القاهرة التاريخية تعود إلى الحياة بحلة جديدة

بعد أن قرر المصريون التحول إلى عاصمة جديدة تعددت الأسئلة حول مصير القاهرة التاريخية التي كانت نبضا للعاصمة المصرية، وأتت الإجابة من خلال مشروع ترميم المباني الأثرية لتكون مزارا سياحيا وثقافيا يرتاده الأجانب والمصريون كمتحف تراث يحفظ العمارة الإسلامية القديمة في تفردها.
القاهرة - تمضي مصر قدما في تنفيذ مشروع جديد لترميم وتطوير القاهرة التاريخية التي تغطي مساحة كبيرة أصبحت موقعا أثريا عالميا يرجع تاريخه إلى ألف عام، وكان مسرحا دارت فيه أحداث بعض حكايات ألف ليلة وليلة وذلك بعد أن ظهرت عليه أعراض التداعي السريع.
ويهدف المشروع إلى إحياء القاهرة والترويج لها كمزار سياحي في الوقت الذي تتأهب فيه الحكومة للانتقال إلى عاصمة جديدة تقيمها في الصحراء.
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) القاهرة القديمة، التي تُقدر مساحتها بنحو خمسة كيلومترات مربعة وتضم واحدة من أكبر مجموعات العمارة الإسلامية في العالم، في قائمتها لمواقع التراث الثقافي العالمي منذ عام 1979.
اليونسكو أدرجت القاهرة القديمة كواحدة من أكبر مجموعات العمارة الإسلامية في العالم على قائمتها منذ عام 1979
ومنذ ذلك التاريخ تسعى وزارتا الثقافة والآثار لتطوير القاهرة التاريخية لحماية آثارها النادرة، ومن ثم انطلق مشروع إحياء وتطوير القاهرة التاريخية عام 1998، أي منذ نحو 23 عاما.
وتعطي الخطة دفعة جديدة لجهود يبذلها معماريون ومرممون متخصصون لإنقاذ المباني القديمة التي يخشون أن تختفي بسبب البيروقراطية والفساد والقيود القانونية.
ويقول بعض المهندسين المعماريين والمتخصصين في ترميم العمارة الإسلامية إن الحكومة تأخذ في الاعتبار الآن السكان والحرف والنسيج التاريخي والبنية التحتية بدلا من التركيز على الآثار فقط.
وقال المهندس محمد الخطيب المنسق الرئيسي لمشروع تطوير القاهرة التاريخية “حدث تداخل كبير بعد الثورة، فدخلت مبان كثيرة في القاهرة التاريخية لا تنتمي لها سواء من حيث الطابع أو الشكل، نحن نحاول معالجة واجهاتها، وتبقى جزءا من التكوين الرئيسي للقاهرة التاريخية، ونحاول أن نطمئن الناس بأننا سنتعامل مع تطوير القاهرة وليس إزالتها”.
وأضاف أنه سيتم بناء شقق سكنية منخفضة الارتفاع على قطع الأرض الشاغرة في المنطقة التاريخية حيث يتم نقل السكان وورش العمل إليها لتتم إعادة بناء وترميم المباني المهدمة.
ولفت إلى أن الميزانية لم تعد تمثل مشكلة، لكنه لم يذكر تقديرا للتكلفة. وأكد أن الحكومة أبلغته أنه ستتم الموافقة على أي ميزانية للقاهرة التاريخية.
وسيبدأ العمال قريبا في العمل على تحسين واجهات المباني القديمة حتى تلك غير المسجلة باعتبارها مباني تراثية وذلك لتتناسب مع الشكل العام للمباني القديمة في المنطقة.
وقال الخطيب إن الخطة تقتضي أيضا تحويل بعض الوكالات، أو ما كان يطلق عليه الخان حيث كان يقيم المسافرون وقوافل التجار، إلى فنادق صغيرة وهي فكرة حققت نجاحا في مواقع أخرى في الشرق الأوسط.
وأضاف “بدأنا فعلا في العمل بعد أن انتهت المفاوضات مع السكان”.
وأوضح أن الحكومة تعتزم ترميم حوالي عشرة في المئة من المنطقة في مرحلة أولى تستمر عامين وأنها تدرس مقترحات لإنشاء كيان واحد للقاهرة التاريخية التي تبلغ مساحتها تقريبا 30 كيلومترا مربعا.
وسيتركز جانب كبير من العمل في البداية على تطوير الأحياء حول ثلاث بوابات عريقة بناها الفاطميون الذين حكموا مصر قرنين من الزمان بعد فتح القاهرة في سنة 969 ميلادية.
وكان باب زويلة أحد هذه البوابات وشارع سكة الحبانية إلى الجنوب منه مسرحا دارت فيه أحداث بعض حكايات ألف ليلة وليلة.
وتعج القاهرة التاريخية بالورش والأسواق والبيوت القديمة والحرف التي استقرت في بعض شوارعها منذ مئات السنين.
وقال جيف آلن من الصندوق العالمي للآثار الذي يعمل على ترميم مجمع ديني للمتصوفين يرجع تاريخه إلى القرن السادس عشر ويقع جنوبي باب زويلة “مدن قليلة في العالم بها كل هذه الطبقات من التاريخ وتمتد لفترات بعيدة كهذه”.
ويخشى بعض المرممين والمهندسين المعماريين أيضا من تعقيد وتكلفة عملية الترميم واحتمال أن تتحول المباني التاريخية إلى ما يشبه المباني التي تقيمها ديزني تقليدا لآثار عريقة.
وعن ذلك قال الخطيب “هناك درجات مختلفة جدا في التعامل مع كل المشروع، هناك ترميم المباني الأثرية والمسجلة كتراث، وهناك أيضا المباني غير المسجلة ونحن نرى أن لها قيمتها، لذلك لا يمكن ترك هذه الأماكن مجرد خرابات ونقول نتركها حتى لا تتحول إلى ديزني لاند، فهذا كلام ليس مسؤولا أصلا”.
وأكد الخطيب أنه سيتم الحفاظ على طابع المنطقة.
مصر تمضي قدما في تنفيذ مشروع جديد يهدف إلى إحياء القاهرة والترويج لها كمزار سياحي في الوقت الذي تتأهب فيه الحكومة للانتقال إلى عاصمة جديدة
وقال علاء الحبشي المعماري والمرمم المتخصص في العمارة الإسلامية الذي طُلب منه المساهمة في وضع خطة التطوير، إن الحكومة تأخذ في اعتبارها الآن السكان والحرف والنسيج التاريخي والبنية التحتية دون التركيز على الآثار وحدها.
وأضاف أن التغيير كبير وأنه كان مطلوبا منذ مدة طويلة، غير أن التنفيذ هو المفتاح. وأشار إلى أنه يخشى حدوث تأخير كما يخشى من تعديل المبادئ التي صيغ المشروع بأسره على أساسها أثناء التنفيذ.
وفي نهاية المشروع سيتحول قطاع كبير من القاهرة التاريخية إلى مناطق للمشاة فقط.
وقال الخطيب إن المرحلة الثانية ستمثل بداية التعامل مع المباني التاريخية وليست المقيدة في قوائم المباني التاريخية الرسمية فقط. وأضاف أنه سيتم توثيق جميع المباني وترميمها وإعادة استخدامها.
ويؤكد الخبراء أن مشروع ترميم القاهرة التاريخية هو أحد أهم المشروعات التي يجب أن يتم الانتهاء منها سريعاً، لأنه كفيل بإحياء السياحة المصرية، خاصة أنه يتضمن الحفاظ على المبانى الأثرية التى لا يمكن تعويضها.