القاهرة تتحرك لمنع حدوث أزمة مصرفية جديدة

إيقاف تراخيص شركات التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر لتفادي التعثر.
الاثنين 2024/10/21
يا عزيزي تأكد من الرصيد قبل ضبط حساباتك

شرعت مصر في تبني مجموعة من القرارات الجديدة لإصلاح الخلل في بعض أوجه الاقتصاد، وبدأ العمل على تفعيلها لمنع تعثر الشركات المالية غير المصرفية، والتي تجر خلفها البنوك العاملة في البلاد لتُظهر دفعًا في القوائم المالية.

القاهرة- اتخذت الحكومة المصرية قرارا جديدا بإيقاف إصدار أية تراخيص لمزاولة التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر، بداعي زيادة عدد الشركات المقبلة على هذه الأنشطة.

وتسعى السلطات من وراء ذلك إلى قطع الطريق على توظيف الأموال التي تتلقاها في غير محلها، ونظرا للارتفاع في سعر الفائدة الذي ترتب عليه تقلب كبير في الأسواق.

وينطبق القرار، ومدته عام قابل للتجديد ودخل حيز التنفيذ بالفعل قبل أيام، على الشركات التي تزاول نشاطها من خلال الطرق التقليدية، لكنه يستثني نظيرتها التي تعتمد على التكنولوجيا المالية.

وجاءت الخطوة نتيجة للزيادة في التراخيص الجديدة الممنوحة خلال العامين الماضيين وبلغت 10 للتمويل متناهي الصغر و15 للتمويل الاستهلاكي، ما يثير المخاوف بشأن الملاءة المالية لمقدمي الخدمات الحاليين.

وتكمن أهمية القرار في أنه يأتي في إطار الحرص المستمر للسلطات على تحقيق الاستقرار المالي للأسواق والمؤسسات المالية غير المصرفية.

سيد عويضي: القرار سوف يحمي البنوك بعد زيادة معدلات الإقراض مؤخرا
سيد عويضي: القرار سوف يحمي البنوك بعد زيادة معدلات الإقراض مؤخرا

وقالت مصادر حكومية لـ”العرب” إن تقييم نموذج أعمال هذه الفئة من الشركات كشف عن مخاطر عالية على النظام المصرفي المحلي، حيث تخلف الكثير من الزبائن عن السداد، وبالتالي تعطلت الشركات عن سداد الالتزامات للبنوك.

ونتج ذلك عن الارتفاع الكبير في الفائدة، حيث اقترضت شركات من البنوك بمعدلات مغايرة للحالية، ثم تفاجأت بالصعود وكان لزاما عليها أن ترفع الفائدة لتعويض الفارق وكي تستطيع السداد مع حساب هامش ربح لها للقدرة على مواصلة النشاط.

وأوضحت المصادر أن قرار إيقاف التراخيص سيظل قائما حتى تشهد السوق المصرفية بعض الهبوط في الفائدة أو الاستقرار لفترة أطول، حفاظا على ثبات البنوك وقدرتها على الصمود في أوقات الأزمات.

وقررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري، للمرة الرابعة تواليا الخميس الماضي، تثبيت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25 في المئة و28.25 في المئة و27.75 في المئة على التوالي.

وتضم السوق 25 شركة للتمويل متناهي الصغر و30 شركة للتمويل الاستهلاكي، وتقدم الخدمات لنحو 3.8 مليون مستفيد بالقطاع الأول و1.9 مليون بالمجال الثاني.

ولن ينطبق القرار على الشركات التي حصلت بالفعل على موافقة مبدئية لمزاولة نشاطي التمويل الاستهلاكي أو التمويل متناهي الصغر.

ومن المقرر أن تراجع هيئة الرقابة المالية المصرية، الجهة المسؤولة عن القطاع المالي غير المصرفي، مدى التزام شركات الخدمات المالية بالحد الأدنى لرأس المال، كما ستجري حوارا مجتمعيا معها خلال أيام قبل تطبيق معايير الملاءة المالية وفق بازل 3.

ورفعت الهيئة الحد الأدنى لرأسمال شركات الخدمات المالية غير المصرفية إلى 1.55 مليون دولار من 1.02 مليون دولار خلال مايو 2023.

كما أمهلتها عاما لتوفيق أوضاعها بهدف تعزيز مستويات الاستقرار المالي للشركات العاملة في القطاع وتعظيم قدرتها على مواجهة وتحمل المخاطر المالية المستقبلية.

ومن أسباب المخاطر التي حلت بهذه الأنشطة أن القوانين المصرية سمحت لها بالاقتراض حتى 10 أضعاف رأس المال، ومع زيادة رأس المال يُسمح لها بالاقتراض حتى 15.5 مليون دولار.

وتبين كذلك أن بعض الشركات العاملة في التمويل الاستهلاكي أو التمويل متناهي الصغر والتأجير التمويلي والتخصيم، تمارس أكثر من نشاط في القطاع المالي غير المصرفي وتقترض من البنوك لكل مجال على حدة، وهو ما يعرضها أيضا لمخاطر أكثر.

وحسب مصادر تحدثت لـ”العرب” وطلبت عدم ذكر اسمها، ثمة شركات كانت توجه التمويل الذي تتلقاه من البنوك إلى قطاعات على حساب أخرى، مثلا كانت تقترض على حساب التأجير التمويلي وتوجهه إلى التمويل الاستهلاكي.

وقال المحلل الاقتصادي المصري سيد عويضي إن “القرار إيجابي ويمثل حماية للقطاع البنكي، خاصة أنه سيلزم الشركات بالاقتراض كحد أقصى بمبلغ 750 مليون جنيه (24.4 مليون دولار) حتى لو كانت تمارس أكثر من نشاط في القطاع المالي غير المصرفي”.

إبراهيم الحدودي: توقيت إصدار القرار مناسب نظرا لعدم خفض أسعار الفائدة
إبراهيم الحدودي: توقيت إصدار القرار مناسب نظرا لعدم خفض أسعار الفائدة

وأضاف لـ”العرب” أن “الخطوة تحمي الأسواق من مشكلات مالية، خاصة أن الشركات تحمّل العبء على عاتق العميل على أساس أن البنوك هي السبب وبالتالي تزداد الديون المتعثرة لدى المصارف”.

وتكمن أهمية القرار في أنه عنصر ضبط لقطاع التمويل الاستهلاكي الذي ازداد خلال الفترة الأخيرة لانتشار البيع بالتقسيط، خوفا من تزايد معدلات الإقراض ومن ثم التوسع في اللجوء إلى التمويل متناهي الصغر وتحويل ذلك إلى قروض استهلاكية بدلا من تمويل المشاريع، ما يعني توجيه التمويل إلى غير محله.

ويُعد التمويل الاستهلاكي أداة مالية تسهم في تمكين الأفراد من شراء السلع المعمرة مثل الأجهزة الإلكترونية والأثاث وغيرهما، عبر تلقي التمويل من الشركات العاملة في القطاع مع سداد ثمنها على فترات زمنية ممتدة.

وهذا المسار يجعله خيارا جذابا للأسر من مختلف الطبقات، ويخدم هذا النوع من التمويل القطاع العائلي بشكل رئيسي.

ويلعب هذا النوع من النشاط دورا في تغذية معدلات التضخم بالأسواق، وهي معضلة أساسية تواجه البنك المركزي، وتقوض قدرته على خفض الفائدة التي باتت مطلبا للخبراء.

ويؤكد خبير الاستثمار المصري إبراهيم الحدودي أن القرار يأتي لتنظيم عمل شركات التمويل الاستهلاكي والتمويل متناهي الصغر رغم رفض بعض العاملين له، وجاء في توقيت مناسب لحوكمة السوق، لأن الفائدة لم تنخفض حتى الوقت الحالي.

وأوضح لـ”العرب” أن “التخلف عن السداد ينعكس سلبا على القوائم المالية للبنوك، وهي نقطة سلبية للجهاز المصرفي، وستوضح أنه يمتلك سيولة كبيرة لكن يستخدمها في مجالات غير رابحة”.

كما أنه يتهم بتبديد الأموال خاصة أن الأرقام التقديرية تكشف أن المتعاملين في القطاع يتعاملون بنحو 13 مليار جنيه (حوالي 268 مليون دولار)، وفق الحدودي.

وكشفت بيانات جهاز الإحصاء عن أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين ارتفع إلى 26.4 في المئة خلال سبتمبر الماضي مقابل 26.2 في المئة خلال أغسطس، ومن المتوقع أن تستمر وتيرته في الصعود مع الزيادات الجديدة في أسعار المحروقات.

11