القانون العراقي يباعد بين الأباء المنفصلين وأبنائهم

يرجّح قانون الأحوال الشخصية العراقي كفة الحضانة للأمهات بشكل يحرم الآباء من الكثير من حقوقهم تجاه أبنائهم، وهو ما تسبب بمشاكل عديدة في المجتمع العراقي.
بغداد - يشهد المجتمع العراقي جدلا على خلفية حضانة الأطفال، وتظاهر مؤخرا في العاصمة العراقية بغداد عدد من الرجال المتضررين من أحكام المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي للمطالبة بتعديل هذا القانون الذي لا يسمح للرجال المنفصلين عن زوجاتهم برؤية أطفالهم -الذين قضت المحكمة بأن تكون حضانتهم من مشمولات أمهاتهم- إلا لساعتين كل 15 يوما وداخل المحاكم فقط، كما أن هذه المدة اليسيرة لا يحظى بها الكثير من الرجال لعدم تشديد القانون على شروط الالتزام بهذه المادة في ما يتعلق بالأمهات الحاضنات.
وقال أبوفرح، وهو أب متضرر من المادة 57، “سبع مرات متتالية لم تجلب طليقتي بناتي لرؤيتهن في المحكمة ودون عذر شرعي، وأنا أرى بناتي مرتين في الشهر فقط ولمدة ساعتين”.
وتدعم هذه المطالب آراء قانونية ودينية ترى في النص القانوني الحالي إجحافا في حق الآباء وإضرارا بمصلحة الأطفال أيضا، مما يتطلب ضرورة البحث عن حل وسط يراعي مصلحة الآباء والأطفال دون الإضرار بمصلحة الأمهات.
وقال حيدر ناصر، حقوقي وأستاذ في الحوزة الدينية، “نحن نطالب بأن تكون هناك مشاركة، أي أن يكون للطفل الحق في المبيت مع أبيه، ليس فقط مشاهدته في مكان ليس ملائما، كل 15 يوما ولساعتين فقط قريبا من المجرمين”، مضيفا “يجب أن يكون الابن في أحضان أبيه وتحت سقف بيته”.
وفي المقابل يرى الكثيرون أن أي تعديل سوف يكون بمثابة سلب لحق الأمهات في حضانة أطفالهن، حيث قال المحامي محمد جمعة إن “نية سحب الأبناء بدءا من عمر الـ7 سنوات من أحضان أمهاتهم، والبحث عن مصلحة الأب على حساب مصلحة الأبناء هو شيء خاطئ تماما، شيء ضد المنطق الإنساني وأيضا ضد المنطق القانوني”.
ومن جانبها أكدت الناشطة الحقوقية آليسار مجد أن مطالبات الرجال بتعديل هذه المادة وسلب الأمهات حق الحضانة الذي كفله لهن القانون وفق شروط محددة وما سواها تسقط الحضانة عن الأمهات.
وأوضح حقوقيون أنه كثيرا ما يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما، عند نشوب خلاف بينهما قبل حدوث الطلاق أو بعده، إلى محكمة الأحوال الشخصية للحصول على حكم يقضي بحضانة الأطفال أو استردادهم من الطرف الآخر.
ومنح قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 حق الحضانة إلى الأم استنادا إلى نص المادة 57 والفقرة الأولى تحديدا التي نصت على أن “الأم أحق بحضانة الابن وتربيته، حال قيام الزوجية وبعد الفرقة..”.
وتناقش اللجان المختصة في البرلمان التعديلات المرتقبة لهذه المادة خاصة في ما يتعلق بما أسماه بعض الحقوقيين والمتضررين بالغبن والتعسف اللذين لحقا بالأب وحرمانه من حقوق رعاية أبنائه بشكل مباشر، مع تخوّف الأم الحاضنة من فقدان بعض الحقوق التي منحها إياها القانون.
وقالت ميسون جاسم الساعدي، رئيسة لجنة المرأة والطفولة النيابية، “عند بداية الفصل التشريعي تفاجأنا بوجود فقرة للتصويت تتعلق بتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية، ولأن اللجان المعنية لم تكن على علم بذلك، رفعنا طلباً لرئاسة المجلس للتريث ورفع الفقرة بعد المداولة”.
وأشارت في تصريحات صحافية إلى أنه “بعد اجتماع اللجان الأربع النيابية المختصة، والمتمثلة في لجنة المرأة وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والأوقاف والشؤون الدينية، إضافة إلى اللجنة القانونية، توصل رأي الأغلبية إلى أن تبقى الحضانة للأم ولكن ليس كما كانت في السابق”، وأضافت “هناك مقترح بأن تكون الحضانة مناصفة بين الرجل والمرأة، أي سبعة أعوام للأم وسبعة أعوام للأب، مع وجود بعض التعديلات المتعلقة بالمشاهدة والاصطحاب وفي حالة زواج المطلقة أو الأرملة”.
ولفتت الساعدي إلى أنه على الرغم من أحقية الأم في حضانة الطفل إلا أن “هناك مظلومية للأب بمشاهدة الطفل ساعتين في دائرة التنفيذ، لذا نحن مع تعديل المشاهدة، وتغيير المكان والزمان، وكان المقترح بأن تكون المشاهدة 48 ساعة أي يومين في الأسبوع، وأن تكون هناك إجازة فصلية نهاية كل سنة لاصطحاب الطفل من قبل الأب، ومشاركة الأم تربية الطفل خلال فترة حضانتها”.
وفي نفس السياق أوضح حسين العقابي، عضو اللجنة القانونية النيابية، أن اللجنة النيابية المصغرة للنظر بشأن تعديل المادة 57 “لم تتوصل إلى أي اتفاق”، وأضاف أن “هناك وجهات نظر تثبت أحقية الأم في حضانة الابن لمدة سبع سنوات، ومن سبع سنوات إلى غاية 14 سنة تقديرية للقضاء، ومن 14 سنة حق الاختيار للابن، هو من يختار”.
ولفت العقابي إلى أن “فقرة رؤية المشاهدة للأب فيها حيف وظلم فاحش”، مبينا “أنه في حال عدم الوصول إلى اتفاق بشأن قانون تعديلات المادة 57، فإن البرلمان سيصوت على القانون كما هو”.
وأشار المختصون إلى أن هذه المادة شهدت الكثير من التعديلات التي ضاعفت سن حضانة الأم من 7 سنوات إلى 10 سنوات قابلة للتمديد الروتيني إلى 15 سنة يبقى فيها المحضون في عهدة الأم حتى لو تزوجت، ولها حق المطالبة باسترداد الطفل المحضون حتى بعد انتهاء تلك المدة، وليس للأب سوى الإنفاق حيث لا يسمح القانون العراقي بمتابعة الأب لأطفاله، وإنما يشاهدهم في المحاكم لساعتين مرة في كل أسبوعين.
ويشتكي بعض الآباء من أن تحديد زمن المشاهدة بساعتين يعتبر وقتا ضئيلا ينقضي بسرعة، كما يشتكي آخرون من عدم تمكنهم من رؤية أطفالهم لمدة طويلة لرفض الزوجات ذلك، منبهين إلى أن رؤية أبنائهم وسط المحكمة تعرضهم إلى مواقف قد تؤثر على نفسيتهم، وشدّدوا على ضرورة أن يتم إنصافهم قانونيا وذلك بتعديل المادة 57.
وأكدت الباحثة الاجتماعية الدكتورة ابتهال الغزي على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية ونفي الإجحاف عن الطرفين لأن الطفل سيكون هو المتضرر. ولفتت إلى أنه ينبغي على الوالدين نبذ مشاكلهما الخاصة من أجل مصلحة الطفل وذلك بأن تسمح الأم لطفلها بالتعرف على والده وقضاء وقت معه وأن تتصرف بضمير لكي لا ينسى الطفل والده ويرفض العودة إليه، مؤكدة على ضرورة بقاء الطفل تحت رعاية والدته في سنواته الأولى لأنها الأكثر حنانا من الجانب الفسيولوجي، دون إغفال دور الأب الذي يشكل شخصية معنوية في الأسرة العراقية لأن عاداتها وتقاليدها تحتاج إلى وجوده ودعمه للطفل.
وقال الخبير القانوني مؤيد حميد إن الفترة التي يبقى فيها الطفل لدى والدته افتراضية لأن الحضانة تسقط عنها في حالة حصول أي خلل حتى لو لم يتم الطفل سن العاشرة، كما أن المشرع عدّل المادة إلى سن العاشرة لأن الطفل يمكنه ساعتها الاعتماد على نفسه بعيدا عن الأم، مؤكدا عدم إمكانية تعديل المادة بالاتجاه الذي يجعل الحضانة مشتركة بين الأطراف، أي أن تحتضنه الأم لسبع سنوات ثم يحتضنه الأب لسبع سنوات أخرى، فقد يعود الأمر بالضرر على الطفل، وأشار إلى أن التعديل الوحيد الممكن هو بزيادة عدد ساعات المشاهدة والاصطحاب.
وترى الدكتورة فاتن الجراح الناشطة في مجال حقوق الطفل أن عمر الـ15 لم يأت اعتباطيا لأن الأحكام الصحيحة للطفل تتشكل فيه، مشيرة إلى أهمية إشراف الأب على الطفل وأن يبيت ابنه عنده ويقضي العطل معه بهدف خلق نوع من التوازن.
ووُجهت حملة تحت عنوان “صرخة أب” بمعارضة الكثير من العراقيات اللواتي اعتبرنها تهديدا للأمهات بفقدان أطفالهن في حال التبليغ عن تعرضهن لعنف أسري، أو تحريك دعوى قضائية ضد أزواجهن طلبا للطلاق.
وتهدف الحملة إلى تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية الخاصة بأحكام حضانة الأطفال. وكانت منظمات تعنى بحقوق المرأة والطفل نظمت وقفة احتجاجية في 9 سبتمبر الماضي ضمت الكثير من النساء ضد تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية.
وأوضحت الناشطة الحقوقية نادية عبد أن هذه الوقفة الاحتجاجية تعبير عن رفض كل أشكال العنف التي ستكون بسبب تعديل القانون الذي حدد سن الحضانة بـ10 سنوات وبعدها تنتقل الحضانة إلى الأب.
وانتقدت الناشطة التعديل المقترح وقالت لموقع “ارفع صوتك” الإلكتروني “الموافقة على هذا التعديل ستؤدي إلى تزايد العنف ضد الأم وأطفالها، خاصة أن أغلب الأمهات في المجتمع العراقي هن من يتكفلن برعاية الأبناء في ظروف يتهرب فيها الآباء من الإنفاق عليهم أو هجرهم وبناء حياة مع زوجة ثانية”.
وأضافت عبد أن “هذا الأمر سيجبر الزوجة على السكوت وتحمل تمرد الزوج وتعنيفه خشية فقدان حضانة أطفالها ممن تجاوزت أعمارهم 10 سنوات”.
وأكد أخصائيو علم الاجتماع أن مشاكل قانون الحضانة تزداد بازدياد معدلات الطلاق، لافتين إلى أنه من أهم تداعيات الطلاق مسألة حضانة الأطفال التي تثير استنكار الآباء لما فيها من إجحاف بحقهم، خاصة مع ظروف جائحة كورونا التي حرمت الآباء من رؤية أطفالهم لفترات طويلة.