الفنانان كمال بلطرش وماريا إلتسوفا يحتفيان بالجزائر في لوحاتهما

أكثر من ثلاثين لوحة تبحر في عالم المرأة الجزائرية بكل ما تحمله من دلالات ورموز تشع بالأنوثة والأصالة والجمال.
الأربعاء 2022/11/30
ألوان متناغمة في تصويرها للجزائر

الجزائر - يقدم الفنانان التشكيليان كمال بلطرش وزوجته ذات الأصول الروسية ماريا إلتسوفا، في معرض ثنائي لهما برواق مؤسسة أحمد ورابح عسلة بالعاصمة الجزائر، أكثر من ثلاثين لوحة فنية تبحر في عالم المرأة، بكل ما تحمله من دلالات ورموز تشع بالأنوثة والأصالة والجمال.

يعرض كمال بلطرش 17 لوحة زيتية على القماش في الفن التشخيصي والانطباعي سلط من خلالها الضوء على جمال وثقافة المرأة الجزائرية من مختلف مناطق الوطن. إذ يقول إن "المرأة هي الحياة"، مضيفا أن استعماله المتنوع للألوان "اختيار شخصي، فهو يمنح رسوماته الحياة من خلالها". وقال إن "الألوان جميلة وتبعث على الفرح والبهجة".

ولم يمنح الفنان عناوين للوحاته حتى "يقدم إلى الزوار فسحة للتأمل والترحال في رحابها"، لكنْ تبرز منها ثلاثية جميلة ومعبرة تتعلق بموضوع الحلم، تبدو للمشاهد كعمل تجريدي يتحدث عن مراحل الإنسان في أحلامه. ويقول الفنان إنه تحصل بفضلها على جائزين في تظاهرة فنية بلندن عام 2021.

كمال بلطرش يقر بأن "المرأة هي الحياة"
كمال بلطرش يقر بأن "المرأة هي الحياة"

ويشير بلطرش، وهو سينوغرافي سابق في التلفزيون الجزائري، إلى أن لوحاته المعروضة مستمدة من رسومات تحضيرية كان قد أنجزها سابقا بالأكواريل مثل "ستوري بورد" (القصص المصوّرة) أثناء عمله كسينوغراف مع المخرج الراحل عزالدين مدور خلال تحضيره لفيلمه "جبل باية".

ورسومات "ستوري بورد" عبارة عن رسومات تمثيلية لمختلف لقطات الأفلام وخصوصا التاريخية منها، حيث توضح الأجواء الاجتماعية والثقافية والمضامين التاريخية الأصيلة بهذه الأعمال مع مراعاة التسلسل الزمني لأحداثها وبيئتها وشخوصها.

وذكر الفنان أن رسوماته تلك استغرق العمل عليها سنوات من البحث الحثيث في مكونات وخصائص المواقع التي تم التصوير فيها وأيضا في عناصر اللباس التقليدي والحلي والعمران وغيرها من الطقوس والرموز التي أثثت يوميات شخوص ذلك الفيلم.

ودرس بلطرش التشكيل في أكاديمية الفنون التشكيلية سوريكوف بالعاصمة الروسية موسكو، وقد شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية بالجزائر وأيضا روسيا وتركيا وبريطانيا.

من جهتها تقدم الفنانة ماريا إلتسوفا 17 لوحة زيتية على القماش دون عناوين وفي إطار تيارات فنية مختلفة، تتمحور في أغلبها حول المرأة الجزائرية وجمال التضاريس والمدن الجزائرية كقصبة الجزائر وواجهة المدينة البحرية وقصور غرداية ونساء من العاصمة بلباس الحايك، وهذا في إطار فني ورمزي بديع.

غير أن أكثر ما يميز أعمالها هو مجموعة لوحات قديمة وجديدة تضم بورتريهات للمرأة والرجل التارقيّيْن، مسلطة الضوء من خلالها على اللباس والعادات والتقاليد والثقافة التارقية، بعضها حائز على “الجائزة الكبرى” في التظاهرة الفنية سالفة الذكر التي أقيمت بلندن.

وتعبر إلتسوفا، التي تعيش في الجزائر منذ ثلاثين عاما، من خلال إبداعاتها عن المرأة التارقية وحضورها "البارز" في مجتمعها؛ فهي تقول إن الصحراء الجزائرية في أقصى الجنوب قد "أبهرتها"، وإنها "معجبة كثيرا بالمرأة التارقية ونمط حياتها ودورها الكبير في مجتمعها".

وتعلمت إلتسوفا خلال إقامتها في الجزائر كيف تتعايش اجتماعيا وفنيا مع البيئة الجزائرية، فوظفت انبهارها بسحر القصبة وأناقة المرأة الجزائرية بخصوصيتها التقليدية التراثية، وقد صوّرتها في مجمل أعمالها الفنية وقدّمتها للمجتمع الروسي في مختلف معارضها الفردية التي جذبت اهتمام النقاد والمتذوّقين الذين تعّرفوا من خلال هذه المعارض على التنوّع البيئي والثقافي الذي تمتاز به الجزائر.

وتشارك الفنانة الروسية الجزائريين احتفاءهم بتاريخ بلادهم وتراثها الثري، عبر لوحات فنية مبهرة تغوص في عمق التراث الجزائري العريق، حيث تسمح للمتلقي بأن يستمع لأهازيج الفرح المنبعثة من النغمات العذبة لآلات موسيقية ضاربة في التاريخ وهي تروي حكاية الأرض التي تحتفي بالأنثى، بالمرأة الصحراوية الملكة، كما تصفها الفنانة، حيث تقول إن "المرأة الصحراوية ملكة في مجتمعها لها كلمتها المسموعة ولها حق اتخاذ القرارات الحكيمة حتى في غياب زوجها، لأنه يثق في رجاحة عقلها التي ورثتها عن الآباء والأجداد واكتسبتها من محيط قاس يعلّم الحكمة والهدوء والتروِّي في كل شيء".

◙ المعرض يستمر إلى غاية الـ26 من ديسمبر المقبل وبإمكان عشاق الفن التشكيلي زيارته للتعرف على الإبداعات واقتنائها

وشددت الفنانة الإسبانية على أن “الثقافة التارقية جميلة وأصيلة، إذ بقيت محافظة على نفسها وخصوصياتها من قديم الزمان بفضل المرأة التارقية الحامل الأكبر لها"، معتبرة أنها "لم تختلط بالثقافات الأخرى، ولم تتأثر بتيار العولمة".

وعبّرت الفنانة عن "احترامهما الكبير" لـ"الثقافة والموسيقى والفن التارقي"، لافتة إلى أن المجتمع التارقي “يتميز بأن للمرأة فيه مكانة كبيرة، فهي تربي وتحافظ على البيت وتنقل حكايا الأجداد وتعزف على الإمزاد وتحافظ بهذا على الثقافة، وهذا أمر هام جدا".

ودرست إلتسوفا الفنون التشكيلية في أكاديمية سوريكوف بموسكو، رفقة زوجها، وقد "أحبت كثيرا هذا الفن" الذي "ساعدها كثيرا في حياتها"، كما تقول، مضيفة أنه سبق لها أن قدمت أعمالها في عدة معارض بالجزائر وخارجها.

ويستمر المعرض إلى غاية السادس والعشرين من ديسمبر المقبل، وبإمكان عشاق الفن التشكيلي زيارته للتعرف على هذه الإبداعات واقتنائها أيضا. وليس هذا المعرض الثنائي الأول الذي يجمع الفنانيْن، بل دأبا على التشارك في معارضهما، آخرها كان معرضا في يونيو الماضي نظم في المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر العاصمة.

وفي العام الماضي ضمّ أكثر من أربعين لوحة فنية من مختلف الأحجام والألوان تمكّن من خلالها الزوج الفني بلطرش وإلتسوفا من استقطاب اهتمام الجمهور الذي غاص في تفاصيل اللوحات الفنية بتقنية الستوري بورد التي صمّمها الفنان كمال بلطرش باحترافية ودقة عالية، وتروي بالريشة واللون جزءا من مخطّط سيناريو فيلم “جبل باية” للمخرج الجزائري الراحل عزالدين مدور.

ألوان برؤية بصرية هائلة
ألوان برؤية بصرية هائلة 

14