القاهرة تخوض محاولة يائسة لجذب مدخرات المغتربين

تبذل مصر جهودا مضنية لزيادة حصيلتها الدولارية، واتجهت نحو العاملين في الخارج بعد أن لوحظ تراجع تحويلاتهم في الربع الأول من العام الجاري، وتسعى بطرق مختلفة لإقناعهم وتشجيعهم على وضع مدخراتهم في البنوك المحلية.
القاهرة - تعتزم البنوك الحكومية في مصر طرح شهادات دولارية بعائد مغر لجذب المزيد من السيولة الأجنبية من المغتربين، في خطوة تعكس حاجتها إلى الإسراع في معالجة الخلل في التوازنات المالية والوفاء بسداد أعباء الديون.
ويدرس بنكا الأهلي ومصر مجموعة من المقترحات التي صاغتها إدارات تطوير المنتجات بالمصرفين لزيادة الحصيلة الدولارية، وسوف يتم رفع المقترحات إلى البنك المركزي للحصول على الموافقة تمهيدا لطرحها.
ومن بين المقترحات شهادات ذات عائد يصل إلى 10 في المئة مع صرف الفوائد بالدولار، وقصر حق الاكتتاب على المصريين مزدوجي الجنسية والعاملين بالخارج والمقيمين والأجانب.
وتحوم شكوك حول نجاح الخطة الجديدة في جذب السيولة الأجنبية بعد فشل مبادرة تيسير استيراد سيارات المغتربين، حيث حققت نحو 800 مليون دولار فيما كانت تستهدف الحكومة منها نحو 2.5 إلى 3 مليارات دولار.
وتلجأ السلطات إلى طرح شهادات دولارية في الفترات التي ينشط فيها السعر الموازي للدولار، وهي محاولة لكبح جماح السوق السوداء التي تتاجر في العملات الأجنبية، لكن تكلفتها تبدو عالية، لأن العائد عليها سيكون مرتفعا.
وتفوق النسبة المحددة على تلك الشهادات نظيرتها على السندات الدولارية للحكومة التي تصل آجالها إلى نحو 10 سنوات بالأسواق العالمية، كما أن أقصى معدل للفوائد على الدولار في الولايات المتحدة لا يتعدى 5.5 في المئة.
وربما يكون الإقبال محدودا على الشهادات لأن المساحة الأكبر حاليا لا تزال خاضعة لسيطرة السوق السوداء، وفي ظل شح العملة الأجنبية يخشى المغتربون من عجز البنوك عن تسليم الودائع في أي وقت يرغبون في الحصول عليها أو حتى عندما يحين ميعاد الاستحقاق.
ورغم المساعي الحثيثة للبنوك الحكومية لطرح الشهادات الجديدة والتي هي بتعليمات من السلطات، لكنها ليست المرة الأولى لوجودها.
وتوفر هذه البنوك شهادات دولارية لجميع المواطنين بعائد يصل إلى 5.25 في المئة تحت مسمى الشهادة الذهبية الجديدة وشهادة أهل مصر الدولارية.
وقال عضو مجلس إدارة جمعية مستثمري العاشر من رمضان بشرق القاهرة سيد بسيوني لـ”العرب” إن “الخطة لن تنجح في جذب مدخرات الأجانب إلا مع وجود تطمينات من الجهاز المصرفي بشأن المرونة لسحب وإيداع الدولار خلال أي وقت”.
وتهدف البنوك من وراء طرح هذه الشهادات إلى تلبية طلبات المستوردين من أجل تعزيز الإفراج عن البضائع بالموانئ، لكن من المتوقع ألا تحقق الحصيلة المرجوة من ورائها والهادفة أيضا إلى مساندة الحكومة في سداد أعباء الديون الخارجية.
وأوضح بسيوني أن موارد البنوك من المؤكد أنها آخذة في الانخفاض، بسبب طرح الأوعية الادخارية بالجنيه مؤخرا والتي وصل العائد عليها إلى 25 في المئة شهريا، لكن لم تشهد آخر شهادات بعائد 19 في المئة طُرحت في أبريل الماضي إقبالا ملحوظا من الجمهور.
وتقوض التكهنات بشأن توقعات المؤسسات الدولية بإمكانية تحرير جديد لسعر الجنيه وانتظار حائزي الدولار من العاملين بالخارج لهذا القرار، فرص نجاح الشهادات الدولارية، خاصة أن المتعاملين يقارنون بين سعري العملتين لأجل الوصول إلى أعلى قيمة.
وأكد الخبير المصرفي عزالدين حسانين لـ”العرب” أن أزمة الثقة في الجهاز المصرفي المصري ربما تكون العامل السلبي عند طرح شهادات الادخار بالدولار.
وعزا ذلك إلى النظرة السلبية لتصنيف البلاد، وهو ما ترتب عليها خفض درجة الائتمان لكل من البنك الأهلي وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي وبنك الإسكندرية.
ويثير خفض تصنيف هذه البنوك مخاوف لدى العملاء بشأن مصير الودائع الدولارية القائمة، فضلا عن مخاطر اقتصادية تؤثر على تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، وما يتبع ذلك من مخاطر سياسية واجتماعية حال طالت تلك الأزمة.
ويقود ذلك إلى عدم مخاطرة الأفراد مرة أخرى بشراء شهادات دولارية، لأن المؤسسات العالمية تحذر من إمكانية التحفظ على الودائع الدولارية في الفترات الزمنية التي تشهد فيها الدول انخفاضا في العملة الصعبة.
وتواجه مصر نقصا في السيولة الدولارية بسبب خروج جزء كبير من رؤوس الأموال الأجنبية بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، ونمو التضخم المصاحب لزيادة أسعار الطاقة بعد العقوبات على موسكو.
ودفع ذلك المزيج من المشاكل البنوك المركزية حول العالم إلى تشديد السياسة النقدية، ما عزز شهية المستثمرين نحو الملاذات الآمنة والخروج من الأسواق الناشئة.
وأفضى ذلك إلى نشاط السوق الموازية بمصر التي يُتداول الدولار فيها بمستويات أعلى من 20 في المئة من السعر الرسمي، الذي استقر عند 30.9 جنيها منذ يناير الماضي.
وتسبب ذلك في تراجع تحويلات المصريين بالخارج بواقع 23 في المئة إلى 12 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي الذي ينتهي أواخر هذا الشهر، مقابل 15.6 مليار دولار على أساس سنوي.
وأوضح حسانين لـ"العرب" أن الهدف من وراء طرح الشهادات ليس توسع البنوك في الاستثمارات وتمويل مشاريع حكومية، لكن بهدف جمعها لتحصل عليها الحكومة لتعزيز الاحتياطي النقدي خوفا من تآكله وكذلك لسداد ديونها.
وكشفت النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي المصري عن سداد فوائد وأقساط بقيمة 7.15 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من السنة المالية الحالية.
وتوزعت تلك الأموال بين خدمة أعباء الدين إلى أقساط مسددة بقيمة 5.84 مليار دولار وفوائد مدفوعة بقيمة 1.31 مليار دولار.
وفي ما يخص النصف الأول من السنة المالية الحالية، فقد سجلت قيمة سداد الفوائد والأقساط نحو 11.9 مليار دولار.
ويتعين على مصر سداد 8.32 مليار دولار بنهاية يونيو الجاري، وفي 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول منه و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام ذاته.
وتهدف القاهرة أيضا من طرح الشهادات الحالية إلى توفير أكبر حصيلة من العملة الأجنبية، بجانب بيع بعض الأصول الحكومية تحسبا لاتخاذ قرار التعويم في أي وقت لتكون بمثابة الداعم للعملة المحلية.
ويرى البعض أن اتخاذ قرار التعويم دون وجود مساندة دولارية كبيرة يترتب عليه انهيار خطير للجنيه والدوران في حلقة مفرغة تؤدي إلى تعثر أكثر في اقتصاد الدولة.