الفلسطينية سامية حلبي فنانة تخوض تجارب ملهمة في مجالات الفن

لوحات متأثرة بالعمارة السوفياتية والفنون الإسلامية القديمة.
الثلاثاء 2023/06/27
صاحبة نظرية جمالية فريدة

غادرت الفنانة التشكيلية سامية حلبي موطنها منذ الصغر، لكنه لم يغادر ذاكرتها، فتجده حاضرا في أغلب أعمالها التشكيلية، وهي وإن اختارت التجديد متأثرة بالفن السوفياتي إلى أنها تلتزم برسم الطبيعة بدءا من الطبيعة الفلسطينية وصولا إلى الولايات المتحدة أين تعيش منذ سنوات.

عمّان – تُركز التشكيلية الفلسطينية سامية حلبي في أعمالها الفنية على موضوعة الطبيعة وما تقدمه من إلهام، مستثمرةً الفنون التي عرفتها الحضارات البشرية عبر الزمن، كالعمارتين الإسلامية والسوفياتية، وموظفةً إياها ضمن الأشكال الحديثة للفن.

وبعد مسيرة فنية تمتد إلى حوالي ستة عقود، أصبحت حلبي التي تقيم بالولايات المتحدة من أبرز الأسماء في مجال الفن التجريدي المعاصر، ما دفع المتاحف الكبرى إلى اقتناء أعمالها، وشجّع النقاد على تناول هذه التجربة.

وترى حلبي أن الأساليب الجديدة للرسم يمكن أن تُغيِّر طرائق رؤية الإنسان وتفكيره، من جهة جماليات الشكل واللون وحسب، واكتشاف وجهات نظر جديدة تهم المجتمع ككل من جهة أخرى.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، خاضت الفنانة تجارب ملهمة في مجالات الفن كالرسم الحر، والطباعة، وما يسمى “الفن الرقمي الحركي” المُنفَّذ على الكمبيوتر، وكانت لها في هذا المجال تجارب مشتركة مع مجموعة من الموسيقيين والعازفين، حيث استطاعت تحويل موسيقاهم إلى لوحات فنية نفَّذتها أمام الجمهور مباشرة.

وقد نزحت عائلة حلبي من فلسطين في عام 1948، ورغم أنها لم تكن قد تجاوزت العاشرة من العمر آنذاك، إلا أنها احتفظت بذكرياتها البصرية عن المكان الذي عاشت طفولتها فيه، وبخاصة الأشجار المورقة في حديقة جدتها بالقدس. ثم أقامت العائلة حتى عام 1951 في بيروت، قبل أن تنتقل للاستقرار في الولايات المتحدة، وهناك واصلت حلبي دراستها، ونشطت في الأوساط الأكاديمية، وقامت بتدريس الفن في الجامعات لما يزيد على عشرين عامًا.

ألوان منصهرة ومتجانسة
ألوان منصهرة ومتجانسة 

كانت الفنانة الفلسطينية أول امرأة تشغل منصب أستاذ مشارك في كلية ييل للفنون، كما درّست في جامعات هاواي وإنديانا وميشيغان وغيرها.

ورغم أن حلبي التي صنفتها مجلة “أريبيان بزنس” ضمن قائمة أقوى مئة امرأة عربية (2014 – 2018) تركز اشتغالها على التجريد، إلا أنها استخدمت أيضًا أسلوبًا وثائقيًّا للرسم التصويري، خاصة في أعمالها ذات الطابع الوطني مثل “سلسلة كفر قاسم”، وصمّمت العشرات من الملصقات واللافتات التي تناهض الحرب، وقدمت مساهمات في مجال الرسم التوثيقي، لتجسيد المعاناة التي يكابدها الفلسطينيون والتذكير بحقهم في العودة إلى الوطن.

الفنانة الفلسطينية ترى أن الفن ينبغي أن يكون مبنيًّا على الواقع، بمعنى أن يعكس التجريد ما هو موجود بالفعل في محيطنا

وفي السياق نفسه، اهتمت حلبي برسم شجرة الزيتون التي تنطوي على رمزية خاصة مرتبطة بالبركة وبأرض الأجداد، حتى أنها قامت في أحد أعمالها بإلصاق التراب الذي جاءت به من فلسطين على سطح اللوحة ليتخلل مفاصل الشكل المرسوم لشجرة الزيتون، وهي تؤمن في هذا الإطار بأن الفن ضروري ليخبر العالم بما عاناه شعبها تحت الاحتلال.

وقد ارتبط تطوير عمل حلبي على مدى العقود الماضية ارتباطًا وثيقًا بتحديد العديد من مبادئ التجريد في الطبيعة باستخدام النهج المادي، ويلاحظ المطَّلِع على أعمالها أنها تهتم بتقديم الأساليب والأشكال التي تنهل من العمارة وتنظر لها كفن قائم منذ فجر التاريخ، لذا تمتد ظلال هذا التأثر وتنعكس على أسطح لوحاتها.

وتُظهر أعمال حلبي تأثرًا بالعمارة السوفياتية والفنون الإسلامية التقليدية، إلى جانب الاعتناء بإبراز الثقافة البصرية للبيئة الفلسطينية، ورصد ديناميكية المدن الكبرى وحركيتها، كمدينة نيويورك التي تكتظ شوارعها بالمحلات والناس الذين يسيرون في كل اتجاه على مدار الساعة.

وحلبي صاحبة نظرية جمالية فريدة في الفن التجريدي، إذ تزاوج بين فهم الطبيعة على اعتبارها مصدرا روحيا للجمال وبين مزاج بشري لا يقبل التعريف إلا في لحظة انفعاله. وهو بالضبط ما تنطوي عليه رسومها التي تحمل متعة بصرية مكثفة.

وترى الفنانة الفلسطينية أن الفن ينبغي أن يكون مبنيًّا على الواقع؛ بمعنى أن يعكس التجريد ما هو موجود بالفعل في محيطنا؛ حركة أوراق الشجر، تماوج الضوء الطبيعي، التجمعات البشرية، النوافذ والأبواب الكبيرة والصغيرة.. وهي تقوم عند تنفيذ أعمالها بترتيب الأشكال إلى جانب بعضها بعضًا، مع الحرص على التنويع اللوني بين الغامق والفاتح، حيث تبدو أسطح لوحاتها غنية بصريًّا وتوحي بأن الألوان فيها تتحرك وتنبض بالحياة وبالحيوية.

أشكال هندسية معقدة
أشكال هندسية معقدة

إلى جانب مسيرتها الفنية الغزيرة، تعدّ حلبي أيضًا باحثة، وقد نشرت كتاباتها التي تناولت تاريخ الفن وعلم التربية وعلم الجمال في العديد من الكتب، ويعدّ استطلاعها لعام 2002، الذي حمل عنوان “فن تحرير فلسطين”، نصًّا أساسيًّا لتاريخ الفن الفلسطيني. وقد حاز كتابها “رسم مجزرة كفر قاسم” جائزة كتاب فلسطين لعام 2017.

وجابت أعمال حلبي أوروبا والولايات المتحدة واقتنت لوحاتها كبرى المتاحف والمؤسسات مثل متحف سولومن ومعرض جامعة ييل والمتحف الوطني الأميركي للفنون في واشنطن ومعهد شيكاغو للفنون ومتحف كليفلاند للفنون ومعهد العالم العربي في باريس والمتحف البريطاني.

والفنانة المعروفة ببحثها الطويل والمعمق في مجال الفن الفلسطيني وتاريخه والتي تعتبر نفسها فنانة سياسية وتصر على أن يكون الفلسطيني مميزا في كل المجالات، تراقب البشر كأفراد ومجموعات وتفسر تحركاتهم من خلال أشكال هندسية تبتكرها مع كل مجموعة من أعمالها.

ولكن هذه الأشكال الهندسية المعقدة والتي “لها حسابات علمية دقيقة” كما تقول حلبي، تبدو للناظر إليها كأنها نغمات موسيقية متحررة من الآلات وتتراقص بينها الألوان منصهرة ومتجانسة لتشكل كتلاً لونية حرة مفعمة بالتفاؤل والسعادة.

وتقول إن تلك البساطة التي يراها الزائر على سطح اللوحة تأتي من “أشكال الطبيعة التي تؤثر بشكل عميق على أعمالي من خلال تركيباتها الغريبة”.

14