القاهرة تحاول تخفيف أزماتها المالية بزيادة حصيلة الضرائب

فرضت الاختلالات المالية على القاهرة توسيع مظلة الضرائب لجني أكبر قدر ممكن من الإيرادات للميزانية الجديدة، في ظل إقرار المسؤولين بكثرة التحديات رغم إشادة المانحين الدوليين بإمكانية تخطي الاقتصاد المصري آثار الحرب في شرق أوروبا.
القاهرة – تسعى الحكومة المصرية إلى اجتياز عقبة توفير التمويلات في الميزانية الجديدة التي تبدأ الشهر المقبل من خلال توسيع مظلة الضرائب تحسبا لاحتمال استمرار التقلبات العالمية التي أثرت على الاقتصاد، بينما كان يتجه إلى الاستقرار بعد عامي الوباء.
وتستهدف القاهرة تحقيق زيادة في الإيرادات الضريبية في ميزانية 2023 – 2024 بنحو 28 في المئة قياسا بالميزانية الحالية، خاصة وأن الحكومة تتوقع نمو إجمالي الإيرادات بالميزانية الجديدة بنسبة 38.4 في المئة.
وتعاني السوق المحلية شحا في العملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية في فبراير 2022، ورفع الفائدة الأميركية على مدار العام الماضي، مما أدّى إلى خروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدّين.
لكن البنك المركزي المصري رصد في الأشهر الأخيرة عودة جزء من تلك الأموال، وإن كان بشكل تدريجي ومحدود، مما يخفف الضغوط الاقتصادية لبعض الوقت.
وتأتي خطوة السلطات في الوقت الذي أبدى فيه صندوق النقد الدولي تفاؤله بقدرة الاقتصاد المصري على الصمود في وجه التداعيات السلبية للأزمات العالمية المتلاحقة.
وتظهر وثيقة الميزانية الجديدة أن من المتوقع زيادة حصيلة الضريبة على الدخل بواقع 21 في المئة لتصل إلى 219.9 مليار جنيه (7 مليارات دولار) مقابل حصيلة مستهدفة تبلغ 5.77 مليار دولار في الميزانية الحالية.
ووافق البرلمان المصري الاثنين الماضي على استحداث ضريبة جديدة بنسبة 27.5 في المئة تُفرض على من يزيد دخله السنوي على 1.2 مليون جنيه (40 ألف دولار)، حسب تصريحات ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة لاقتصاد الشرق من بلومبرغ.
وفي ديسمبر الماضي، اقترحت وزارة المالية مشروع قانون إلى مجلس الوزراء لفرض شريحة ضريبية جديدة على دخل الأفراد، الذي يفوق 800 ألف جنيه (32 ألف دولار) سنويا، لكن هذا الرقم ارتفع بعد ذلك إلى مليون جنيه بعد تعديل الوزارة مقترحها.
ويبلغ الحدّ الأقصى المطبَّق حاليا لضريبة الدخل على الأفراد 25 في المئة لمن يزيد دخله السنوي على 400 ألف جنيه (12.7 ألف دولار)، و22.5 في المئة للشركات التي يزيد صافي ربحها على 200 ألف جنيه (6300 دولار) سنويا.
وأكد رجب محروس، مستشار رئيس مصلحة الضرائب، أن الضريبة الجديدة التي ستدخل حيز التطبيق بداية من يوليو المقبل ستضيف إلى الميزانية العامة إيرادات بنحو 1.2 مليار جنيه (400 مليون دولار).
ويقول محللون إن لجوء الحكومة إلى الضريبة التصاعدية يمثّل إحدى الوسائل لتقليل العجز في الميزانية العامة، لكنه قد يفاقم الضغوط على السكان الذين يمرون بمحن كثيرة لعلها أبرزها التضخم الجامح الذي تجاوز نحو 30 في المئة.
وتستهدف الحكومة زيادة حصيلتها الضريبية خلال السنة المالية الحالية بنحو 18.8 في المئة على أساس سنوي إلى أقل من 40 مليار دولار، كما تسعى لزيادة إيراداتها من الضريبة على الرواتب بنسبة 18.6 في المئة لتصل إلى 3.4 مليار دولار للسنة عينها.
28
في المئة نسبة زيادة العوائد الضريبية المستهدفة في الميزانية الجديدة بمقارنة سنوية
ومطلع الشهر الماضي رفعت الحكومة احتياجاتها التمويلية في الميزانية الجديدة بنحو 27 في المئة إلى 2.14 تريليون جنيه، مع التركيز أكثر على إصدارات أذون الخزانة على حساب سندات الخزانة.
وتستهدف ميزانية 2023 – 2024 إصدار سندات خزانة بنحو 25.9 مليار دولار، انخفاضا من 40 مليار دولار بالسنة المالية الحالية.
ويتوقع أن تزيد القاهرة إصداراتها من أذون الخزانة بنحو 157 في المئة إلى أكثر من 40 مليار دولار من 15.1 مليار دولار في الميزانية الحالية.
واعتبر آلن سانديب، رئيس قسم البحوث في نعيم المالية، أن “من الطبيعي التركيز أكثر على أذون الخزانة في ظل الإقبال عليها نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة بالأسواق المحلية والدولية”.
وتتزايد مخاوف المستثمرين من اقتراب وقوع أزمة، إذ تراجعت الثقة في قدرة القاهرة التي تكافح للحصول على التمويل الخارجي بعد الأزمات المتعاقبة.
وأدّى هذا الوضع إلى ارتفاع تكلفة التأمين ضد مخاطر التخلف عن سداد الديون السيادية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة إلى مستوى قياسي، وتسبّب بزيادة العلاوة على عقود السنوات الخمس إلى أعلى مستوى على الإطلاق.
ويجري تداول نحو 33.7 مليار دولار من سندات اليوروبوند المصرية، أي ما يناهز 86 في المئة من أوراقها المالية الدولية القائمة، بأكثر من 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، وهو حد تُعتبر عنده الديون في حالة تعثّر.
2.1
مليار دولار قيمة دعم الطاقة خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية
وأظهرت وثيقة الميزانية الجديدة أن الحكومة تستهدف زيادة دعم المواد البترولية 106 في المئة إلى 3.8 مليار دولار، في حين تتوقع تراجعا طفيفا بدعم السلع التموينية بنحو اثنين في المئة إلى أكثر من أربعة مليارات دولار.
وارتفع دعم الطاقة إلى 2.1 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية، بسبب تهاوي سعر صرف الجنيه، بموازاة ارتفاع أسعار النفط العالمية، ليقفز بذلك 290 في المئة على أساس سنوي.
وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الشهر الماضي أن تواجه مصر صعوبة في تأمين احتياجاتها من التمويل الخارجي في السنة المالية الجديدة.
وأرجع خبراء الوكالة ذلك إلى زيادة قيمة الديون الخارجية التي تستحق السداد خلال تلك الفترة إلى 7.2 مليار دولار، مقارنة مع 4.3 مليار دولار في السنة المالية الحالية.
أما وكالة ستاندرد آند بورز فتعتقد أن “مصادر التمويل المصرية قد لا تغطي المتطلبات المرتفعة لتمويل الدين الخارجي” للسنتين الماليتين الحالية والمقبلة، والتي تقدَّر بنحو 37 مليار دولار بشكل تراكمي.
وسبق أن أشار وزير المالية محمد معيط إلى أن بلاده خفّضت توقعاتها لعجز الموازنة الكلّي إلى الناتج المحلي للسنة المالية الحالية إلى 6.5 في المئة، من توقعات سابقة في بداية العام الحالي عند 6.8 في المئة، لكن تتوقع أن يصل إلى 8 في المئة بالميزانية الجديدة.
ووفقا لوثيقة الميزانية الجديدة، زادت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية إلى 17.2 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، من 14.5 مليار دولار في ديسمبر 2022.