القاهرة تستبق اتفاقا مع صندوق النقد ببيع شركات الجيش

الحكومة للمصريين: لن يُستثنى أحد من مسارات حل الأزمة.
الخميس 2024/02/29
الإمارات أقدمت على خطوة غير مسبوقة لدعمنا

شكل توجه الحكومة نحو طرح حصص من الشركات المملوكة للجيش للبيع خطوة إيجابية، ليس فقط لصندوق النقد الدولي بل وأيضا للشارع والمعارضة في مصر اللذين لطالما اعتبرا أن سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد تعرقل جلب الاستثمارات الخاصة، وتعيق فرص حل الأزمة.

القاهرة- قدمت الحكومة المصرية إشارات إيجابية حول جديتها في طرح بعض حصص الشركات الاقتصادية التابعة للجيش، وناقشت العروض المقدمة بشأن الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية)، في خطوة تعزز موقفها التفاوضي مع صندوق النقد الدولي قبل الاتفاق النهائي على تقديم حزمة مساعدات جديدة، وبعثت القاهرة برسالة مفادها أنها ستضاعف من انفتاحها على القطاع الخاص.

وعقد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، مساء الثلاثاء، اجتماعا قُدمت فيه عروض بشأن شركة “وطنية” التي أعلن طرحها ضمن خطة بيع عدد من الشركات الحكومية، وجرى التأكيد على جدية الدولة في بيع عدد من الشركات التابعة للجيش.

وتحمل خطوة الحكومة أبعادا سياسية واقتصادية مهمة، حيث تدحض شائعات ارتبطت بموقفها الغامض من اقتصاد الجيش، وقللت من حديث متواتر يقول إن شركاته بوابة للضغط عليها من اتجاهات عدة، تزامن مع نقاشات دارت بينها وبين صندوق النقد حوت انتقادات بشأن تضخم هذه الشركات.

ومن بين شروط القرض الأخير للصندوق، طرح جزء من هذه الشركات للبيع، وإتاحة حرية المنافسة في السوق على قواعد اقتصادية شفافة.

ووجدت قوى معارضة في هذا الأمر فرصة لتحميل الحكومة مسؤولية التراجع الاقتصادي بسبب عدم وجود التكافؤ بين شركات جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش، وبين شركات القطاع الخاص، وكان من المهم تعزيز الفرص الاستثمارية أمام الأخيرة في وقت تتجه فيه الدولة لجذب استثمارات جديدة.

وبعثت الحكومة بإشارة للمواطنين تؤكد أن الخطوات التي تتخذها لتحسين الأوضاع الاقتصادية تسير بوتيرة ثابتة، وأن مسارات الحل لن يُستثنى منها أحد، بما فيها شركات الجيش التي تقرر طرح بعضها في البورصة.

ويبرهن هذا التوجه أيضا لصندوق النقد أن القاهرة تستجيب لمطالب شهدت جدلا حول كيفية تنفيذها بما لا يخل بركائز اقتصاد يعتمد على الحكومة في عملية الإنتاج.

كريم العمدة: صفقة رأس الحكومة مع دولة الإمارات قلبت بعض الموازين
كريم العمدة: صفقة رأس الحكومة مع دولة الإمارات قلبت بعض الموازين

وقالت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، إن الصندوق نجح في حل القضايا الأساسية مع السلطات المصرية في ما يتعلق بمراجعته لبرنامج قرض مع مصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ومتوقع وضع اللمسات النهائية على حزمة تمويل إضافية في غضون أسابيع، ووصفت النقاشات مع الحكومة بأنها “بناءة جدا”.

وأكد الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي أن خطوات الحكومة بشأن شركات الجيش هي انتقال إيجابي على مستوى إتاحة الفرص للقطاع الخاص والتشجيع على تسريع عجلة الإنتاج المحلي بما يوجد ثقة أكبر في الاقتصاد.

وأضاف سامي في تصريح لـ”العرب” أن المواطنين تربوا على ثقافة احترام الجيش ومؤسساته واعتباره حائط الصد الرئيسي ضد أي أخطار يواجهونها، ومحاولات النفخ في دوره الاقتصادي من جانب وسائل إعلام معارضة تسهم في تغيير هذه الصورة، ولذلك فالخطوات التي تتخذها الحكومة تعيد الأمور إلى نصابها، وتتركها لآليات السوق الحر، وأن طرح شركات تابعة للجيش في البورصة يزيل استهدافها.

وأعلن الرئيس السيسي في نوفمبر 2022 طرح شركات الجيش في البورصة لدعم الاقتصاد، وتوسيع قاعدة ملكيتها وجذب استثمارات القطاع الخاص، غير أن حركة الطرح سارت بشكل بطيء، ما دفع البعض إلى التشكيك في نوايا الحكومة.

وأغلقت مصر باب تلقي العروض النهائية لشراء أسهم شركة “وطنية” مطلع فبراير، ما يؤشر على قرب الإعلان عن الفائز بالصفقة، وتتنافس للاستحواذ على حصصها شركتا شل ونورث بتروليوم العالميتان، وشركات طاقة عربية وبترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وبترول الإمارات الوطنية (إينوك) وبترومين السعودية.

وأوضح خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن طرح شركات الجيش في البورصة جاء ضمن النقاط الأساسية التي تثار حولها نقاشات عديدة بين الحكومة وصندوق النقد، لكنها ليست النقطة الوحيدة أو الأكثر أهمية، كما تصور بعض وسائل الإعلام التابعة للإخوان التي عملت بحرفية على تصدير صورة مغلوطة جعلت المصريين يرون أن حل الأزمة الاقتصادية يكمن فقط في التخلص من هذه الشركات، وما ساعد على ذلك عدم وجود معلومات دقيقة بقيمة مساهمات هذه الشركات في الاقتصاد المحلي.

ولفت العمدة في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة تعمل على الاستجابة لمطالب المؤسسات الدولية من دون أن يخل ذلك بحضورها على مستوى السيطرة على مداخل الاقتصاد المهمة، ولديها مهارات تفاوضية مع الجهات الدولي.

محمد سامي: خطوات الحكومة بشأن شركات الجيش انتقال إيجابي
محمد سامي: خطوات الحكومة بشأن شركات الجيش انتقال إيجابي

وشدد على أن القاهرة عملت على تقديم التطمينات اللازمة بعد تنفيذ صفقة “رأس الحكمة” مع دولة الإمارات، وهي الصفقة التي قلبت بعض الموازين وحولت القاهرة من جهة لديها شح في العملة ولا تمتلك القدرة على تجاوز المأزق الاقتصادي إلى جهة تملك قدرة فائقة على جذب مليارات الدولارات في فترة وجيزة، مع التأكيد على وجود صفقات أخرى.

وأعلن الرئيس المصري الأربعاء أن جزءا من المبالغ المعلن عنها في الاتفاق الذي وقعته مصر مع الإمارات لتطوير منطقة رأس الحكمة وصل إلى البنك المركزي. ووقّعت مصر والإمارات اتفاقا يوم الجمعة لتطوير شبه الجزيرة المطلة على البحر المتوسط في شمال مصر وتنفيذ مشروعات أخرى. وذكر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الاتفاق سيجلب لمصر استثمارات بقيمة 35 مليار دولار خلال الشهرين المقبلين.

وقال السيسي في كلمة خلال إحدى الفعاليات “لازم أوجه الشكر لأشقائنا في الإمارات، وعلى رأسهم أخويا فخامة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد”.

وأضاف “عايز أقول لكم مش سهل أبدا إن حد يحط 35 مليار دولار في شهرين، مفيش في العالم كده… وده شكل من أشكال المساندة والوقوف والدعم بشكل واضح، والقرار اتاخد في ثانية ومن غير إحراج ولا أي حاجة… أنا بسجل هنا موقف خاص بالإمارات في الموضوع ده”.

وقال العمدة إن الحديث عن توفير الدولار تراجع، بالشكل الذي يمنح الحكومة المزيد من الارتياح السياسي لتنفيذ برنامج الطروحات بما لا يجعلها طرفا خاسرا، ويفتح الباب أمام طروحات أخرى الفترة المقبلة، وهو ما يمنح مؤشرات جيدة للقطاع الخاص الذي سيكون شريكا إستراتيجيا في بعض الشركات، بمعنى مساهمته ستكون ملموسة في عملية تطوير وتوسيع العديد من المشروعات الحكومية.

وتحدث رئيس الحكومة المصرية في وقت سابق أن وجود شركات أجنبية كبرى في العروض المقدمة يؤكد الثقة في الاقتصاد، قائلا “لدينا سوق جاذبة لمختلف الاستثمارات”، وأن حكومته مستمرة في تنفيذ برنامج الطروحات الذي سبق الإعلان عنه، في إطار تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة الهادفة إلى تمكين القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد.

واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي أن إعلان مصر عن استثمار حجمه 35 مليار دولار مع دولة الإمارات لتطوير واحدة من أفضل مناطق ساحلها على البحر المتوسط “علامة إيجابية للغاية”، وأن صندوق النقد سيأخذ في الاعتبار تدفقات التمويل من مصادر أخرى لسد الفجوة التمويلية في مصر.

2