القاهرة تستعين بالقطاع الخاص لتعزيز مخزون السلع الغذائية

دخلت مصر رهانا جديدا لتعزيز مخزون السلع الغذائية الإستراتيجية بالاستعانة بخبرات القطاع الخاص في بناء مستودعات كبرى، كي ترفع من زيادة كمية مخزون المحاصيل والحبوب وسط حرص الحكومة على عدم الوقوع في فخ ارتباك سلاسل الإمدادات مجددا.
القاهرة - دفعت الأزمات العالمية التي تعيق إنتاج ونقل وتوزيع الأغذية، وفي مقدمتها القمح، السلطات المصرية إلى إدراك أهمية وجود احتياطي آمن من قوت أكثر من مئة مليون نسمة.
ولذلك خطت الحكومة خطوة عملية من شأنها إشاعة حالة من الطمأنينة داخل المجتمع وعدم تكرار سيناريو نقص الأغذية الذي تسبب في أزمات حادة في الأسواق.
ووقعت وزارة التموين والتجارة الداخلية عقودا نهائية بقيمة أربعة مليارات جنيه (205 ملايين دولار) مع شركات حسن علام للمرافق وأوراسكوم كونستراكشون وسامكريت لإنشاء أربعة مستودعات إستراتيجية للسلع الأساسية.
وتعد هذه أول شراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال تخزين السلع الغذائية. وسيتولى القطاع الخاص مهمة بناء وتشغيل وإدارة وصيانة المستودعات التي تشتريها الحكومة، ما يمنح السوق مرونة اقتصادية تمكنه من سد احتياجات الناس.

شريف فياض: التوزيع الجغرافي للمشاريع يلبي طلبات كافة مناطق البلد
ويعد المشروع جزءا من خطة حكومية أوسع لإنشاء سبعة مستودعات إستراتيجية في البلاد ستعزز القدرة التخزينية للحبوب الحيوية.
وتسعى القاهرة لزيادة الاحتياطيات الإستراتيجية من السلع الأساسية منذ اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا، والتي أدت إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية.
وتبلغ السعة التخزينية الإجمالية حاليا في 44 صومعة ووحدات تخزين حوالي 5.4 مليون طن، لا تأخذ في الحسبان كميات القمح الإضافي الذي يتم شراؤه في أوقات الأزمات.
ويتضمن النظام الذي تطبقه القاهرة لتخزين الحبوب تقليل حجم واردات القمح في موسم الحصاد لإفساح المجال لزيادة المعروض المحلي، ثم تستأنف الحكومة دورة الاستيراد مجددا بمجرد انخفاض احتياطيات القمح المحلية.
ومن شأن المستودعات الجديدة زيادة الطاقة الاستيعابية للاحتياطي الإستراتيجي من ستة أشهر إلى تسعة أشهر، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منها في غضون 20 – 30 شهرا، وتعمل وفق نظام آلي، وفق بيان جهاز تنمية التجارة الداخلية.
وقالت علاّم، وهي إحدى الشركات المشاركة في المشروع، إن “المستودعات ترتبط ببعضها إلكترونيا للسماح بتتبع محتوياتها، إذ أن نظام التتبع الآلي مصمم لضمان تخزين السلع الأساسية بشكل آمن وتقليل الفاقد، ما يعزز أيضا قطاع التجارة الداخلية”.
وتكمن أهمية التتبع الآلي لتلك المستودعات في تزويد وزارة التموين بالبيانات اللحظية عن الكميات الدقيقة للسلع المتاحة وللحد من الفساد والهدر، إذ يتم حساب الخارج منها بصورة لحظية.
وأكد شريف فياض أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء في القاهرة أن المستودعات الإستراتيجية تستخدم بشكل أكبر لتخزين السلع الغذائية الأساسية المستوردة، مثل زيوت الطعام والبقوليات والسكر، ويمكن إلحاق القمح المستورد بها في حال تدشين صوامع بها.
عبدالمجيد حسن: زيادة معدلات التخزين لا تعني تحقيق الأمن الغذائي التام
وأعلن جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين أن المستودعات الأربعة تتوزع في محافظات، الشرقية والسويس، وشمال وشرق البلاد، والفيوم والأقصر غرب وجنوب البلاد.
وأثنى فياض في تصريح لـ”العرب” على التوزيع الجغرافي لمواقع إنشائها، لأن الشرقية تغطي مناطق القاهرة والدلتا في الشمال منها، والسويس تغطي مثلث قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وجزءا من العاصمة.
وتابع بالإشارة إلى أن الفيوم ستلبي متطلبات وسط الدلتا والجيزة، والأقصر لتغطية منطقة جنوب مصر بأسرها.
ويبدو أن الحكومة تعلمت الدرس من ضعف سلاسل الإمداد العالمية التي ضربت مفاصل الاقتصاد وترتب عليها شح كبير في الدولار، ما دفع مصر إلى الاستدانة من المؤسسات الدولية لشراء تموين البلاد من القمح.
ولذلك تسعى السلطات لزيادة القدرة التخزينية من الغذاء الإستراتيجي وتعتزم إطلاق مناقصة ثانية لبناء ثلاثة مستودعات أخرى، كما تدشن وزارة التموين صوامع قمح في توشكى بسعة نصف مليون طن.
وأوضح فياض لـ”العرب” أن الحكومة تسعى بقوة لزيادة المخزون الإستراتيجي من السلع الغذائية، وهي خطوة جيدة تسهل استيراد الغذاء من الخارج وتعزز من المشاركة في المناقصات وقت توفر المحاصيل.
وتقلل تلك المستودعات من الضغط على الحكومة وعدم الحاجة لشراء المحاصيل من الخارج فور طرحها لأن بدايات موسم أي سلعة تأخذ أسعارها منحى الصعود.
وكشفت الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين عن خطط لاستثمار 30 مليون دولار في بناء خمس صوامع العامين المقبلين، من الحجم الضخم بقدرة تخزينية 100 ألف طن من القمح.
وأحد مشروعاتها سيتم تنفيذه بالتعاون مع شركة سيمبريا الدنماركية التي تبني مجمعا لصوامع القمح في محافظة بورسعيد، كما تدشن شركات إيطالية ست صوامع بسعة 30 ألف طن.
5.4
مليون طن السعة التخزينية الإجمالية التي توفرها 44 صومعة ووحدات التخزين في البلاد
وأشار عبدالمجيد حسن عضو جمعية مستثمري الإسكندرية إلى أن الحكومة تسعى لرفع معدلات تخزين الغذاء الفترة المقبلة خاصة من القمح، وتوفر الآليات اللازمة لذلك، مشددا على أن تحقيق المخزون الإستراتيجي من السلع لا يعني تحقيق الأمن الغذائي.
وبلغت مشتريات الحكومة نحو 4.2 مليون طن من القمح من المزارعين المحليين خلال موسم الحصاد هذا العام، وهو أعلى معدل بنحو 20 في المئة مقارنة بالكميات التي جرى توريدها العام الماضي.
ولكنه لا يزال دون الهدف الطموح للحكومة والبالغ نحو 6 ملايين طن، لاسيما بعد أن دفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية السلطات لزيادة اعتمادها على المحصول المحلي.
وقال حسن لـ”العرب” إن “الأمن الغذائي يعني أن توفير الأغذية تتم النسبة الأكبر منه من السوق المحلية وبشكل مستدام، أي استمرار ضخ الحبوب وغيرها من السلع الإستراتيجية عبر الزراعة في البلاد ووصول السلع لكافة الفئات، وكذلك الأمان والسلامة للأغذية المحلية”.
وفي سبيل تحقيق زيادة القدرة التخزينية للغذاء منح البنك الدولي حزمة تمويلية للحكومة بقيمة نصف مليار دولار منذ نحو ثلاثة أشهر، لتعزيز الأمن الغذائي ومخزون السلع الإستراتيجية في البلاد.
وخصصت مصر أكثر من خُمس هذا التمويل، وتحديدا 117.5 مليون دولار، لزيادة السعة التخزينية للصوامع الحكومية.
وذكر حسن أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة تعزز المخزون الغذائي من المحاصيل الإستراتيجية، الذي يتحقق عن طريق الاستيراد من الخارج أو بتخزين جزء من الأغذية ذات المنشأ المحلي.
وأوضح أنه يُشترط أن يتم حفظ ذلك المخزون بطريقة آمنة وبعيدة عن الآفات والحشرات، ويكفي للاستهلاك لعدة أشهر.