الفنانة المغربية إلهام العراقي عمري: الفن التشكيلي توثيق للحياة

البعد الروحي يهيمن على جل أعمال الفنانة المغربية حيث تتعمق وتتأمل كثيرا في الأشياء وفي التفاصيل رغم بساطتها وفي كل ما يحيط بها.
الأربعاء 2023/05/17
فنانة تتبع الزمن وأثره

الرباط - يحتضن رواق باب الكبير بالأوداية بالرباط إلى غاية 19 مايو الجاري، معرضا للفنانة التشكيلية إلهام العراقي عمري حول ثيمة "الزمن"، وفيه تستمد الفنانة التشكيلية رؤيتها للجمال في أبعاده الطبيعية والروحية من تأملاتها الذاتية للحياة وأثر الزمن في المجتمعات والأفراد. وتعرف الفنانة المغربية بانشغالها الدائم بالزمن وأبعاده ومفاهيمه المتعددة، فعبر لوحات متفاوتة الأحجام، تأخذنا إلى إبحارٍ صوفي عميق وغوصٍ فني في الزمن وعوامله وحركاته وأشكاله، وتثير لدى المتلقي أسئلة محددة لكل واحد وتقترح حوارا وانعكاسا حول الوقت.

وعن اختيارها لثيمة الزمن، تقول الفنانة إن "هذا الموضوع أثار اهتمامي منذ أكثر من سبع سنوات، واختياري له في البداية لم يكن عن قصد بل تم بشكل عفوي وتدريجي، حيث وجدت نفسي أنجذب لثيمة الزمن أو الوقت، وأصبحت بالفعل مصدر إلهام لي، أتعمق فيها وأطرح تساؤلاتي وأفكاري ومشاعري حولها من خلال أعمال فنية”.

غالبا ما يشار إلى الفنانة على أنها رسامة الوقت ويعتبر البعض أن لها مدرسة فنية خاصة بالزمن
◙ غالبا ما يشار إلى الفنانة على أنها رسامة الوقت ويعتبر البعض أن لها مدرسة فنية خاصة بالزمن

وتضيف “في البداية تناولت هذا الموضوع بتحفظ، وبشكل غير واضح كإضافة عقارب الساعة في بعض لوحاتي التي أنجزها باستخدام الصباغة الزيتية على القماش، أو من خلال مجسّمات هندسية وتركيبات. وشيئا فشيئا أصبح هذا الموضوع محور لوحاتي ومنحوتاتي التي يتضمن بعضها عناصر متحركة يتفاعل معها الزوار في محاولة لتقريبهم أكثر من ثيمة الزمن”.

وتتابع الفنانة “هذا المعرض تطلب منّي حوالي ثلاث سنوات لأتمكن من تقديم أعمال فنية تترجم رؤيتي حول الزمن الذي أعتبره موضوعا شاسعا أشعر أن باستطاعتي تقديم المزيد من الأعمال حوله لأنه من الصعب الإمساك والإحاطة به”.

بدأت الفنانة المغربية إلهام العراقي عمري ممارسة هواية الرسم منذ الصغر إلا أن أول معرض لها في المغرب كان عام 2004 قبل أن تحلق بموهبتها الإبداعية فيما بعد نحو أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة، ففي 2012 استطاعت الظفر بأول ميزة مشرّفة في معرض دولي أقيم في تركيا، وتلتها مشاركات أخرى في سلسلة من المسابقات والمعارض بلوكسومبورغ وبرشلونة وإيطاليا وفرنسا والنمسا وإسبانيا.

وفي إجابتها عن سؤال حول أهم المواضيع التي تلهمها، والألوان والأساليب التي تميل لاستخدامها، تبين العراقي عمري “في واقع الأمر، ومنذ بداياتي إلى اليوم، يهيمن البعد الروحي على جلّ أعمالي، حيث أتعمق وأتأمل كثيرا في الأشياء وفي التفاصيل رغم بساطتها وفي كل ما يحيط بي، وأيّ شيء يمكن أن يخطر على البال قد يصبح مصدر إلهام لي، حيث أعبّر عمّا بداخلي من أفكار وأفسح المجال لمشاعري لأستعرض نعم وروعة الحياة، فالفن التشكيلي يصبح بالنسبة إليّ وسيلة لتوثيق هذه اللحظات واختزالها في لوحات أو منحوتات”.

وتتذكر الفنانة أنه “في بداياتي التي تعود لأكثر من عشرين سنة اشتغلت على لوحاتي اعتمادا على أسلوب الواقعية، بعد ذلك انتقلت لاستخدام أسلوب نصف واقعي، لأنني بدأت في تلك الفترة في إدماج الأسلوب التجريدي في أعمالي. وفي مرحلة أخرى من مساري الفني هيمنت على لوحاتي الألوان المتوهجة والدافئة التي تشبه تدفقات الحمم البركانية، لأقدم في مرحلة موالية أعمالا فنية أجمع أغلب من شاهدها على أنها تحتفي بعنصر النور أو الضوء، لأدخل بعدها مباشرة في عالم الزمن أو الوقت موضوع معرضي الحالي”.

◙ إلهام العراقي عمري تفكر حاليا في التعمق أكثر في موضوع الزمن من خلال إنجاز أعمال أخرى تتمحور حول هذه الثيمة

وتتابع “بالنسبة إلى معظم اللوحات التي أنجزتها فقد استخدمت فيها الصباغة الزيتية على القماش، وفي أحيان أخرى اعتمدت على تقنيات متنوعة لإنجاز اللوحة الواحدة”. أما فيما يتعلق بمشاريعها المستقبلية، فتوضح الفنانة المغربية أنها تفكر حاليا في “التعمق أكثر في موضوع الزمن من خلال إنجاز أعمال أخرى تتمحور حول هذه الثيمة، فضلا عن تنظيم معارض في عدد من المدن المغربية وبفرنسا”.

وتقييما لمنجزها التشكيلي والنحتي يقول الكاتب والسوسيولوجي مصطفى ساها إن “أعمال إلهام عمري تعبر عن الزمن العضوي في مظاهره المتقلبة وتحولاته المتطورة. إن ذاكرة المستقبل، التي تدرك في وفرتها الذاتية، تدمج الماضي والحاضر والمستقبل، وهي مدة لا يمكن اختزالها، بمقياس الحركة حسب ما قبل أرسطو وما بعده.. منحوتات ولوحات إلهام تتبع الزمن بوساطة ميكانيكية وصبغات أيقونية”.

وغالبا ما يشار إلى الفنانة على أنها رسامة الوقت، ويعتبر البعض أن لها مدرسة فنية خاصة بالزمن، خاصة أنها تقدم بلاغة فنية على شكل منحوتات تهتم برصد الوقت وحركاته وآثاره الكبرى على البشر. وتمتلك الفنانة قوة تعبيرية، مكنتها من بلورة أسلوبها الفني الخاص الذي يراوح بين التجريدية والرؤية الصوفية ذات الرموز والروحانيات المرتبطة بالكون وعجلة الزمن، وهي دائمة الانحياز إلى الغموض الذي يهز المتلقي ويمنحه لحظة جمالية تشع بالأسئلة.

وتصف الناقدة الفنية الإسبانية إيزابيل تريمو أعمال إلهام العراقي بقولها إنها “أعمال تقتات من جذوة أحاسيسها المحركة للجذور، تتغذى بقوة وطاقة اللهب المتراقص السرمدي على أطراف فرشاتها، كائن وحيد قادم من غابر الأزمان يبدو وكأنه يبوح بأسرار جذوره”.

14