الفنانون في الجزائر يناقشون قانونا ينظم الممارسة الفنية ويرتقي بها

الجزائر - رأت السلطات الجزائرية أنه بات من الضروري الآن التفكير في سن قانون للفنان ينظم القطاع الثقافي والفني ويضمن حقوق العاملين فيه ويرتقي به محليا ويمكنه من المنافسة ضمن محيطه العربي والدولي.
وأطلقت وزارة الثقافة والفنون منذ الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي ورشات عمل جهوية تنعقد في عدد من الولايات، من أجل الاستماع إلى الفنانين وجمع مقترحاتهم، تمهيدا لإعداد مشروع قانون الفنان الذي من المقرر أن يكون جاهزا في العام المقبل على أقصى تقدير.
آخر هذه الورشات انعقدت الثلاثاء في وهران (شمال غرب) وفيها قدم فنانون من الجهة عدة مقترحات لتحسين الوضعية المهنية الاجتماعية للفنان وتعزيز مكانته في المجتمع والارتقاء بالممارسة الفنية وضمان استمرار النشاط الفني.
وفي هذا الإطار أكد الفنانون المشاركون في اللقاء الذي نُظم بدار الثقافة والفنون “زدور إبراهيم بلقاسم” ضرورة تحسين الظروف المهنية الاجتماعية للفنان في شتى الحقول الفنية من خلال وضع نصوص قانونية تسمح باستحداث سوق للعمل تتيح استمرارية النشاط الفني طيلة السنة مع تقديم الدعم للفنانين.
المشاورات تتعلق بحق الفنان في الضمان الاجتماعي والتقاعد وحماية أعماله وحصوله على عائدات الحقوق الفكرية
وأكد المشاركون الذين ثمنوا هذا اللقاء التشاوري أهمية وضع قانون أساسي يهتم بتحديد صفة الفنان والتكفل بانشغالاته ووضع آليات لحماية حقوقه مع تحديد التزاماته ووضع ضوابط للعمل الفني، بالإضافة إلى تثمين الطاقات الفنية من خلال استحداث محفزات للنشاط الفني مع الارتقاء بالممارسة الفنية وتقنينها.
كما دعا آخرون إلى إدراج الجمعيات الثقافية التي لعبت دورا كبيرا في إبراز الفنان الجزائري سواء كان رساما أو شاعرا أو سينمائيا أو مسرحيا في قانون الفنان واستحداث مرصد وطني يجمع كل الفنانين، مشددين على ضرورة تكوين الفنانين واعتماد مبدأ اللامركزية في استخراج الوثائق وكذلك إعادة النظر في بطاقة الفنانين.
وفي هذا الشأن قال المسرحي سمير بوعناني عضو المجلس الوطني للفنون والآداب إن “هذه الهيئة قامت مؤخرا بنشر استبيان خاص بالفنانين بغية إحصائهم ووضع منصة خاصة بالفنانين الجزائريين إلى جانب أنها ستسعى أيضا إلى تخفيف وثائق الملف الخاص بالحصول على بطاقة الفنان وكذلك إصدار بطاقة جديدة تحمل اسم البطاقة المهنية للفنان تمنح بناء على عقود عمل تثبت أن الفنان ينشط ميدانيا”.
ويدخل هذا اللقاء في إطار القافلة التي تجوب جميع محافظات الجزائر للتشاور مع الفنانين حول إعداد وصياغة مشروع قانون الفنان الذي جاء تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، حسبما ذكره المدير الفرعي للفنون الحية وفنون العرض بوزارة الثقافة والفنون، شداد بزيع على هامش اللقاء في وهران الذي شهد حضور جمع من الفنانين.
وأبرز شداد الذي نشط اللقاء إلى جانب المدير الجهوي للديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة لوهران، بختاوي عبدالحفيظ، أن “جميع مقترحات وتصورات الفنانين الذين يعتبرون شريكا فعالا يمكن صياغتها في مواد قانونية تسهر على تجميعها اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع قانون الفنان التي تضم قانونيين ومشرعين وفنانين ومن قطاعات وزارية”.
وتكشف الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الثقافة والفنون، أن هناك 13 ألفا و41 فنانا في السجلات الرسمية للعام الجاري، يحملون بطاقة فنان على المستوى الوطني، وذلك في 180 تخصصا مختلفا.
13
ألفا و41 فنانا في السجلات الرسمية للعام الجاري، يحملون بطاقة فنان على المستوى الوطني
لكن الفنانين يشككون في صدق انتماء بعض الأسماء إلى القطاع الفني حيث يشككون في مصداقية عمليات الإحصاء ويقولون إنها تواجه عدة عراقيل، بسبب انتشار ظاهرة الدخلاء على الفن الذين حاولوا الاستفادة من بعض الامتيازات التي تمنحها بطاقة الفنان، لاسيما فيما يخص تسهيلات الحصول على تأشيرات السفر وبعض المنح المالية.
ولا يزال قطاع الثقافة والفن خاضعا لإشراف المجلس الوطني للفنون والآداب الذي أنشئ في عام 2011، والمكلف بتوزيع البطاقات الخاصة بالفنانين وتنظيم القطاع.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت يونيو الماضي عن إنشاء بكالوريا خاصة بالفنون لتكوين جيل جديد من المخرجين والسينمائيين والموسيقيين الجزائريين.
ولقيت هذه المبادرة ترحيبا كبيرا في الوسط الفني، باعتبارها خطوة تعزز علاقة الدولة بالفنون وتربط المهن الفنية بعالم الشغل، ومن شأنها المساهمة في حل بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي لا يزال يعاني منها الفنان الجزائري.
ومنذ العام 2020 قادت وزارة الثقافة والفنون مشاورة دولیة، تجمع بين فنانين وكتاب وفاعلين ثقافيين وخبراء دولیين من الجزائر ومن الخارج، لتبادل خبراتهم والتعبير عن أنفسهم بشأن وضع القطاع ومكانة الفنان في المنظومة القانونية والمهنية الجزائرية، واقتراح سبل للتفكير تتناسب مع الواقع وتحدد المحاور والتوجهات التشريعية اللازمة لإقرار قانون الفنان.
وتتعلق المشاورات حول القانون بحق الفنان في الضمان الاجتماعي والتقاعد وكذلك حماية أعماله وحصوله على عائدات مالية من الحقوق الفكرية والأدبية. وتعمل اللجان التي تمثل التخصصات الفنية المختلفة من أجل جمع مقترحات الفنانين في جميع أنحاء البلاد بهدف إثراء مشروع القانون.
وكانت الحكومة الجزائرية قد اتخذت خطوات تنظيمية للقطاع منها حظر استضافة أو تنظيم فعاليات لفنانين أجانب أساؤوا إلى الجزائر ورموزها السياسية والتاريخية، أو لهم مواقف تتعارض مع المصالح الجزائرية، على غرار الموقف من القضية الفلسطينية.
ويعتبر العام الحالي عاما مخصصا بالكامل لنقاش قانون الفنان حيث انتظمت منذ فترة ورشات في تيزي وزو (جنوب) وفيها اقترح الفنانون المشاركون إدماج خريجي مؤسسات التكوين الفني الذين لم يحصلوا على فرص عمل في مختلف القطاعات، معتبرين أن “مشكلة الفنان لا تقتصر على وزارة الثقافة”. وطالب بعضهم بإعادة فتح قاعات السينما من أجل استئناف بعث النشاط السينمائي.
لكن كل هذه الخطوات تظل غير فعالة ما لم ير قانون الفنان النور ويتم اعتماده بالإجماع من أغلب الفنانين الجزائريين ويتم تطبيقه بالشكل الذي يعيد تنظيم القطاع ويضمن للفنان الجزائري حياة مهنية واجتماعية أفضل.