الفلسطينيون في مأزق خسارة الظهير العربي دون كسب حلفاء جدد

المواقف الفلسطينية الحادّة من قرار الإمارات والبحرين إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل تُظهر المنظور التقليدي الضيّق للقضية الفلسطينية المتواصل من سبعين سنة.
الأحد 2020/09/13
من المسؤول عن تشويه ملامح القضية؟

القدس - كشفت التغيّرات الكبيرة الجارية في علاقة إسرائيل بالبلدان العربية، حالة من التكلّس والجمود لدى القيادات الفلسطينية تمنعها من التكيّف مع المتغيّرات واستثمارها في خدمة قضيّة شعبها فضلا عن سوء تقديرها المتمثل في مراهنتها على قوى إقليمية لا تستطيع أن تعوّض على الفلسطينيين خسارتهم للظهير العربي الذي، إن لم يستطع حلّ قضيّتهم، فقد أبقى عليها حيّة بما قدّمه لهم من دعم سياسي ومادي على مدى عشريات متتالية من الزمن.

وأظهرت المواقف الفلسطينية الحادّة والمتشنّجة من قرار الإمارات والبحرين إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل أنّ تلك المواقف مبنية على منظور تقليدي ضيّق لم يتغّير طيلة أكثر من سبعين سنة ويقوم على إضفاء هالة من القدسية على القضية الفلسطينية حدّ التوهّم بإمكانية التدخّل في السياسات الخارجية للدول ووضع خطوط حمراء على علاقاتها بالدول الأخرى.

ويرى محللون أن القضية الفلسطينية كانت تجمع دولا ذات مصالح متباينة في الشرق الأوسط، لكن تبدّل التحالفات الإقليمية وحّد صفوف الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج ضد عدوها المشترك إيران، ما جعل الفلسطينيين أكثر عزلة ويبحثون عن حلفاء جدد.

فبعد اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة عن اتفاق مماثل بين البحرين وإسرائيل. وتحدث عن حصول “اختراق تاريخي”.

وفشل وزراء الخارجية العرب في اجتماع افتراضي لجامعة الدول العربية الأربعاء في دعم دعوة فلسطينية لإدانة اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الشهر الماضي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

وستصبح الإمارات والبحرين ثالث ورابع دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد مصر في 1979 والأردن في 1994. وأثار اتفاقا التطبيع الجديدان غضب القيادة الفلسطينية في رام الله.

وقالت الإمارات إن اتفاق التطبيع الذي توصلت إليه مع إسرائيل سيسمح بوقف ضم أي أراض في الضفة الغربية.

المواقف الفلسطينية الحادّة من قرار الإمارات والبحرين إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل تُظهر المنظور التقليدي الضيّق المتواصل من سبعين سنة.
غاليا ليندنشتراوس: لدى تركيا طموح لقيادة القضية الفلسطينية

وفي الأشهر الأخيرة حذّرت جامعة الدول العربية وتركيا ودول أوروبية مثل فرنسا، إسرائيل من عملية الضم التي من شأنها أن تقوض ما يسمى بحل الدولتين، الذي يعني إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.

ومع أن الدول العربية وقفت ضد مشروع الضم، فقد رحّب الحلفاء العرب التقليديون للفلسطينيين باتفاق التطبيع المقرر توقيعه في واشنطن الثلاثاء.

وقال سري نسيبة المفكر الفلسطيني والمسؤول السابق في منظمة التحرير الفلسطينية إن “القيادة الفلسطينية غاضبة جدا”. وأضاف “لكن في الواقع لطالما اشتكى الفلسطينيون من قلة الدعم من العالم العربي”.

ويقول المحلل الفلسطيني غسان الخطيب إن هذا “النقص في الدعم” يتجلى أكثر فأكثر في منطقة الشرق الأوسط التي عانت من اضطرابات الربيع العربي والاستقطاب الإيراني السعودي والقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويضيف أنه بسبب “الثورات والحروب الأهلية والخلافات الإقليمية الأخرى، يجد العرب صعوبة في الاتفاق على أي شيء بما في ذلك على كيفية دعم القضية الفلسطينية”. وأضاف لوكالة فرانس برس أن “الفلسطينيين يدفعون ثمن تدهور الوحدة العربية”.

وأورد مثلا على ذلك فشل الفلسطينيين الأربعاء الماضي “في إقناع شركائهم في جامعة الدول العربية بإدانة الصفقة الإسرائيلية الإماراتية”، على حد تعبيره. لكن في رام الله لا يزال الفلسطينيون متمسكين بشرعية “الإجماع العربي” ويرفضون فكرة أن الفلسطينيين معزولون دبلوماسيا. وكان الإجماع العربي لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شرطا لا غنى عنه للتطبيع مع إسرائيل. والمطالب الأساسية هي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الخامس من يونيو 1967. والموافقة على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

ورأى مصدر دبلوماسي غربي أنه “ليس أمام الفلسطينيين مخرج حقيقي في الواقع”، مؤكّدا “أنهم عالقون”. وأضاف أنهم “عالقون من جانب الذين يريدون الاستحواذ على قضيتهم سواء كانت تركيا أو إيران”.

وتقيم إيران علاقات وثيقة مع التنظيمات الإسلامية المسلحة في غزة، وبدرجة أقل مع السلطة الفلسطينية.

وقالت غاليا ليندنشتراوس من المعهد الوطني الإسرائيلي للأبحاث الأمنية إن “تركيا لديها طموح لقيادة القضية الفلسطينية وتشير إلى نفاق الدول العربية والغرب في عدم الدفاع عن هذه القضية بشكل كاف”.

وقال الرجوب “نحن لا نتجاهل أي دولة. تركيا قوة إقليمية عظمى، إنها دولة مسلمة ونحن على علاقة جيدة بها. سنواصل التعاون مع الجميع”.

لكن الخطيب قال إنّ “على الفلسطينيين الابتعاد عن تركيا وإيران وقطر” التي تتعارض مصالحها بشدة مع القوى الخليجية الكبرى الأخرى. وأضاف أنه “ليس من الحكمة أن يقع الفلسطينيون في خضم التوترات الإقليمية والمنافسة بين القوى الإقليمية العظمى”.

وأوضح الخطيب “إذا اقتربوا من إيران فإنهم يخسرون السعودية وإذا اختاروا تركيا فسيخسرون آخرين”، معتبرا أنه “من الأفضل للفلسطينيين أن يبقوا على مسافة آمنة من هذه القوى الإقليمية العظمى المختلفة”.

وفي سؤال حول ما إذا كانت القيادة الفلسطينية ستسعى للبحث عن تحالفات جديدة، قال وزير البيئة الفلسطيني عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أحمد مجدلاني “واقع الأمر يدفعنا إلى إعادة تقييم أوراقنا وعلاقاتنا سواء على المستوى الثنائي العربي الفلسطيني أو على المستوى الاقليمي”.

3