطعام يرجع إلى صعود رسوم الشحن من الخارج عقب فتح الأسواق العالمية بعد ذروة جائحة كورونا، إذ تسعى الدول المصدرة لخامات الزيوت إلى تعويض خسائرها بعد توقف المصانع فترات طويلة عن العمل.
ومن أبرز الدول التي تستورد منها مصر الزيوت إندونيسيا وماليزيا، وتستورد منهما زيوت النخيل والأولين، بينما يُستورد زيت عباد الشمس من البرازيل وأوكرانيا، وزيت الذرة من البرازيل والولايات المتحدة.