القانون الانتخابي الهجين لم ينقذ حلفاء حزب الله من الخسارة أمام القوات اللبنانية

بيروت – لم ينقذ القانون الانتخابي الهجين في لبنان، والذي صمم لضمان تمكن حزب الله دائما من استكمال سيطرته على البرلمان، حلفاء حزب الله من خسارة قاسية أمام حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع الند العنيد للثنائي الشيعي وأمام قوى صاعدة في مختلف الطوائف اللبنانية.
ومع تواتر أنباء خسارة شخصيات لبنانية بارزة متحالفة مع حزب الله، صار واضحا أن القوات اللبنانية بمقاعدها العشرين أضحت أكبر حزب في البرلمان، في الوقت الذي تقول فيه أوساط سياسية لبنانية إن حزب القوات استفاد من دعوة رئيس تيار المستقبل إلى المقاطعة، وإن هذه الدعوة قد حررت الطائفة السنية من عقدة الولاء لعائلة الحريري.
وأظهرت نتائج الماكينات الانتخابية التابعة للوائح المتنافسة احتفاظ حزب الله وحليفته الشيعية حركة أمل -بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري- بكامل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً).
لكن الهزيمة المدوية كانت تلك التي تلقاها التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، حليف حزب الله، والذي لم يتمكن من الاحتفاظ بأكثرية نيابية مسيحية، بعد خسارته عدداً من المقاعد لصالح خصمه حزب القوات اللبنانية الذي بات الحزب صاحب الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان.

مهند حاج علي: ضربة كبرى لحزب الله بخسارة حلفائه المسيحيين
كما فشل نواب سابقون مقربون من حزب الله وداعمته دمشق في الاحتفاظ بمقاعدهم، على غرار نائب الحزب القومي السوري الاجتماعي أسعد حردان عن المقعد الأرثوذكسي في إحدى دوائر الجنوب والذي يشغله منذ عام 1992، والنائب الدرزي طلال أرسلان في دائرة عاليه في محافظة جبل لبنان، وفق نتائج أولية.
في مقابل ذلك ضمن حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع -خصم حزب الله اللدود، والذي تربطه علاقات جيدة بالمملكة العربية السعودية- فوزه بأكثر من عشرين مقعداً، وفق نتائج أولية لماكينته الانتخابية.
ويقول مراقبون لبنانيون “رغم أن النتائج تشجع القوى المناهضة لحزب الله وإيران في لبنان، فإن حزب الله سيعود إلى كونه قوة معرقلة، باعتبار أن هذا هو الخيار الثاني لإيران في مناطق نفوذها كما هو الحال الآن في العراق”.
وأشار المراقبون إلى أن هزيمة حزب الله وحلفائه لفائدة القوات اللبنانية ومستقلين من أنصار التغيير لا تعني أن لبنان يمكن أن يخرج من مربع الأزمة التي يعيشها، بل قد يزداد الوضع سوءا في ظل غياب كتل وازنة يمكن أن تتحالف مع حزب القوات، خاصة بعد أن حدّ قرار المقاطعة الذي اتخذه الحريري من إمكانية حصول تيار المستقبل والسنة ككل على تمثيل مؤثر.
وتكمن المفارقة في أن انسحاب سعد الحريري وما راج عن مقاطعة الانتخابات من قبل تيار المستقبل والسنة قد ساهما في تحرر الطائفة السنية من عقدة الولاء للحريري الأب، ورسّخا فكرة أن وقت طي صفحة الحريري الابن قد حان، وهو ما كان واضحا من خلال فوز شخصيات سنية مستقلة أو قريبة من حزب القوات أو تنتمي إلى أنصار التغيير.
وسعى الحريري إلى نسْب التغييرات الحاصلة في الانتخابات إلى قرار المقاطعة الذي اتخذه، في خطوة اعتبرها المراقبون محاولة للتغطية على الخسارة التي لحقت بالطائفة السنية من وراء هذا القرار غير المدروس، متسائلين عما إذا كان سعد الحريري مناوئا لحزب الله فعليا حتى يعيد تراجع الحزب إلى قرار المقاطعة، ومعتبرين أنه لو شارك الحريري في الانتخابات لتحالف مع حزب الله كما حصل في السابق.
واعتبر الحريري الإثنين أن “قرارنا بالانسحاب كان صائباً وهز هياكل الخلل السياسي وهو لا يعني التخلي عن مسؤولياتنا. سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريري ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس”.
وأضاف في تغريدة عبر حسابه على تويتر “انتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقي بدخول دم جديد إلى الحياة السياسية”.
وكانت القوات فازت وحدها بـ15 مقعداً في انتخابات 2018، مقابل 21 للتيار الوطني الحر مع حلفائه. لكن الصورة انقلبت حاليا بشكل كلي.
وقال مسؤول الإعلام الخارجي في الحزب مارك سعد “تظهر النتائج أن اللبنانيين اختاروا كسر الحلقة التي أرساها حزب الله والتيار الوطني الحر، وتغيير الطريقة التي تدار بها الأمور”.

جيلبير ضومط: هذه النتيجة بداية لترجمة شعارات ثورة 17 تشرين
وأضاف “يمكننا القول إنّ اللبنانيين عاقبوا الأحزاب الحاكمة وانحازوا إلينا للتعبير عن رغبتهم في بداية جديدة في الحكم”.
ومن شأن توسّع كتلة القوات أن يخلط الأوراق عشية استحقاقات عدة؛ أولها انتخاب رئيس للبرلمان الجديد ثم تكليف رئيس للحكومة، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية بعد أشهر، وذلك بالنظر إلى الخصومة المستحكمة بين القوات من جهة وحزب الله وحلفائه من جهة ثانية.
وقال مهند حاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط “الحلفاء المسيحيون لحزب الله خسروا، ما يدعم مقولة أنهم يمثلون أغلبية المسيحيين”، ووصف ذلك بأنه “ضربة كبرى” لحزب الله ولقوله إنه يحظى بدعم شعبي من كل الطوائف بسبب ترسانته القوية.
وكتب الباحث والأستاذ الجامعي زياد ماجد “مهام المجلس النيابي الجديد فيها انتخاب رئيس جمهورية، وفيها موافقة على خطط إنقاذ اقتصادي واتفاقات مع مؤسسات دولية (…) وهذه كلّها ستجري وسط انقسامات عميقة، ومستوى تمثيلي منخفض”.
وقال الناشط السياسي المعارض جيلبير ضومط على صفحته في فيسبوك “نتيجة هذه الانتخابات بداية لترجمة ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر).. فلنترجم نشوة الفرح لوضع الأسس الجديدة لبناء الدولة وتحقيق تغيير جذري بأدائها وتظهير نموذج حديث لمعنى المسؤولية السياسية”.
وكان لافتا أن نسبة الاقتراع التي بلغت 41 في المئة هي ثالثة أدنى النسب المسجّلة في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990).
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار لوكالة فرانس برس “أعتقد أن الامتناع عن التصويت مرتبط جزئياً بالإحباط من الطبقة السياسية والشعور بأنه لن يحصل أي تغيير كبير في الوضع الاقتصادي”.
