القانون والمجتمع يقفان أمام رغبة المرضى بتغيير الجنس

الخلل في التكيّف بين النفس والجسد بعيد عن انحراف السلوك.
الاثنين 2019/12/02
بحث عن الذات

لا يتم في بعض الحالات تشخيص حالة الطفل بدقة عند ولادته، وقد يكون هناك عيب خلقي لم يتم اكتشافه، وينمو الطفل دون أن يعرف المحيطون به مشكلته العضوية، ويسلك الطفل سلوك الجنس الذي قيل له إنه ينتمي إليه حتى سن البلوغ حيث يفاجأ بتغيرات في جسده، وهنا يجد الإنسان نفسه حبيس جنس ينفر منه ويكون تحت ضغط رغبة في التحول إلى الجنس الآخر يقابلها رفض أسري واجتماعي وقانوني.

القاهرة - تثير عمليات التحول الجنسي النادرة في الدول العربية ضجة واسعة وتعتبر هذه العمليات من المحرمات التي لا تتقبلها المجتمعات العربية، كما أن القضاء نادرا ما ينصف الأشخاص المتحولين جنسيا. ويُعرّف الطب النفسي المتحولين جنسيا بأنهم أشخاص يعانون اضطرابا في الهوية الجنسية، حيث أنهم خلقوا بجسد يختلف عن مشاعرهم وأحاسيسهم وأفكارهم وقناعتهم بأنهم جنس مختلف عمّا هم عليه.

وأكد المختصون أن عمليات التحول الجنسي نتيجة لخلل في الهوية الجنسية أصبحت واحدة من أهم التحديات الطبية التي تواجه الأوساط الصحية، نظرا لتبعاتها الصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية في معظم بلاد العالم، وخاصة في الدول العربية.

وكشفوا أن الأشخاص الذين يعانون من خلل في الهوية الجنسية يعيشون ضغوطا نفسية وأسرية واجتماعية جراء عدم تقبل هويتهم الحقيقية ومعاملتهم كأشخاص طبيعيين. ويجدون صعوبة في تحقيق التوازن بين نمط الحياة المطلوب منهم والجنس الذي ينتمون إليه.

وعاشت محافظة حمص السورية سابقة قضائية تعتبر الأولى من نوعها، حيث أصدرت محكمة الاستئناف المدنية الثالثة قرارا تضمن تغيير جنس مدعية من أنثى إلى ذكر.

وقال رئيس المحكمة المذكورة في حمص، القاضي إسماعيل الشعبان، إن الفتاة ل، ك ولدت أنثى من الناحية التشريحية والأعضاء التناسلية لكن بعد النمو العمري والتطور البيولوجي بدأت تعاني من تغييرات فيزيولوجية وجسمانية وارتفاع هرمون الذكورة لديها ما أدى لاضطراب جنسي وبدأت تظهر عليها علامات الذكورة، وفق صحيفة “الوطن”.

وتقدمت الفتاة بدعوى لتصحيح الجنس على القيد المدني في محكمة الأحوال المدنية بحمص لتقوم بعدها المحكمة بإجراءات طبية اعتمدت على 3 أطباء أكدوا في تقريرهم أن الفتاة تملك أعضاء جنسية أنثوية كاملة وليست لديها أعضاء ذكرية واضحة، لذلك تم رد الدعوى، واستأنفت الفتاة الدعوى من جديد معتبرة أن القرار يتناقض مع الواقع ولم يتعمق بدراسة الحالة البيولوجية والنفسية لها.

الأشخاص الذين يعانون من خلل في الهوية الجنسية يعيشون ضغوطا نفسية وأسرية واجتماعية نتيجة عدم تقبل هويتهم الحقيقية

وشكلت المحكمة مجددا لجنة طبية من 5 أطباء مختصين، وجاء في تقرير اللجنة أنه وبالفحص السريري والنفسي تبين أن للمدعية ميولا ذكورية واضحة، وهي من الناحية النفسية تتقبل الذكورة بشكل صريح ولا يمكن علاج هذه الحالة من الناحية النفسية، وطبياً لا ينصح بالإقدام على هذه الخطوة نظرا لأن علامات الذكورة المتمثلة في الذقن والشاربين ومعالم الوجه والحاجبين والأنف والفم وشكل البطن والصدر والحوض مع القامة، والأعضاء التناسلية لها مظهر أنثوي ضامر مع توقف وظائفها فيزيولوجيا.

وتم التأكد من أن المدعية تحمل صفات الجنسين معاً، الذكورية والأنثوية مع رجحان الصفات الذكورية نفسيا وهرمونيا، وتم تقديم التقرير للمحكمة واقتنعت به. واستمعت المحكمة لشهادات من أقارب المدعية حيث أكدوا أنهم يتعاملون معها على أنها رجل، كما أكدت خطيبته أنها مستعدة للزواج منه بمجرد تغيير قيده المدني والعيش حياة طبيعية.

وقررت المحكمة بالإجماع تصحيح قيد المدعية على سجلها المدني وتغيير جنسها من أنثى إلى ذكر واسمها من ل إلى م. ولفت القاضي إلى أن القرار لا يعارض التشريع الإسلامي، لكونه كاشفا للواقع وليس منشئا له ويتضمن مطابقة هذا الواقع للقيد المدني.

وقال صاحب الدعوى إن هذه المشكلة سببت له معاناة خاصة في المرحلة الدراسية حيث أن بعض المدارس قامت بطرده منها لعدم التوافق ما بين مظهره وسجله الشخصي، وكان يطلب منه أن يظهر بمظهر فتاة ما تسبب بتراجعه في دراسته إلى أن ترك المدرسة وحاول الانتحار أكثر من مرة.

وفي سنة 2018 وفي سابقة تعتبر الأولى من نوعها، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكما يجيز لسيدة بتحويل جنسها من أنثى إلى ذكر، لتصبح بذلك أول حالة تغيير جنس رسمية في تونس. وقد لاقى هذا القرار ترحيبًا من الجهات الحقوقية في تونس، التي رأت فيها خطوة أخرى متقدمة في سبيل تكريس الحريات الفردية وحمايتها.

وقامت المواطنة التونسية لينا، في مرحلة أولى بتدخّل جراحي لتغيير جنسها في ألمانيا حيث أجرت عمليتين، كما تم تسجيلها هناك من جنس الذكور، وتغيير اسمها من لينا إلى ريان ثم عادت إلى تونس للحصول على إذن قضائي لتغيير جنسها.

وظلت لينا منذ صغرها تعاني من قلق وعدم ارتياح حول نوع الجنس الذي ولدت به لأنها تمتلك جسم فتاة إلا أن دماغها يخبرها أنها ذكر وهو ما يعرف لدى الأطباء باضطراب الهوية الجنسية، وفق الدعوى القضائية التي تقدمت بها لينا.

وقالت المحكمة إن هذا الخلل في التكيف بين النفس والجسد هو بعيد كل البعد عن المثلية الجنسية أو انحراف السلوك.

كما أفادت أنها لا تعاني من أي مرض نفسي أو عقلي وقد خضعت للعلاج النفسي لمدة سنتين ورغم ذلك ظلت تعاني من اضطراب الهوية الجنسية ولم تشف منه وتواصلت معاناتها، الأمر الذي دفعها إلى الخضوع إلى العلاج الهرموني والعلاج الجراحي لتصحيح جنسها في ألمانيا لمّا اشتد بها مرض اضطراب الهوية الجنسية.

هوية ضائعة
هوية ضائعة

وتبعا لذلك طالبت القضاء بقبول طلبها بتغيير جنسها من أنثى إلى ذكر لتصبح ريان عوضا عن لينا والإذن لضابط الحالة المدنية بالتنصيص على ذلك بدفاتر الحالة المدنية.

وقالت حيثيات المحكمة إن سلوك المصابين بهذا المرض يختلف، فمنهم من يسعى إلى العلاج النفسي وإن تعذر علاجه لشدة المرض يمر إلى العلاج الهرموني أو الجراحي لتغيير الجنس. ومنهم من يشتد به المرض ولا يسعى إلى العلاج ويقدم على الانتحار ووضع حد لحياته.

و ذكرت أن نتائج الفحص الطبي أكدت أن المدعية حالتها مستقرة ولا تعاني من اضطراب نفسي كما أن لها اعتقادا كاملا أنها تنتمي إلى جنس الذكور كما أنها لا تعاني من شذوذ جنسي بل تعاني من اضطراب الهوية الجنسية وثبت طبيا انتماؤها للذكور سلوكا.

وبينت المحكمة أن المدعية بذلت منذ سن الثانية عشرة إلى حين لحظة خضوعها للعمليات الجراحية أمدا لا بأس به في محاولة للتكيف مع حالتها الجسدية إلا أنها أصيبت بانهيار جنسي حين ظهرت عليها علامات البلوغ وقد عجزت عن العلاج النفسي وأقدمت على الانتحار وهو ضرر جسيم وخطير.

وبالتالي فقد توفرت شروط الضرورة ويصبح طلبها مباحا وغير مخالف للقانون ويتجه معه الحكم بتغيير جنسها من أنثى إلى ذكر.

وعن الجانب النفسي لعمليات التحول الجنسي يوضح الدكتور عماد إبراهيم أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس في القاهرة قائلا إن عملية تحويل الجنس تتم طبقًا للحالة الصحية والنفسية للمريض وللأهل، فمعظم الحالات التي تعرض على قسم الجراحة وتحتاج إلى تحويل من ذكر إلى أنثى مثلاً يرفضها أهل المريض نتيجة لتمسكهم بالتقاليد الاجتماعية، أو لأن مثل هذه الجراحة ستجلب لهم العار.

وأضاف أن اضطراب الهوية الجنسية عند الذكور يبدأ عادة بحالات من القلق الانفعالي الذي يحدث خلال نمو الشخص في فترة الطفولة، حيث لا يجد له حلاً، وهنا يلجأ الطفل إلى الانعزال ويعيش حياة مليئة بالمعاناة والألم ذلك نتيجة لإحساسه بالأنوثة المبكرة رغم أنه ذكر ويظل يعاني من الاضطرابات الهرمونية التي تستفزه باستمرار، إلا أن هذا الإحساس يظل كامنا لسنوات طويلة حتى سن البلوغ إلى أن يستطيع أن يواجه المجتمع بما يشعر به ويطالب بحقه في الحياة على أساس جنسه وليس على أساس الجنس الذي حدد له من قبل.

ومن جانبه يقول الشيخ أحمد عبدالعليم من علماء الأزهر، إن الشريعة الإسلامية وأحكامها العامة لم تحرم العلاج من المرض، فإذا كان هناك داع طبي لذلك، فليس حراما طالما كان ذلك بقصد العلاج، أما عمليات التغيير والتبديل والتي وصلت إلى محاولة البعض تغيير الذكورة والأنوثة، أي تحويل الرجل إلى امرأة وتحويل المرأة إلى رجل دون أن يكون هناك داع طبي لذلك فهو حرام لأنه لون من العبث الرهيب الذي ينتهي بالبشرية إلى التدمير الكامل.

21