القاضية اللبنانية غادة عون تواجه حصارا قضائيا في غياب غطاء سياسي

بيروت- وجدت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون نفسها في مواجهة حصار قضائي بغطاء حكومي، فيما لا تعدو الحركات التضامنية التي مافتئ يعبر عنها التيار الوطني الحر كونها تسجيل موقف، لكن ذلك لا يبدو أنه سيثنيها عن مواصلة ما تعتبره معركة ضد “المنظومة الفاسدة”، والتي يدعمها فيها المودعون.
وتخوض القاضية عون منذ نحو خمس سنوات معركة ضد حاكم مصرف لبنان المنتهية ولايته رياض سلامة، وعدد من المصارف بتهم تهريب أموال إلى الخارج، والتلاعب بسعر الصرف وضرب العملة المحلية وتبييض أموال.
ولئن تبدو قضيتها عادلة، لكن انتماءاتها السياسية وخطواتها الفردية، وقراراتها الارتجالية، تضعها دوما في موضع تشكيك، كما أنه يعاب عليها من قبل البعض أنها تتعاطى بانتقائية مع الملفات.
وقرر النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي جمال الحجار، مؤخرا كف يد المدعية العامة في جبل لبنان عن الملفات القضائية التي تحقق فيها.
◄ لئن كانت القضية التي ترفعها عون عادلة، لكن انتماءاتها السياسية وقراراتها الارتجالية تضعها دوما في موضع تشكيك
ووجه الحجار تعميما إلى الأجهزة الأمنية كافة لعدم تنفيذ أي إشارة صادرة عن القاضية عون وعدم مخابرتها بأي دعوى قديمة أو جديدة، وحصر الأمر بالمحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تجريد عون من صلاحياتها، حيث سبق وأن أصدر النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات في العام 2021 قرارا بكف يد عون، لكنها نجحت بفضل دعم الرئيس عون حينها من العودة وبقوة.
ويرى مراقبون أن المعركة التي فتحتها عون خلقت لها العديد من الخصوم، مشيرين إلى أن هناك نية لتصفية صلاحيات القاضية المتمردة، وأن رهانها على دعم التيار الوطني الحر لن يكون مجد هذه المرة، مع تراجع نفوذ التيار، وخصوصا إذا ما أخذ بالاعتبار أن القضايا التي فتحتها القاضية لا تنحصر في رياض سلامة أو في بعض المصارف بل هي أكبر من ذلك بكثير.
وأعربت القاضية عون الاثنين عن تقديرها لمواقف كتل التغيير والمودعين الذين وقفوا إلى جانبها، لافتة إلى أن هذه ليست قضية أحزاب إنما قضية شعب يبحث عن أمواله.
وجاءت تصريحات عون خلال وقفة تضامنية نظمها محامون ينتمون إلى التيار البرتقالي أمام قصر العدل بالعاصمة بيروتب التزامن مع موعد جلستها أمام الهيئة العليا للتأديب.
وشددت القاضية على أنها لن تتراجع عن المعركة التي بدأتها قائلة “لن نخاف من أي شيء وسنكمل بما بدأنا به”.
وأضافت “نريد دولة قانون ونحن لا نطالب إلا بتطبيق القانون، وقرار مدعي عام التمييز غير قانوني”.
واستفادت القاضية عون خلال عهد الرئيس ميشال عون من غطاء سياسي جعلها تحرز تقدما في تحقيقاتها المالية، لكن هذا الغطاء بدأ بالتآكل مع انتهاء ولاية “بيي الكل” في العام 2022، ووجدت عون نفسها تصارع ضد تيار نجح في تجميع قوته، وعاد ليضرب بقوة.
وتقول أوساط لبنانية إن عملية تصفية صلاحيات القاضية عون بدأت ولن تنتهي إلى حين تحييدها قضائيا، وأن التيار الوطني الحر الذي لطالما استثمر في إنجازات القاضية، ليس بوسعه فعل شيء باستثناء الإعلان عن بعض المواقف المحتشمة على لسان قياداته.
وفي تدوينة تعكس حالة من الإحباط وخيبة أمل كتبت غادة عون على حسابها على منصة “إكس” الأحد “هذا البلد لا يستحق العدالة، بل نظاما مافياويا يسيطر على جميع مقدراته”.
وأضافت المدعية العامة في جبل لبنان “أمام الفظائع التي حدثت والتطاول الوقح على قاضٍ يحاول تحقيق العدالة وتطبيق القانون، لم أرَ سوى تغريدات. نعم، مبروك عليكم هذا النظام. لم تعد لمحاربة الفساد أي معنى. أنا سأترك، لكن على الأقل بضمير مرتاح. فمبروك عليكم سرقة 8 مليارات دولار وحماية الأجهزة للمرتكبين. مبروك عليكم رياض سلامة. مبروك عليكم حجب جنى عمركم من قبل المصارف. إذا كانت هذه هي ردة فعلكم وردة فعل قيادييكم أمام سرقة العصر، فلا أمل. للأسف، مبروك عليكم النظام الفاسد”.
ويعيش لبنان منذ أكثر من خمس سنوات أزمة مالية خانقة أفضت إلى حجز أموال المودعين، وسط اتهامات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وللنخبة السياسية الحاكمة في البلاد منذ عقود بالتسبب فيما آل إليه الوضع المالي باللاد.
ويواجه سلامة الذي انتهت ولايته على مصرف لبنان العام الماضي، اتهامات بجرائم مالية في الداخل والخارج، لكن من دون أن تصدر حتى الآن بحقه أي مذكرة توقيف، كما أن مذكرات الجلب أو الإحضار التي صدرت لا ترقى إلى أمر بالتوقيف الاحتياطي، وهو ما يدعو كثيرين للتساؤل من يحمي سلامة؟