القاهرة تخفف قيود الاستيراد لمواجهة شح الدولار

دخلت مصر في معركة جديدة لحل أزمة تكدس البضائع في الموانئ وتخفيف مخاطر مشكلة السيولة من العملة الصعبة، التي تسببت في شلل الكثير من المصانع وتجميد بعض الأنشطة الاقتصادية، في خطوة حذرت من تعكّر الأوضاع في المنشآت وتعطل ماكينات الإنتاج.
القاهرة - انحنت الحكومة المصرية لعاصفة الأزمة الاقتصادية واتخذت قرارات جديدة تعزز استئناف العمل في المصانع، ما دفع الكثير من المستثمرين إلى التفاؤل بشكل كبير بخصوص حدوث تحسن في المرحلة المقبلة.
وأصدر البنك المركزي قواعد جديدة لتيسير الاستيراد وتخفيف القيود على استخدام العملة الأجنبية لحل أزمة تراكم البضائع في الموانيء، بحسب وثيقة محضر الاجتماع الذي عُقد بين مسؤولي المؤسسة النقدية والبنوك العاملة بالسوق المحلية قبل أيام.
وجاءت القرارات استكمالا للإجراءات الاستثنائية لتيسير الإفراج عن الواردات وتخفيف الأعباء عن المستثمرين، التي أعلنت عنها الحكومة مطلع سبتمبر الجاري عقب شروعها في التنسيق مع محافظ البنك المركزي حسن عبدالله بشأن إجراءات الإفراج عن البضائع العالقة في الموانئ.
وتهدف القواعد الجديدة إلى التخفيف من الآثار السلبية لقرار محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر في مارس الماضي، والتي اشترطت فتح اعتمادات مستندية وقيدت تدبير الدولار لسداد قيمة البضائع المستوردة.

إبراهيم بشاري: قبول إيداعات دول الجوار يزيد الصادرات المصرية
وتسبب القرار في تعطل عمليات الاستيراد وأدى إلى تكدس البضائع داخل الموانئ المحلية، وأحدث نقصا في المواد الصناعية ومستلزمات الإنتاج والسلع الاستهلاكية.
وطالب خبراء بضرورة أن تقوم السلطات بتحديد قنوات واضحة لتدبير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد، من شأنها أن تخفف الصعوبات التي يواجهها المصنعون والموزعون.
وأكدوا أنه من الضروري سد الثغرات أمام تدبير المستوردين للعملة الأجنبية من خارج النظام المصرفي، فبعد سنوات من القضاء على السوق السوداء لن يقبل صناع السياسة النقدية بعودتها مجددًا.
ومن أهم القواعد التي اتخذها البنك المركزي مؤخرا أنه سمح للشركات باستخدام أرصدتها القائمة بالعملة الأجنبية حتى التاسع عشر من سبتمبر الجاري، بما في ذلك غير الناتجة عن نشاطها الأساسي لتنفيذ عمليات الاستيراد.
وكذلك سمح البنك باستخدام الأرصدة القائمة لدى الشركة الأم أو الشركات التابعة حتى التاريخ ذاته لتنفيذ عمليات الاستيراد.
وقال إبراهيم بشاري رئيس شركة البشاري للصناعات الغذائية في تصريح لـ”العرب” إن “القرار منطقي وتأخر تطبيقه كثيرا”.
وأوضح أن الشركات كانت لديها عملات أجنبية في حساباتها بالبنوك، لكنها لم تستطع أن تستخدمها في تغطية الاعتمادات المستندية في تلك الفترة بداعي أن البنوك لا تتلقى دولارًا من الشركات باعتباره غير معلوم المصدر.
ووافق المركزي على قبول حصيلة الإيداعات النقدية بالعملات الأجنبية الناتجة عن عمليات التصدير لست من دول الجوار هي فلسطين، وليبيا، وسوريا، والسودان، والعراق، واليمن، واستخدامها في العمليات الاستيرادية، مع مراعاة تناسب حجم الإيداعات مع طبيعة وحجم نشاط العميل المعتاد.
وأضاف بشاري أن “عدم قبول تلك الإيداعات منذ البداية أفقد الشركات المصرية عددا كبيرا من تلك الأسواق”.
وتابع “ورغم علم المسؤولين في ولاية المحافظ السابق بطبيعة تعامل المستوردين في الدول سالفة الذكر، إلا أنه لم تكن هناك مرونة وكانت تُرفض إيداعاتهم ومن ثم عدم القدرة على تصدير أي شحنات لهم، متوقعًا استئناف التصدير قريبًا بعد ذلك القرار”.

وشملت قرارات البنك المركزي أيضا استثناء المكونات المستوردة للسلع الإلكترونية محلية الصنع من قرار العمل بالاعتمادات المستندية، واعتبارها من مستلزمات الإنتاج.
وتعد آلية الاعتمادات المستندية التي حلت مكان مستندات التحصيل سبب الأزمة الحالية التي أدت إلى تكدس البضائع بالموانئ ومن ثم شلل المصانع المصرية وتعطل الإنتاج بالمنشآت المختلفة.
ويكمن الفارق بين الأداتين في أن الاعتمادات المستندية يتم التعامل بها بين بنك المستورد وبنك المصدر، وتشكل المصارف حلقة الوصل بين المصدر والمستورد، إذ تحتجز سعر البضاعة من المستورد قبل وصولها ثم ترسلها إلى بنك المصدر بعد وصولها.
وفي طريقة مستندات التحصيل يكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر بناء على الثقة والتعاملات السابقة، فيما يقتصر دور البنك على تحويل الأموال فقط.

سمير عارف: القرار سيؤدي إلى عودة المصانع لاستئناف نشاطها
وأكد سمير عارف رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان أن القرارات إيجابية وبعضها تأخر كثيرا مثل هذا البند، وأن السلع الرقمية والصناعات الهندسية بشكل عام أصبحت أساسية ولا يمكن للمجتمع أن يتخلى عنها ولذلك يجب أن تعامل معاملة أي سلع أساسية.
وتم تطبيق آلية الاعتمادات المستندية في البداية على استيراد كل السلع والخامات، إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي تدخل في مايو الماضي ووجه باستثناء مستلزمات الإنتاج من الإجراءات التي تم تطبيقها على الاستيراد والعودة إلى النظام القديم عبر مستندات التحصيل.
وأوضح عارف لـ”العرب” أن القرار من شأنه أن يؤدي إلى معاودة عدد كبير من المصانع استئناف عملها، وإزالة الأعباء الإضافية التي تكبدها المستثمرون بسبب تكدس البضائع في الموانئ، وهناك فرصة كبيرة في حدوث انفراجة والإفراج عن البضائع بعد هذه القرارات.
وسمح المركزي بعد تردد طويل للمستوردين باستخدام تحويلات بالعملات الأجنبية من شركائهم في الخارج في سداد الواردات، ويقتصر ذلك على التحويلات الناتجة عن توزيعات أرباح بالخارج أو زيادة رأس المال من الشركة الأم أو الشركات أو المساهمين بالخارج.
ويمكن للشركات التابعة استخدام قروض بالعملة الأجنبية من الشركات الأم شريطة التأكد من أن فترة التمويل لا تقل عن سنة وأن يجري إدراج ذلك في القوائم المالية لدى الطرفين.
وذكر محمد المغربل رئيس مجلس إدارة شركة سيلاز لصناعة البن في تصريحات لـ”العرب” أن القرار يتسم بذكاء شديد لأنه يعزز من ضخ الدولارات من الشركات الأجنبية الأم في الخارج.
وقال إنه “سيسمح لفروع تلك الشركات في مصر بالاستمرار في الاستيراد، ومن ثم لن يمثل ذلك عبئًا على البنك المركزي أو الاحتياطي الأجنبي بالبلاد”.
ويتوقع خبراء أن تشهد الفترة المقبلة رفع كل القيود عن التعاملات الرأسمالية والاستيراد والتصدير في السوق المصرية، تنفيذا لمطالب صندوق النقد الدولي الذي يعتبر ذلك شرطًا أساسيًا لحصول مصر على قرض جديد منه، حيث تشهد الفترة الحالية استمرار المفاوضات.
ودخلت الحكومة منذ مارس الماضي في مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي لتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية التي خلفتها الحرب الأوكرانية.
لكن الصندوق طالب بعدة إصلاحات، تسعى مصر إلى تنفيذها، منها خفض سعر الجنيه مرة أخرى ورفع القيود عن المعاملات الجارية وحركة رؤوس الأموال، والتي يعتبرها شرطًا أساسيًا لسهولة دخول المستثمرين إلى البلاد وخروجهم منها.