القاهرة تراهن على مؤتمر للاقتصاد لتجاوز تداعيات أزماتها

يراهن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على مؤتمر اقتصادي واسع دعا الحكومة إلى عقده قبل نهاية هذا الشهر لإنعاش النمو عبر مشاركة متخصصين وخبراء معارضين لوضع رؤية مستقبلية، وهو ما يكشف اعتراف السلطات بعمق الخلل الهيكلي الذي يضرب بعض المفاصل الاقتصادية.
القاهرة – تشهد مصر أزمة اقتصادية تفاقمت بشكل أكبر عقب الوباء ثم اندلاع الأزمة الأوكرانية، شملت أهم أركانها شح الدولار وعجز المصانع عن استيراد مستلزمات الإنتاج وارتفاع التضخم، ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى المطالبة بإيجاد حلول جذرية لتلك المعضلة.
واقترحت أوساط اقتصادية منذ نحو عامين، وعلى رأسهم الخبير هاني توفيق والمحسوب ضمن فئة المعارضين، إلى عقد مؤتمر بحضور الحكومة وهيئاتها وكل منظمات الأعمال والمجتمع المدني، لإيجاد حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية والصناعة.
ويكمن الرهان على المؤتمر، الذي تشارك فيه جهات حكومية صاحبة القرار، واقتصاديون على قدر عال من الخبرة في مجالاتهم، وأن تصدر قرارات ونتائج مُلزمة تطبق فور انتهاء المؤتمر وألا تكون حبيسة الأدراج.
هاني توفيق: يجب أن تكون نتائج المؤتمر مُلزمة ويُنفذها الوزراء
وقال توفيق في تصريح خاص لـ”العرب” إن “هذا المؤتمر يحمل أهمية كبيرة، ومن الضروري حضور منظمات مدنية، في مقدمتها اتحاد الصناعات المصرية، وجمعية رجال الأعمال، والغرف التجارية، واتحاد المستثمرين، وجمعيات المشروعات الصغيرة”.
وأضاف “يجب مناقشة كل الأزمات بحرية وتوضع لها حلول عاجلة لها بتوقيتات محددة، بإشراف رئيس مجلس الوزراء”.
وأشار إلى أن نجاح المؤتمر الاقتصادي يتوقف على جدية الجهة التي ستقوم بتنظيمه وجدول أعماله، وأهدافه، وأسماء المدعوين، ومدى المتابعة في تنفيذ القرارات التي يسفر عنها المؤتمر مع الوزراء المعنيين.
وتعد مشكلات الاقتصاد معروفة لدى الحكومة وتُدركها الجهات التابعة لها، ولذلك يجب أن يحوي المؤتمر عرضا لحلول الأزمات التي أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية مع تحديد توقيت فعلي لتنفيذها.
كما ينبغي ألا تكون مهمة المؤتمر وضع حلول أو إجراءات مؤقتة للحالة الراهنة، لكن بالعلاج الدائم للأزمات، ما يتطلب ربط نتائجه بتحديد سياسات ثابتة مستقرة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، تنعكس على المواطن عبر شعوره بتحسن أحواله المعيشية.
وتكمن أهمية المؤتمر في أن توقيت انعقاده جيد، لأنه يسبق قمة المناخ في شرم الشيخ والمزمع عقدها في نوفمبر المقبل، ويمكن أن يُجهز المؤتمر الاقتصادي قائمة لعرض الفرص على بعض المشاركين من المستثمرين في قمة شرم الشيخ.
رشاد عبده: التركز على التنمية واقعيا مهم بعيدا عن عرض المؤشرات
وكشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن مصر تستعد لطرح أكثر من 20 مشروعا يتعلق بما يسمى “الاقتصاد الأخضر” في خمسة قطاعات على المستثمرين في القمة.
وتشمل المشاريع قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة، والنقل، والزراعة، والمياه، والنفط والغاز، وتتعدى تكلفتها 120 مليار دولار.
وتبدو أهمية المؤتمر في توجيه رسائل طمأنة للمستثمرين بشأن السياسة النقدية، والتشديد على أنها لن تنفلت وستشهد استقرارا، بالتنسيق مع السياسة المالية وأن ثمة تدرجا في فرض الضرائب، وهي منظومة غير طاردة للاستثمار.
ويتوقع أن يشهد المؤتمر مشاركة واسعة من صندوق مصر السيادي لعرض الفرص المتاحة عبر صناديقه الفرعية المتخصصة في مجالات المرافق والبنية الأساسية والخدمات المالية والتحول الرقمي والخدمات الصحية والسياحة والاستثمار العقاري.
ومن المرتقب أن يتم التطرق إلى بيع بعض شركات الجيش عبر طرحها في البورصة مع نهاية 2022، بجانب الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
ولذلك جرى التعديل الوزاري الأخير بجانب تغيير قيادات سوق المال (البورصة والهيئة العامة للرقابة المالية) لإنجاز هذا الملف المتعطل منذ سنوات.
ولن تتم إثارة المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، وربما تُناقش في الجلسات التحضيرية المغلقة، لأنه لا يُعقل أن ينعقد المؤتمر على الملأ ليُصّدر للرأي العام الأزمات التي تمر بها مصر وبث الإحباط واليأس في نفوس المستثمرين.
إبراهيم الحدودي: إيجاد حلول عاجلة لمستلزمات الإنتاج ومعوقات التصدير
ولفت الخبير الاقتصادي رشاد عبده إلى أهمية مشاركة مفكرين وأصحاب كفاءات في المؤتمر، بعيدا عن المعارضين أو المؤيدين كأداة للاختيار فقط، لأن الكثير من المعارضين لا يملكون الرؤية الشاملة لعلاج الأزمة الاقتصادية.
وقال لـ”العرب”، إن “على المؤتمر أن يركز على التنمية ويشعر المواطن بالإصلاحات والجهود التي تبذلها الدولة، لأن الفترة الماضية شهدت تركيزا على النمو كمؤشرات وأرقام مع خلطها بإشادات مؤسسات دولية، وهي أمور لا تهم كثيرا الطبقات الكادحة”.
ويعتقد إبراهيم الحدودي مدير التصدير بشركة الصباح للصناعات الغذائية، أن المؤتمر يجب أن يتم في صبغة حوار مجتمعي بين الحكومة والاقتصاديين ومجتمع رجال الصناعة بهدف الوصول إلى حلول قابلة للتطبيق وتفعيلها على أرض الواقع.
وأضاف لـ”العرب” أن “أبرز الملفات التي يجب أن يشملها المؤتمر لتعزيز الصناعة تكمن في ضرورة حل أزمة نقص الخامات ومحو قيود الاستيراد التي تعوق شراء مستلزمات الإنتاج، لأنها عطلت توسعات وأنشطة مصانع عديدة في الفترة الماضية”.
وطالب خبراء الحكومة بالعمل على زيادة تدفق الدولار للأسواق المحلية عبر دعم أكبر للمنتجات المصرية في الخارج بالمشاركة في المعارض الدولية، حيث تتلقى الشركات في أميركا الجنوبية والصين دعما كاملا من حكوماتها، وتتحمل رسوم مشاركتها في المعارض.
وأوضح الحدودي أن الحكومة لا تدعم الشركات التي تشارك في المعارض الخارجية سوى بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة.
اقرأ أيضا: مشروع مصري لإنشاء مركز للطاقة صديق للبيئة
ولفت إلى أن المنشأة التي تتكبد 10 آلاف دولار تكلفة للمشاركة في المعارض الخارجية لا تحصل سوى على ألفي أو ثلاثة آلاف دولار، على الرغم مما يتردد حول تحمل الحكومة 60 و80 في المئة.
وأدى ارتفاع رسوم الاشتراك في المعارض الخارجية إلى عزوف بعض المصانع عن المشاركة في التسويق الدولي الذي يعد نافذة مهمة لاختراق بعض المنتجات المصرية للأسواق الأجنبية وجذب العملة الصعبة للبلاد.
وشدد الخبراء على منح أولوية لقضية دعم الصادرات في المؤتمر الاقتصادي بعد أن اشتكى العديد من المصدرين من عدم صرف مستحقات الدعم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات.
وتعرض الحكومة على المصدرين حاليا صرف مستحقاتهم بعد عام شرط التنازل عن 20 و25 في المئة منها، ما يتنافى مع تشجيع التصدير.
وذكر الحدودي أنه من العراقيل التي تعوق تحقيق مستهدفات التصدير عدم قبول البنوك للإيداعات من دول الجوار التي لديها مشكلات مصرفية وصعوبات في التحويل، مثل اليمن وفلسطين والسودان وليبيا.
ويتم الاستيراد في هذه الدول عبر إرسال أفراد لمصر وإيداع الأموال في حساب الشركة التي يتم الاستيراد منها رغم علم البنوك بأن ذلك هو نشاط المنشأة، لكن ترفض المصارف بحجة أن مصدر الدولار غير معروف، ما أفقد مصر أسواقا تصديرية مهمة.