القاهرة تحمّل اللاجئين مسؤولية أزمتيْ السكر والدولار

القاهرة- تسعى الحكومة المصرية إلى تخفيف الضغوط الواقعة عليها بعد تعثرها في حل مشكلات معيشية، بتحميل اللاجئين والمهاجرين، الذين يصل عددهم إلى نحو تسعة ملايين نسمة، مسؤولية بعض الأزمات الداخلية، وإلصاق اختفاء السكر وشح الدولار بمواطنين من جنسيات عربية.
وأرجع رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للسكر (حكومية) أحمد أبواليزيد اختفاء السكر في مصر إلى “الاضطرابات في الدول المحيطة، ما أدى إلى زيادة استهلاك السكر المحلي بالتزامن مع استضافة مصر ملايين من الأشقاء السودانيين”.
وتجاهل أبواليزيد، في اتصال هاتفي مع برنامج “صالة التحرير” على فضائية صدى البلد، مؤخرا الخطأ الذي وقعت فيه وزارة التموين بعد أن فشلت في تغطية الاحتياجات المحلية من السكر مع زيادة التصدير وارتفاع معدلات الاستهلاك، واعترف بأن الإنتاج المصري يغطي 87 في المئة من إجمالي الاستهلاك المحلي.
وأثارت تصريحات المسؤول المصري جدلا وقد رد رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على ما ذكره المسؤول الحكومي قائلاً في تدوينة على موقع إكس “السعر العالمي هو الذي ارتفع نتيجة تغيرات مناخية أما اللاجئون فلا ذنب لهم، ومرحب بهم في مصر أم الدنيا التي تفتح ذراعيها للجميع”.
وسبق أن اتُّهِم اللاجئون بالتسبب في الأزمات الاقتصادية من قبل حينما تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار وعزت دوائر اقتصادية ذلك إلى ضغوط اللاجئين على السوق السوداء، مع أن الواقع يشير إلى تحويلات خارجية لهم تسهم في توفير العملات الأجنبية في البنوك والمصارف الرسمية.
ويرتبط خطاب الحكومة حيال اللاجئين أحيانا ببعد سياسي له علاقة بإيجاد مبررات للمشكلات المعيشية وهو موجه في شق منه إلى الداخل للتبرير، وفي شق آخر إلى الخارج للتأكيد على وجود ضغوط يتسبب فيها هؤلاء دون تحميلهم مسؤولية أزمات بعينها من صميم عمل الحكومة وعليها حلها.
ويتماشى هذا التوجه مع تعامل الحكومة بشكل أكثر حزماً مع تواجد المهاجرين في مصر والاستفادة من تواجدهم عبر توقيع غرامات على الإقامات المخالفة. وقال نائب رئيس كتلة الحوار حسام الدين علي إن “مبررات الحكومة ليست مقنعة لأن الدولة تستضيف ملايين اللاجئين والمهاجرين منذ الحرب الأميركية على العراق وهم يشكلون مصدرا مهما للعملات الصعبة، وغير منطقي تحميل أخطاء الحكومة لغيرها”.
وأوضح علي في تصريح لـ”العرب” أنه حال كانت الدولة غير قادرة على استضافة كل هذا العدد فبإمكانها التقدم بطلبات للجهات الدولية ومفوضية اللاجئين للحصول على دعم إضافي، وليس هناك ما يبرر تحميل المسؤولية لمواطنين فروا من الحروب، لأن الحل يكمن في إصلاح هيكلي داخل الحكومة”.
وأشار إلى أن وزارة التموين تتحمل مسؤولية اختفاء السكر وقبله الأرز، حيث تمتلك البيانات الكاملة التي توضح ما إذا كانت الأسواق تعاني نقصا في السلع أم لا، وعليها وضع خطط استباقية لمواجهة ذلك، لأن اختفاء السكر جاء في توقيت حرج مع بدء انتخابات الرئاسة وفي ظل رغبة جهات رسمية في توفير حالة من الهدوء. ولا يخدم إلصاق بعض الأزمات الداخلية باللاجئين الدولة المصرية، فهم يمثلون جزءا من قوتها الناعمة ويدعمون حضورها في بعض المشكلات الإقليمية، وباستضافتهم تقدم مصر نموذجا للاستقرار في إقليم مضطرب، ما ينعكس على دعم جهات دولية لتشجيع القاهرة على القيام بهذا الدور.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في مايو الماضي أن بلاده تتحمل أعباء كبيرة جراء استضافة الملايين من اللاجئين والمهاجرين، وتتعامل مع هذا الوضع من منظور إنساني يحول دون دفع هؤلاء إلى مخاطر عبور البحر المتوسط للنفاذ إلى أوروبا، فضلاً عن دمجهم في المجتمع وتوفير الدعم والخدمات وفرص العمل لهم على قدم المساواة مع المواطنين المصريين، ما يستلزم “توفير المزيد من الدعم من جانب الاتحاد الأوروبي إلى مصر في ظل الأعباء التي تتحملها”.
وأشار رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان إلى أن “استضافة المهاجرين واللاجئين جزء من تركيبة الدولة على مدار تاريخها، بالتالي فالتعامل مع الأعداد الكبيرة الموجودة حالياً على أنها أزمة أمر يجانبه الصواب، وتحميلهم مشكلات معيشية مزمنة يواجهها المصريون لم يحدث من قبل”.
وذكر بهاء الدين شعبان في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة تتمثل في نمط الاقتصاد القائم على الاستيراد من الخارج والاستدانة المستمرة وخلق بيئة داخلية غير منتجة لا تلبي الاحتياجات الأساسية لشريحة كبيرة من المواطنين، ما أفرز أزمة واضحة في مدخلات الحياة للمصريين بوجه عام، والأمر لا يرجع إلى اللاجئين والمهاجرين والمقيمين عموما، فمصر دولة لها خبرات ممتدة في تلبية احتياجات مواطنيها، وتتأثر الآن بالممارسات الاحتكارية التي لا تواجهها الحكومة بالصرامة المطلوبة”.
ويعد تغول الممارسات الاحتكارية وفرض أسعار تحكمية عبر حبس الإنتاج وعدم وصوله إلى الأسواق لحين ارتفاع الأسعار أحد المظاهر الرئيسية للأزمات الراهنة. وواصلت أسعار بعض السلع الإستراتيجية في مصر زياداتها بصورة مستمرة، على رأسها الأرز والسكر، والأخير لم يكن يتجاوز سعره 4 جنيهات منذ عدة سنوات وواجه مأزقا مماثلا وزاد سعره إلى 17 جنيها والآن بلغ 50 جنيهاً.
ويبرهن مراقبون على عدم تسبب اللاجئين في أزمات زيادة أسعار السلع بالموجات التضخمية التي ألقت بظلال سلبية على الاقتصاد بشكل عام في مصر، علاوة على الفساد والتقصير الإداري وغياب المحاسبة القانونية، وتسببت كل هذه العوامل في زيادة أسعار سلع أخرى، أبرزها الحديد، وهو سلعة لا ترتبط باللاجئين والمهاجرين.
وشدد أحمد بهاء الدين شعبان في تصريحه لـ”العرب” على أن “الحكومة تحاول التخلص من التململ المجتمعي المتزايد ضدها؛ لأن تكرار الأزمات التي يترتب عليها عدم الحصول على سلعة إستراتيجية، بسبب عدم القدرة المادية أو زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه، يؤدي إلى احتقان داخلي، وهو أمر لا يخدم الدولة”.
وأثار تلميح المسؤول بشركة الدلتا للسكر إلى تحميل السودانيين أزمة السكر سخرية واسعة من الحكومة، لأن الإشارة انطوت على رغبة الرجل في إبعاد الحكومة عن تحمل المسؤولية.