القاهرة تستبق حكومة نتنياهو بتحذير من انفجار الأراضي الفلسطينية

فرص اندلاع حرب جديدة في غزة تتزايد مع تشكيل حكومة يمينية متطرفة.
الأربعاء 2022/12/14
جهود القاهرة للسلام على المحك

القاهرة - بدأ شبح تأثير تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل ينعكس مبكرا على العلاقات مع مصر، التي استبقت الإعلان رسميا عن حكومة بنيامين نتنياهو بإطلاق تحذير من انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، لحث المجتمع الدولي على المزيد من الضغط على الحكومة الجديدة للتخلي عن خططها السلبية للسلام مع الفلسطينيين.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن القاهرة أرسلت رسالة وصفتها بـ”القاسية” إلى إسرائيل بشأن تبعات تصاعد العنف ضد الفلسطينيين، وأعادت التذكير بمحاولات سابقة عديدة لوقف اعتداء المستوطنين في الضفة الغربية.

وأصدرت الخارجية المصرية بيانا حذرت فيه من التداعيات الخطيرة لاستمرار التصعيد على الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام، وعبرت عن قلقها البالغ مما تشهده الأراضي المحتلة من “أعمال عنف بوتيرة متزايدة تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني”.

وأشارت الجمعة إلى أن العام الحالي شهد أكبر عدد من الضحايا الفلسطينيين منذ سنوات، ما ينذر “بمخاطر تدهور الأوضاع نحو المزيد من العنف وإراقة الدماء”.

المخاوف لا تنبع من سياسات اليمين المتطرف، بل لأن العلاقات بينه والقيادة المصرية ليست في أفضل حالاتها

وتبدو الأوضاع قابلة للتصعيد مع تولي حكومة يمينية متطرفة، وقد تجد القاهرة المزيد من الصعوبات لوقف التوتر ومنع الانزلاق إلى حروب جديدة في قطاع غزة، بعد أن قطعت أشواطا مهمة في إقناع الفصائل بالالتزام بالهدنة.

ولم ترد حركة حماس على الضربات الإسرائيلية التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحركة الجهاد الإسلامي في أغسطس الماضي، وتمكنت القاهرة من وقف التصعيد الثاني من نوعه في القطاع خلال عام، وغير معلوم كيف ستتعاطى حماس مع نتنياهو.

ولدى القاهرة قناعة بأن أحزاب اليمين المتطرف التي تحالف معها نتنياهو لتشكيل حكومته تختلف عن غيرها من الحكومات اليمينية السابقة على المستوى الأيديولوجي، وأن رفع شعارات فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإعلان ما يسمى بـ”الدولة اليهودية” في أرجاء فلسطين، كفيل بإشعال المنطقة.

وقالت مصادر سياسية مصرية لـ”العرب” إن القاهرة ضاعفت اتصالاتها مع الإدارة الأميركية في الفترة التي سبقت التوافق شبه النهائي على تشكيل الحكومة الجديدة، لحضها على التراجع عن أهدافها المرتبطة بالقضية الفلسطينية ولم تتلق نتيجة إيجابية.

وأعلن حزب الليكود التوصل إلى اتفاق مع حزب شاس اليهودي المتشدد، ضمن منه نتنياهو الحصول على أغلبية برلمانية، إلا أن الشراكة أثارت قلقا سياسيا متزايدا.

وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن الحكومة قيد التشكيل برئاسة نتنياهو هي “الأكثر تطرفا وجنونا في تاريخ البلاد.. ونتنياهو ضعيف وشركاؤه أصغر منه وأكثر إصرارا وتطرفا منه، وابتزوه دون قيد أو شرط”.

وكشفت المصادر المصرية ذاتها أن المخاوف لا تنبع من سياسات اليمين المتطرف المتحالف مع نتنياهو فقط، بل لأن العلاقات بينه والقيادة المصرية ليست في أفضل حالاتها، حيث استطاعت القاهرة التوصل إلى تفاهمات سياسية وأمنية مع الحكومتين اللتين تشكلتا بعد رحيله، وتطورت العلاقات بشكل ملحوظ مع يائير لابيد.

وأوضحت المصادر لـ”العرب” أن القاهرة تتوقع التزام نتنياهو بما حدث من تفاهمات مع مصر، لكنها لن تكون بالقدر نفسه من الانفتاح على توقيع اتفاقات أمنية جديدة خارج إطار معاهدة السلام، عكس حكومتي لابيد ونفالتي بينيت، وستكون في وجه مطالب يمكن أن يرفعها أعضاء الأحزاب المتحالفة مع نتنياهو بمزاعم العودة إلى سيناء لتسوية القضية الفلسطينية.

وتصطدم القاهرة بمخاطر عدة، في حال اختارت حكومة نتنياهو التصعيد، ما يدخل مصر في شد وجذب معها في ظل التزام القاهرة بإعادة إعمار قطاع غزة، وستكون لاندلاع حرب جديدة في القطاع انعكاسات سياسية سلبية على العلاقات بين البلدين.

ومن المتوقع أن تمضي الحكومة اليمينية في التصعيد على جبهات القدس ونابلس وغزة لتنفيذ تعهدات شركاء نتنياهو الذين قدموا وعودا بتقديم كافة أشكال الدعم للمستوطنين، حيث تضم الحكومة أعضاء يفتقرون لخبرة التعامل مع الحسابات الإقليمية لإسرائيل حيال جيرانها وشركائها الدوليين، الذين سيجدون أنفسهم في موقف محرج.

وأمام القاهرة جولة جديدة من المفاوضات مع أطراف فلسطينية مختلفة لتحديد آليات التعامل مع الحكومة الجديدة، لأن الوفاء بتعهدات الحكومة المزمع الإعلان عن تشكيلها قريبا بقطع قنوات الاتصال الأمنية والسياسية مع السلطة الفلسطينية، بحاجة إلى تنسيق مشترك مع القاهرة يضمن التعامل مع الوضعية الجديدة التي ستكون فيها الأراضي الفلسطينية أمام شبح مواجهات محتدمة تنهي حالة الهدنة الراهنة.

أمام القاهرة جولة جديدة من المفاوضات مع أطراف فلسطينية مختلفة لتحديد آليات التعامل مع الحكومة الجديدة

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إن استباق القاهرة تشكيل الحكومة يؤكد استشرافها للخطر في الأراضي الفلسطينية نتيجة خبراتها السياسية والأمنية، وتضمنت تحذيراتها إشارات بشأن المنطقة بأكملها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الفصائل الفلسطينية تستعد من الآن لجولة جديدة من الصراعات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي، وأن توسع الاستيطان في الضفة الغربية ستقابله بشكل مباشر ردود أفعال قوية في غزة، وهناك قناعة فلسطينية بأن نتنياهو ليست لديه نوايا للسلام، والاكتفاء بالسلام الاقتصادي الذي أقدم عليه من قبل سيكون محل شك هذه المرة.

وأوضح أن نتنياهو نجح بالفعل في تشكيل حكومته، وأن مطالبته بمهلة لمدة أسبوعين استهدفت صدور قرارات من الكنيست تستبق تشكيل حكومته، بينها قانون يتيح لمن صدرت ضدهم أحكام في قضايا فساد بتولي مناصب سياسية لتحصين منصبه.

وحقق تحالف نتنياهو اليميني نصرا مريحا في الانتخابات التي جرت في الأول من نوفمبر، وكانت الخامسة التي تشهدها إسرائيل في أقل من أربع سنوات، وهذه المرة تتشكل حكومة من أحزاب يمينية، بعد فشل أحزاب اليسار في الحصول على أغلبية.

وتركز جزء كبير من الضجة المثارة حول الحكومة الجديدة على اثنين من القوميين المتطرفين، لهما تاريخ من الخطاب الاستفزازي المناهض للعرب، وهما إيتمار بن غفير الذي سيتولى منصب وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش الذي سيُمنح حقيبة المالية.

وانتهت الأحد مهلة الـ28 يوما لتشكيل الحكومة، لكن يمكن بموجب القانون أن يمنح الرئيس الإسرائيلي رئيس الوزراء المكلف مهلة إضافية لا تتجاوز 14 يوما، وأمهل الرئيس إسحاق هرتسوغ الجمعة نتنياهو 10 أيام أخرى لتشكيل حكومته.

6