القاهرة تربط الحياة الكريمة للاجئين بتلقي المزيد من المساعدات

القاهرة – أعادت الحكومة المصرية التلويح مجددا بعدم قدرتها على تحمل أعباء اللاجئين ما لم تتحصل على دعم مالي من المجتمع الدولي، يتناسب مع ما تتحمله من ضغوط اقتصادية، وهو ما يؤثر سلبا على الخدمات التي تقدمها للاجئين على أراضيها.
وأبلغ مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية إيمي بوب المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، خلال استقباله لها في القاهرة الاثنين، أن الدعم الذي تتلقاه القاهرة من المجتمع الدولي “لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء لتوفير حياة كريمة للوافدين إليها، بالتزامن مع التحديات الاقتصادية للدولة”.
وأشار إلى عدم حصر دعم القاهرة في البرامج والمساعدات قصيرة المدى، وضرورة أن يشمل ذلك دعما هيكليا متوسط المدى كي تتمكن الحكومة من الاستمرار في تقديم الخدمات وتخفيف الأعباء المُلقاة على عاتقها.
ولاقت القاهرة إشادات أوروبية على نجاحها في الحد من الهجرات غير الشرعية خلال السنوات الماضية، ما أسفر عن إبرام اتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ومصر، تضمنت حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفيْ الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.
وجاء لقاء مدبولي وبوب بعد مرور يوم واحد على اجتماع موسع عقدته الحكومة المصرية لمناقشة ما توصلت إليه كل وزارة من تقييم بشأن الأعباء التي تتحملها الدولة مقابل استضافة الملايين من اللاجئين، كي يتسنى التواصل مع الجهات الدولية المانحة من أجل تقديم الدعم المناسب للقاهرة.
وليست هذه المرة الأولى التي تلوّح فيها القاهرة بعدم قدرتها على تحمل أعباء اللاجئين (والمقيمين) الذين يصل عددهم إلى حوالي عشرة ملايين، بما يوازي نسبة عشرة في المئة من تعداد السكان، خاصة أن هناك امتعاضا شعبيا من تحميل المواطنين أزمات تفوق طاقاتهم بسبب عدم وضع حد لملف اللاجئين.
ويُعالَج اللاجئون في المستشفيات العامة ويدرس أبناؤهم في المدارس الحكومية والخاصة بالمزايا نفسها التي يستفيد منها المواطنون، ويحصلون على السلع الأساسية ويستخدمون وسائل النقل ويتلقون خدمات المرافق العامة (غاز وكهرباء ومياه شرب) بالقيمة المالية ذاتها التي يدفعها المصريون.
وتقول الحكومة إنها تتحصل على دعم مالي زهيد، وإن المساعدات الدولية لا تفي بالحد الأدنى من المتطلبات التي تجعلها مستمرة في التعامل مع ملف اللاجئين، ولم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء وهي تعاني أزمة اقتصادية.
وأصبح وصول المواطن إلى مرحلة غير مسبوقة من التذمر، جراء الغلاء والتضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات، صداعا للحكومة، وذلك تزامنا مع اتهام اللاجئين بأنهم جزء من المشكلة بسبب تزايد أعدادهم العام الماضي بعد اندلاع الحرب في السودان.
ويظل الإجراء الواضح الذي اتخذته مصر في هذا الملف أنها تمسكت بتقنين أوضاع اللاجئين عبر دفع رسوم إقامة تقدر بألف دولار لكل شخص، مقابل استخراج بطاقة هوية تحمل اسم “ضيوف مصر” توثق حجم الرعاية لتقديمها إلى المؤسسات الدولية.
وأوضحت نبرة رئيس الحكومة المصرية أن القاهرة يمكن أن تكف عن التعامل مع استضافة اللاجئين من منظور إنساني، لأن المجتمع الدولي لا يمنحها مساعدات للقيام بهذا الدور، ولا بديل عن اتخاذ خطوات عملية للضغط على الجهات المانحة.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني لـ”العرب” إنه “من الصعب على مصر أن تستمر في تقديم الخدمات نفسها إلى الملايين من اللاجئين وهي تعاني أزمة اقتصادية حادة، ومطلوب منها طوال الوقت تذكير المجتمع الدولي بفاتورة إقامة هؤلاء على أراضيها”.
ومن المستبعد أن تلجأ القاهرة إلى ترحيل أعداد من اللاجئين إلى بلادهم، كما فعلت دول أخرى وظفت هذا الملف في ابتزاز المجتمع الدولي سياسيا وماليا، لأن ذلك يتناقض مع النهج المصري الذي يتمسك بمعاملتهم كضيوف، لكن الحكومة لن تمل المطالبة بالمزيد من المساندة، وقد تقرر قصْر الخدمات والمرافق المدعومة من الدولة على مواطنيها.
ليست هذه المرة الأولى التي تلوّح فيها القاهرة بعدم قدرتها على تحمل أعباء اللاجئين الذين يصل عددهم إلى حوالي عشرة ملايين
كما أن القاهرة لن تتخذ إجراءات متشددة تؤثر على صورتها في جملة من الملفات المطروحة باستمرار وتتعلق باستيعاب اللاجئين دون متاجرة سياسية، كما فعلت تركيا عندما استقبلت الملايين من اللاجئين بعد تصاعد حدة الصراع في سوريا.
وتبدو الإشارة إلى الحياة الكريمة التي تتحدث الحكومة المصرية عن توفيرها للاجئين وتطلب دعما دوليا لاستمرارها كأنها رسالة تحذّر من أن القاهرة في المستقبل لن تعامل الوافدين كما تعامل مواطنيها، ولديها مبررات كافية تسمح لها باتخاذ تلك الخطوة.
وأكد اللواء يحي كدواني لـ”العرب” أن القاهرة ستظل تتعامل مع ملف اللاجئين بـ”أخلاق وشرف دون ابتزاز، لأن ذلك ليس في العقيدة المصرية، وتريد أن تكون هناك مسؤولية تشاركية من المجتمع الدولي إذا أراد توفير حياة كريمة للاجئين”.
وقال إن “الأوروبيين عليهم دعم مصر في الفترة المقبلة، لكن هناك شبهة تعسف في التعاطي مع مطالبها، مع أن بلدانا أخرى يصعب عليها تحمل كل هذا العدد من اللاجئين مهما كانت صلابة أوضاعها الاقتصادية”، لافتا إلى أن “القاهرة وفرت حماية طويلة لأوروبا من الهجرة غير الشرعية، ما يفرض على دولها توفير المزيد من الدعم والمساندة”.
وتتحرك القاهرة في هذا المسار وهي تدرك أهمية تصعيد النبرة وإظهار تذمرها إذا لم تحصل على مساعدات مالية كافية، لأنها تكون بذلك قد أرسلت رسالة تفيد بأنها تتحمل أعباء كبيرة، وتملك أدوات كافية تمكنها من كسب الموقف لصالحها والتعاطي بطريقة مغايرة في ملف اللاجئين لاحقا، وقذفت الكرة إلى ملعب المجتمع الدولي.