"الفيصل" تناقش تحقيق التراث العربي وإشكالاته

الرياض - تسلط مجلة “الفيصل” في عددها الجديد، الضوء على تحقيق التراث العربي، من خلال ملف يقدم قراءات مختلفة في تحقيق المخطوطات والبحث في التراث الإسلامي والتراث العلمي لما يجسده التراث من اهمية بالغة اليوم في ترسيخ الهوية وضمان الاستدامة والتواصل بين الاجيال.
وتزخر البلدان العربية بإرث ثقافي وفني عريق يمتد على المئات من السنين ويمثل تراثا إنسانيا هاما، وخير دليل على ذلك الإدراج المستمر لعناصر من هذا الإرث ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، في التفاتة غير مسبوقة لأهمية هذا الإرث وفي تذكير بثراء المنطقة بالمفردات التراثية.
ولعل الرهان الأهم اليوم هو تثمين هذا التراث بمختلف عناصره، وحمايته، ولا يكون ذلك إلا بتحقيقه بداية لحمايته من أي تزييف أو تشويه، وهو أمر دارج لطالما تعرض ومازال يتعرض له التراث البشري، وخاصة التراث العربي الذي يعرف محاولات طمس وتزييف إما عن جهل او عن قصد، نظرا إلى أهمية التراث الجوهرية في بناء الحضارة، ودوره اليوم في عالم متقلب تمثل الهوية فيه عنصرا أساسيا لحماية الإنسان.
وشارك في ملف العدد مجموعة من الباحثين والمحققين العرب والأجانب، إذ نقرأ لطاهرة قطب الدين مقاله بعنوان “نظرة إلى تحقيق التراث العربي واستقبال الغرب للكتب المحققة”، بينما يقرأ عبدالله يوسف الغنيم “التراث العلمي العربي ومجهودات تحقيقه”، ويتناول محمد العمارتي “جهود العلماء المغاربة في تحقيق المخطوط الأندلسي”، بينما يبحث محمود عبدالباسط في “التحقيق والتوثيق الرقمي للتراث المخطوط”، أما هند العيسي فتتناول “المرأة السعودية وتحقيق التراث الإسلامي”، ختاما بمقال الهواري غزالي “في المخطوطات المجاورة للمخطوط العربي.”
وتركز المواد بشكل أساسي على المخطوطات قبيل أسابيع من الاحتفاء السنوي في الرابع من أبريل بيوم المخطوط العربي، وتُعدّ المخطوطات العربية والإسلامية كنوزًا ثقافيةً وعلميةً لا تقدر بثمن، تزخر بها أرشيفات ومتاحف العديد من دول العالم، وتُمثل إرثًا حضاريًا غنيًا يُجسد إبداعات الحضارة العربية والإسلامية في مختلف المجالات. وتُظهر هذه المخطوطات عبقرية العقل العربيّ في العلوم الطبيعية والإنسانية، حيث تحتوي على أفكارٍ إبداعيةٍ وابتكاراتٍ علميةٍ ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تقدم الحضارة الإنسانية.
ولعل تحقيق هذه الكنوز والاهتمام بها من أبرز الأولويات اليوم للحفاظ على التاريخ، وبالتالي الحفاظ على الإنسان العربي من أي محاولة اجتثاث أو تغريب قسري.
وعلاوة على الملف تواصل المجلة في مختلف أركانها الأخرى تقديم مواد متنوعة، تقرأ راهن الثقافة العربية والعالمية، ونقرأ في العدد حوارا مع الأكاديمي والمترجم المغربي محمد الولي (أجراه محمد الإدريس)، وفيه يرى الولي أننا بالترجمة يمكن أن نفهم الجاحظ جيدا، وأن قراءة الترجمات لدينا عمل شاق، فكل مترجم يستعمل لغته هو، وتنعدم لدينا المعاجم المتخصصة.
وكتب الباحث التونسي المنجي السرياني “في مشروعية فلسفة التربية”، كما كتب الباحث المغربي على بلجراف عن المركزية الصوتية بين الفلسفة والعلوم الإنسانية. وفي مقال بعنوان “كرة القدم بوصفها قوة ناعمة” يرى الباحث العراقي إسماعيل نوري الربيعي أن فوز السعودية باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 من شأنه أن يسفر عن نتائج اقتصادية وسياسية وثقافية مهمة. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل درج حكايته مع رواية “روبنسون كروزو” لدانييل ديفو التي تحولت إلى فيلم. وتقدم الروائية الفلسطينية ليانة بدر شهادتها عن الموت والحياة في الأدب والكتابة.
وكتب كل من عبدالعزيز بن صالح الهلالي عن “الحملات الصليبية.. منظور إسلامي” لكارول هيلينبراند في إعادة اعتبار للرواية الإسلامية، بينما تناول يونس حسايني “أدبية اللغة القانونية.. بحث في إشكالية بناء الخطاب القانوني”، أما هيثم الحاج علي فقرأ كتاب “الدكتور نازل” لطالب الرفاعي كـ”خطاب مجتمعي يمزج بين الفنتازيا والسخرية”. وقدمت بغياني فايزة مقالها بعنوان “في مرسم العين الشاحبة عند إيمانويل لفيناس.. أو نحو تفكيك مركزية العين في الوجه”، بينما تناول حسن المودن “السيميائيات والتحليل النفسي”، أما المهدي مستقيم فيكتب عن “الكائن وتجربة اختبار اللامتناهي.”
ويطالع القارئ عددا من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد، منها في ركن قضايا: “تحت ظلال سوريا الجديدة.. مثقفون بقوا وآخرون عادوا بعد سنوات.. بكاء على الأطلال أم استعادة لأحلام يقظة ببيت الطفولة الأول” لسامر محمد إسماعيل. كما يتناول ركن جوائز أبرز الأسماء والمشاريع المتوجين بجائزة الملك فيصل. كما خصص العدد ركن ثقافات لبحوث مختلفة منها ما يتطرق إلى “الأيديولوجيا النسوية في سرد الكاتبات الروسيات بداية القرن 21” لعزام أحمد جمعة، ومنها ما يتناول نصوصا مستعادة لبورخيس لمحمد المزيودي. علاوة على قضايا العمارة في مقال “ما القصص التي يرويها الفن” ليوسف السعيد. بينما خصص ركن فنون لـ”بينالي الشارقة 16: منصة متعددة الأصوات والتأويلات”، ولرائدة الغناء السعودي ابتسام لطفي. أما ركن تحقيقات فقد خصص لواقع الثقافة في تونس من الطموح والأحلام إلى الانتكاسة والإحباط، بينما خصص ركن إعلام لدراسة الرمزية وعملية تشكيل الوعي الجمعي في الإعلام والاتصال لسفران سفر.
وتواصل المجلة تقديم عدد من القراءات النقدية لأهم الإصدارات العربية الجديدة علاوة على نشرها لنصوص شعرية وقصصية لأجيال مختلفة.