الفيلم البيئي يجمع السينمائيين حول التغيرات المناخية

السينما قوة ناعمة تنجح في التوعية بالمخاطر البيئية.
الاثنين 2023/05/22
سينما البيئة تحظى بانتشار متسارع

انطلاقا من أهمية القضايا البيئية وضرورة توظيف الفن في حلحلة مشاكل الإنسان، جاءت فكرة تأسيس مهرجان الفيلم البيئي الذي ينظم في هذه الفترة فعاليات دورته السادسة في تونس، ويقدم فيها مجموعة من الأفلام والندوات التي تعمل على التوعية بأهمية المحافظة على البيئة وتقديم حلول لأهم المشاكل والأزمات التي تعاني منها تونس والدول العربية والعالم.

تونس – ساهم تغير المناخ والكوارث البيئية التي تنذر منذ سنوات بخطورة مستقبلنا الجمعي على كوكب الأرض، في ظهور نوع جديد من السينما والتي يطلق عليها السينما الإيكولوجية أو السينما الخضراء أو السينما البيئية، وبدأنا نشهد تأسيسا فعليا لمهرجانات سينمائية بيئية في المنطقة العربية، منها مهرجان الفيلم البيئي الذي ينعقد في تونس كل عام، ولا يكتفي بالاهتمام بالمشاكل المحلية وإنما ينفتح على التجارب العربية والغربية مع التركيز على توعية الأجيال الجديدة التي ستكون في عين عاصفة التغيرات المناخية. 

هذه المهرجانات تأخذ في الاعتبار مسألة الاستدامة عند تحديد موضوعاتها وكذلك أساليب إنتاجها وفي جميع مراحل إنشائها وحتى توزيعها. فقد اتخذت صناعة السينما ككل منعطفا بيئيا يتجلى بوضوح في الخطوط العريضة للسينما، التي تتحدث بصرامة عن البيئة وتدافع عنها وترى الفن سلاحا فعالا لذلك.

هشام بن خامسة: نسعى لترسيخ ثقافة التعامل الجدي مع ملف البيئة
هشام بن خامسة: نسعى لترسيخ ثقافة التعامل الجدي مع ملف البيئة

وينتظم بمدينة الثقافة بالعاصمة التونسية حتى الرابع والعشرين من مايو الحالي مهرجان الفيلم البيئي”أنفيفوريست” في دورته السادسة، على أن تتواصل فعالياته إلى غاية شهر أكتوبر بعدد من المناطق التونسية.

يعدّ المهرجان منصة تلتقي فيها السينما والفنون والثقافة بالجمهور المدافع عن البيئة.  وككل عام تهتم برمجة المهرجان بمستقبل القضايا الرئيسية التي تعاني منها المجتمعات اليوم مثل النوع الاجتماعي والتنوع، والأقليات، وكذلك تغير المناخ الذي أصبح محل اهتمام عدد كبير من مشاهدي السينما، حيث أصبحت الأفلام التي تتناوله مسيطرة على شباك التذاكر العالمي.

ويعرض خلال فعاليات دورته السادسة سبعة أفلام بيئية. وافتتح المهرجان بفيلم “أنيمال” (حيوان)، وهو فيلم فرنسي للمخرج سيريل ديون تمّ عرضه بالدورة الماضية لمهرجان كان السينمائي بفرنسا.

ويعرض الفيلم الوثائقي في 105 دقائق، رحلة الطفلين اليافعين بيلا وفيبولان اللذين يكتشفان أن مستقبلهما مهدّد نتيجة التغيّرات المناخية والانقراض الذي يهدّد عددا من الحيوانات.

تقتنع بيلا وفيبولان بأن مستقبلهما مهدّد نتيجة التغيّرات المناخية وأنهما في غضون 50 سنة قادمة قد يصبح العالم غير صالح للسكن والعيش، لذلك ينبّهان إلى خطورة المشاكل البيئية والصيد العشوائي للحيوانات والقطع العشوائي لأشجار الغابات وتزايد نسبة التلوث في الطبيعة.

وفي هذا الفيلم يأخذ المخرج الطفلين في رحلة للتعرّف على مصدر المشكلة، حيث يتسنى لهما فهم الارتباط الوثيق لحياة الإنسان بحياة الكائنات الأخرى وأن إنقاذ هذه الكائنات الحية سيمكّن أيضا من إنقاذ البشرية وأن الإنسان هو جزء من الطبيعة ولا يمكنه الانفصال عنها.

تم عرض الفيلم في فرنسا وسويسرا في الأول من ديسمبر 2021 ثم عرض في بلجيكا، كما تم اختياره للمشاركة في مهرجان كان السينمائي 2021، في قسم السينما من أجل المناخ، وفاز بثماني جوائز في المهرجانات الدولية وتم ترشيحه لجائزة سيزار كأفضل فيلم وثائقي للعام 2022.

فف

لاقى الفيلم استحسان الجمهور وتقييمات إيجابية من الصحافة الأجنبية، منذ عرضه لأول مرة في العام 2021.

ويعرض المهرجان في دورته السادسة ما بين ثلاثة وأربعة أفلام في عروضه المخصصة داخل البلاد، عبر قاعة سينما متحرّكة “كميون سيني”. هذا العام تمت إقامة قرية بيئية في مدينة الثقافة تتضمّن ورشات موجّهة للأطفال حول كيفية رسكلة النفايات، إضافة إلى عروض فن العرائس.

وأكد مدير المهرجان هشام بن خامسة أنّ هذه التظاهرة، وهي ضمن 30 مهرجانا في العالم التي تعنى بالبيئة، تطرح المشاكل البيئة وسبل معالجتها عبر التوعية بأهميّة المسألة البيئية وانعكاسها على حياة البشر في العالم، وخاصّة في دول الجنوب، في وقت يغيب فيه الطرح الملائم لهذه المشكلة من قبل القادة السياسيين، الذين يكون حديثهم عن هذه المسألة بصفة مناسبتية.

مهرجان الفيلم البيئي في تونس منصة تلتقي فيها السينما والفنون والثقافة بالجمهور المدافع عن البيئة
مهرجان الفيلم البيئي في تونس منصة تلتقي فيها السينما والفنون والثقافة بالجمهور المدافع عن البيئة

وتابع “نعمل بتكرار هذه العروض والإعلام كل سنة على ترسيخ ثقافة التعامل الجدي مع ملف البيئة، واستشراف التجارب المقاربة في الدول الأخرى، خاصة المتعلقة بالمياه والمناخ والتلوث والصيد العشوائي والزراعة والانحباس الحراري والسياحة البيئية”.

وأضاف بن خامسة “يشمل المهرجان حلقات نقاش تعقب عرض الأفلام بحضور ناشطين مدنيين وخبراء في السينما والمجالات البيئية ومسرحيين سيؤمنون ورشات توعوية وترفيهية”.

والدورة الحالية للمهرجان هي السادسة منذ انطلاقه عام 2018 بهدف التوعية بشأن القضايا البيئية وتشجيع صانعي الأفلام وسينما البيئة في تونس.

هذا المهرجان ولد من رحم التغيرات المناخية وما تنذر به من تأثيرات خطيرة على المجتمعات رغم اختلافها، حيث يؤمن مؤسسوه بأن لا مفر من أن يلتزم الفن بالتوعية بالقضايا الإنسانية الكبرى، وأن تكون السينما باعتبارها أكثر الفنون انتشارا، سلاحا ناعما للتعريف بالمخاطر البيئية التي تهدد الإنسانية جمعاء، وتلك التي تخص مجتمعات بعينها.

وإلى جانب العروض السينمائية والورشات التدريبية والندوات الفكرية، يعمل المهرجان على تنظيم حملات توعوية سواء خلال فترة انعقاده أو خارجها، بشكل فردي أو عبر أنشطة جماعية تجمع بين أهل الفن وأفراد وجماعات ناشطين في المجتمع المدني لتسليط الضوء على المشاكل البيئية وأهم الحلول لتجاوزها، والتعرف على المبادرات الرائدة في هذا المجال.

يذكر أن هذا النوع من السينما جاء عقب نقاشات عالمية واسعة حول البيئة، والطبيعة والحياة، ومتزامنا معها، فهي نقاشات لا تزال مستمرة تفرضها التغيرات المناخية المفاجئة والسريعة.

وتعرف السينما الخضراء أو البيئية بعرض أفلام توظف الخوف والرعب، وأفلام هدفها الإشعار والتوعية ودق ناقوس الخطر، روائيا وتوثيقيا وكرتونيا. السينما الخضراء هذه محددة سلفا للحديث عن البيئة، كما هي مجال للإبداع الفردي. 

15