الفنان لطفي بلعمري "دوبل كانون" يهز عرش الراب العربي

بعد غياب لسنوات عن عالم الموسيقى، عاد فنان الراب الشهير لطفي دوبل كانون بأغنية حافظ فيها على فنه السليط الذي لا يخاف أن يوجه من خلاله سهامه الحادة والناقدة للأنظمة السياسية الفاسدة وللأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعصف بالشعوب العربية.
الجزائر - سجل الفيديو كليب الذي أطلقه الفنان الجزائري لطفي دوبل كانون الملايين من المشاهدات في أيامه الأولى، وأحدث تفاعلا كبيرا من جمهور وفناني موسيقى الراب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى أوروبا، حيث أجمع الكل على أن العمل الذي جاء بعد سنوات من الانقطاع، أحدث نقلة نوعية في الراب العربي ونصّب الفنان لطفي ملكا له.
وحقق العمل الأخير الذي أطلقه فنان الراب الجزائري لطفي دويل كانون نسب مشاهدة عالية في أيامه الأولى على شبكات التواصل الاجتماعي، وحظي بإعجاب وانبهار جمهور وفناني الطابع الموسيقي المذكور، خاصة في المنطقة المغاربية، ليسجل بذلك عودة قوية بعد سبع سنوات من الانقطاع، وقد أعرب العديد من المدونين عن أمنيتهم في أن تكون عودة دائمة لأنهم يعتبرون الراب العربي في حاجة إلى “ملكه”، وأن “الأجيال في حاجة إلى فن ملتزم”.
ومنذ بداية مشواره الفني نهاية تسعينات القرن الماضي، وهو خريج تخصص الجيولوجيا من جامعة عنابة الجزائرية في الناحية الشرقية للبلاد، اختار لطفي لنفسه شخصية “المدافع المزدوج”، حيث جمع بين الأغنية السياسية الناقدة وبين الأغنية الرسالة ذات المحتوى التربوي والتهذيبي للأجيال الشابة.
وجاء الكليب الأخير مفاجئا، قياسا بالعودة بعد سنوات من الانقطاع، وبمحتوى الأغنية التي كانت عبارة عن جرد حساب لمسيرته الفنية، حيث ضمنها مختلف أعماله ومواقفه ورسالته، وهو رد مبطن على بعض أصوات الراب المحلية، التي اتخذت من انتقاده على مواقفه السياسية المناوئة للسلطة، مطية للتودد إليها والتسلق على ظهره إلى مجد فني وسياسي.
لطفي بلعمري من الفنانين القلائل في الجزائر الذين سخروا فنهم لانتقاد الأوضاع وواكب مختلف القضايا الوطنية والقومية
الأغنية التي جاءت في ثلاث دقائق ونصف الدقيقة اختصرت مسيرة الفنان وردت على المنتقدين وأعادت الرجل إلى عرش الراب العربي، بشهادة فناني وجمهور هذا الفن الموسيقي، خاصة وأنه نجح في التوفيق بين الصورة والموسيقى واختيار المشاهد، وبين الأداء والكلمات الشعرية المختارة بعناية، في قالب سريع وإيقاع متوازن يهز الأبدان ويحرك المشاعر.
ويعتبر الفنان لطفي بلعمري من الفنانين القلائل في الجزائر الذين سخروا فنهم لانتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية بالبلاد، وواكب مختلف القضايا الوطنية والقومية، ولذلك لاحقه مقص الرقيب ومضايقات السلطة، مما اضطره للهجرة إلى فرنسا ثم استقر أخيرا ببريطانيا، أين توقف عن الغناء والتحق منشطا بإحدى القنوات التلفزيونية المعارضة.
أنجز لطفي خلال مسيرته الفنية 24 ألبوما و10 كليبات، ومن خلال المواضيع التي يعالجها حاول تطوير “الهيب هوب” عبر أغنية القدس والقضية الفلسطينية، حيث سلط الضوء على الجوانب التاريخية للقضية المبهمة عند الشباب الجزائري بكلمات بسيطة.
واهتم أيضا في أغانيه بمضامين علمية ورياضية وروحية، فضلا عن المقدسات والظواهر الاجتماعية، كالأمومة، والفقر والمخدرات و”الحرقة” (الهجرة غير الشرعية)، والفتن، ولأنه ظل متمسكا بقناعاته الروحية والقومية، فقد رفض التوقيع لعقد عمل مع شركة “فيرجين” الأميركية، بسبب طلبها منه حذف انتقاده للممارسات الإسرائيلية في فلسطين والقدس بشكل خاص.
وظل الفنان لطفي جريئا في انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية بالجزائر، ولم يسلم من أغانيه لا النظام الجزائري ولا حتى نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، والعديد من الحكام العرب والمسلمين، ولذلك وجد نفسه مطاردا ويضطر إلى الهجرة وحرم حتى من حضور جنازة والده لأنه مطلوب للسلطات الجزائرية.
الرجل الذي بلغ الآن 51 عاما، واكب الأحداث المهمة في الجزائر والعالم منذ سنوات شبابه الأولى، إذ غنى للعشرية الدموية (1990 – 2000)، بعنوان “الله لا تربحكم”، أين هاجم بشدة “المسؤولين الذين كانوا في سدة الحكم في تلك الفترة، وطالبهم بالسكوت وترك الشعب يعيش في أمان”.
ورغم أن الكليب الأخير الذي غزا شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية، كان ردا منه على هؤلاء عبر إنجاز أبهر جمهور أغنية الراب في العالم العربي وحتى أوروبا، إلا أنه عمد إلى أسلوب التلميح دون توجيه أصابع الاتهام أو المساس بشخص أيّ من هؤلاء، غير أن الصور والمشاهد أكدت تمسك الرجل بمواقفه وبرسالته الفنية.

وقال عن الأغنية في تصريح صحفي “رسالة أغنية الله لا تربحكم هي نصيحة لكل الجزائريين حتى لا نقع في نفس الفخ الذي نصبته العصابة الحاكمة للبلاد، من خلال استفزازها للشعب وتحريضه على العنف بغلقهم كل أبواب الحوار التي تؤدي إلى تغير سلمي للوضع”.
كما انتقد في أعماله الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، منذ إعلانه الترشح لولاية رئاسية رابعة، ولم يسلم منه كبار المسؤولين في الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء المسجون حاليا عبدالمالك سلال، الذي انتقده بأغنية “فقاقير”، وهي زلة لسان وردت على لسان الرجل في أحد تصريحاته، لما كان يقصد “فقراء”، فقدمه لطفي في صورة هزلية، تزامنت مع بداية الغضب الشعبي على السلطة.
ومنذ العام 2016، انقطع لطفي عن الغناء، والتحق منشطا في إحدى القنوات التلفزيونية في لندن، حيث استمر على مواقفه المناوئة للسلطة، وظل مدافعا عن الحراك الشعبي إلى غاية الآن، معتبرا إياه ملاذ الجزائر لتحقيق التغيير وتفادي الانزلاق إلى العنف، وهو ما كلفه تصنيفا معاديا من طرف السلطة، استغله فنانون انتهازيون في محاولة التقرب من السلطة عبر انتقاد المواقف السياسية للفنان لطفي.