القاهرة تتوسع في الاقتراض الخارجي لتمويل الإسكان

الحكومة تعتزم طرح سندات خضراء بهدف تعزيز مبادرة اجتماعية واعدة تتعلق بالسكن لكل المصريين.
الاثنين 2025/06/23
لمسات أخيرة قبل التسليم

تفتح مساعي مصر لطرح سندات خضراء في السوق العالمية لتمويل الإسكان الاجتماعي، الباب لاحتمال زيادة الدين الخارجي، بينما يكمن التحدي في تحقيق توازن بين الاستجابة لاحتياجات طلب السكن الفوري والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي على المدى الطويل.

القاهرة- يعتقد محللون أن خطط الحكومة لدعم مشروع سكن لكل المصريين عبر صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري للاقتراض الخارجي، ستتحمل مسؤولية إصدار سندات خضراء بالتعاون مع مؤسسات عالمية وبنوك محلية، ستزيد أعباء الديون الخارجية.

وتسعى القاهرة من وراء الخطوة إلى تأمين مصادر تمويل مستدامة لمشاريع الإسكان الاجتماعي في دولة يبلغ عدد سكانها في الداخل نحو 107 ملايين نسمة.

وتقدم هذه السندات كوسيلة تمويل منخفضة الكلفة وصديقة للبيئة، وفي الجوهر هي أحد أشكال الاقتراض الخارجي، ما يثير الشكوك حول تداعياتها على الاقتصاد المصري، والدين العام، وأسعار الوحدات السكنية المتاحة لمحدودي الدخل.

نادي عزام: خطوة إيجابية، لكنها تواجه تقلبات حادة في الأسواق
نادي عزام: خطوة إيجابية، لكنها تواجه تقلبات حادة في الأسواق

وهذه الأدوات المالية تصدرها الحكومات أو المؤسسات بهدف جمع السيولة لتمويل مشاريع ذات طابع بيئي أو مستدام، وفي هذه الحالة تستهدف مصر تمويل وحدات سكنية مصممة وفقًا لمعايير بيئية تقلل استهلاك الطاقة والمياه، وتخفّض الانبعاثات الكربونية.

ورغم أن التمويل الأخضر يُصنف ضمن الاستثمارات طويلة الأجل التي تجذب مؤسسات مالية دولية، فإن هذه السندات لا تختلف عن غيرها من أدوات الدين في ما يتعلق بالنتيجة المالية، وهي التزامات على الدولة بسداد أصل الدين، مضافة إليه الفوائد، في توقيتات محددة.

وهذه أول مرة يتجه فيها صندوق الإسكان الاجتماعي إلى إصدار أدوات دين دولية بهذا الشكل، في محاولة لجذب تمويل خارجي بشروط أفضل مقارنة بالاقتراض التقليدي من البنوك أو عبر السندات السيادية غير البيئية.

ومع أن هذه السندات “خضراء” أو ذات طابع بيئي، لكن تحمل في طياتها التزامات مالية تقع على عاتق الدولة، وتضاف إلى رصيد الدين الخارجي الذي بلغ خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري الذي ينتهي هذا الشهر نحو 155.09 مليار دولار.

ووفقاً لأحدث نشرة إحصائية صادرة عن البنك المركزي، سجل الدين طويل الأجل 124.1 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، وبلغ الدين قصير الأجل 30.99 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري، مقارنة مع 27.67 مليار دولار بالربع الأول.

وتسعى الحكومة لتجميل الصورة عبر تسويق الخطوة كتمويل تنموي منخفض الكلفة، لكن المنطق الاقتصادي يقول إن كل اقتراض بقطع النظر عن غرضه يمثل عبئًا على الموازنة العامة، ويتطلب سداده في المستقبل، من خلال ضرائب أعلى أو إنفاق أقل في مجالات أخرى.

وحذر محللون من أن الإفراط في الاعتماد على أدوات الدين، ولو كانت ذات طابع اجتماعي، سوف تترتب عليه هشاشة في الوضع المالي للبلاد، وسط تقلبات أسواق المال العالمية.

155.09

مليار دولار حجم الدين الخارجي للدولة بنهاية ديسمبر الماضي، بحسب الإحصائيات الرسمية

وثمة عوامل دفعت مصر إلى تبني هذا النوع من التمويل حاليا، منها القدرة على جذب مستثمرين دوليين، وإيلاء المؤسسات المالية الكبرى أهمية متزايدة للتمويل الأخضر، ورغبتها في توجيه استثماراتها نحو مشاريع تقلل الأثر البيئي، ما يجعل هذه السندات مغرية.

وعلاوة على ذلك تبرز الشروط التيسيرية، فغالبًا ما تأتي السندات الخضراء بفوائد أقل من نظيراتها التقليدية، ما يخفف الضغط عن موازنة الدولة على المدى القصير.

وتسعى السلطات بشكل مستمر إلى تنويع أدوات التمويل، في ظل ضغوط تواجهها على صعيد الموارد المحلية، ومن ثم ترى الجهات المعنية أن تنويع الأدوات التمويلية يتيح لها هامشًا أوسع من المناورة.

وتكمن أهمية إصدار السندات الخضراء في أنها تعطي انطباعًا بأن مصر ملتزمة بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، ما يحسن صورتها أمام شركاء التنمية حول العالم.

وأكد المحلل الاقتصادي نادي عزام أن الخطوة إيجابية، لكن تواجهها تحديات ومخاطر، منها أن إصدار السندات في الأسواق الدولية يضع مصر تحت رحمة تقلبات الفائدة وأسعار الصرف العالمية، ما يزيد من مخاطر الكلفة في حال ارتفاع الفائدة أو تراجع قيمة الجنيه.

وقال في تصريحات لـ”العرب” إنه “رغم الفوائد المنخفضة، فإن التزامات السداد تظل قائمة، ومع ازدياد الدين العام الخارجي قد تجد الحكومة نفسها مجبرة على إعادة جدولة الديون أو اللجوء إلى تمويل إضافي.”

وتشير بعض التكهنات إلى أن المسؤولين قد لا يجدون بدائل فاعلة لتمويل الإسكان الاجتماعي مع محدودية الموارد المحلية، ما يدفعهم إلى المزيد من الاقتراض مستقبلًا.

آدم زيان: قد يترتب على القرار ارتفاع أسعار الوحدات مستقبلا
آدم زيان: قد يترتب على القرار ارتفاع أسعار الوحدات مستقبلا

وأوضح عزام أنه ينبغي للحكومة توسيع الشراكة مع القطاع الخاص في هذا الصدد، حيث يمكن الاستفادة من استثماراته في مشاريع الإسكان، سواء عبر نظام المطور العام أو من خلال نموذج البناء ثم البيع.

ويعتمد صندوق الإسكان الاجتماعي في تنفيذ مشروعاته بشكل كامل على شركات المقاولات من القطاع الخاص، ويبلغ عددها نحو ألفي شركة، وقد أدى ذلك إلى إتاحة أكثر من 4 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، حسب بيان حكومي.

ومن العوامل البديلة لهذه الخطوة إصدار أدوات دين محلية بالجنيه المصري وإن كان ذلك يقلل من مخاطر العملة، لكن يواجه تحديات تتعلق بارتفاع الفائدة ولا يشمل الهدف الأساسي للسلطات الرامي إلى جذب العملة الأجنبية.

ويمكن أن تتم الاستعانة بالتمويل العقاري التشاركي عبر التوسع في برامج التمويل العقاري المدعومة بالتعاون مع البنوك، ما يسمح بمشاركة المواطن في كلفة السكن وفقًا لقدراته المالية.

وقال الخبير العقاري آدم زيان إن “تأثير التمويل الخارجي على أسعار الوحدات المطروحة للإسكان الاجتماعي ليس مباشرًا، وربما يظهر على المدى المتوسط.”

وأوضح لـ”العرب” أنه مع ازدياد كلفة التمويل وتذبذب أسعار الصرف قد تضطر الحكومة إلى تقليص عدد الوحدات المطروحة سنويًا، للحد من الإنفاق.

وذكر أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى تعديل شروط الاستفادة من الإسكان الاجتماعي، مثل زيادة مقدم الحجز أو رفع الأقساط الشهرية، وقد تنشأ عنها إعادة تسعير الوحدات بنسبة طفيفة لتغطية فروق الكلفة، رغم حساسية هذا القرار سياسيًا واجتماعيًا.

وتنظر الأوساط الشعبية إلى أي حديث عن الاقتراض بريبة، مع تكرار التحذيرات من تضخم الدين الخارجي، ورغم أهمية مشروع سكن لكل المصريين، إلا أن هناك مخاوف من أن يتحول إلى عبء جديد على الموازنة العامة.

10