الفكر الفلسفي يضيء مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة

رغم تراجع شعبية المسرح عربيّا لدى الجمهور وخاصة من فئة الشباب، وتخلّي البعض من أبنائه عنه لصالح الأعمال الدرامية بشقيها التلفزيوني والسينمائي، يبقى المسرح أبا للفنون ويظل له بريقه وخصوصيته كفنّ يتلقّى مخرجاته بشكل آني ومباشر، حيث تزدهر من حين لآخر مهرجاناته وورشه، ويأتي مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة الذي اختتمت فعاليات دورته الثامنة، مساء الاثنين، كنموذج لهذا الازدهار.
الشارقة – اختتمت، مساء الاثنين، الدورة الثامنة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة الذي تنظمه دائرة الثقافة في حكومة الشارقة ويحتضن أنشطته المركز الثقافي لمدينة كلباء الإماراتية، بفوز مسرحية “لير ملك النحاتين” بجائزة أفضل عمل متكامل، أما جائزة أفضل مخرج مسرحي فذهبت للمخرج السوري راشد دحنون عن مسرحية “في انتظار غودو”، وذلك نظير تقديمه رؤية خاصة في النص المسرحي ومحافظته على فكرة العمل رغم اختزاله الملحوظ للنص، بينما حصل عرض “أرحمني يا شكسبير” للمخرج محمد جمعة على جائزة أحسن سينوغرافيا، وذلك نظرا إلى استثماره الفضاء بشكل جيّد وتوظيفه لعناصر الإضاءة والأزياء والديكور بما يخدم فكرة العمل.
كلاسيكيات عالمية
خصّص المهرجان ثلاث جوائز لأفضل تمثيل نسائي، وثلاث جوائز لأفضل تمثيل رجالي، وحصلت على الجائزة الأولى الممثلة أسيل زين العابدين عن دورها مسرحية “مدن الرماد”، في حين ذهبت الجائزة الثانية إلى حنان دحلب عن دورها في مسرحية “مأساة الحجاج”، وتحصّلت نوف الكعبي على الجائزة الثالثة عن دورها مسرحية “عطش”، بينما حصل الممثل السوري هاكوب هيدي على جائزة أفضل تمثيل رجالي عن دوره في مسرحية “في انتظار غودو”، يليه الممثل عبدالله الخديم عن دوره في مسرحية “شيء ما يتكتك هنا”، لتذهب الجائزة الثالثة إلى الممثل حمد علي إبراهيم عن دوره في مسرحية “في انتظار غودو” أيضا.
وكانت لجنة التحكيم قد توجّهت بكلمة عبر رئيسها المخرج الكويتي عبدالله العابر، أكد فيها على أنّ بعض العروض المشاركة في المهرجان كانت متأثرة بعروض سابقة وأن هناك فرقا بين التأثير والتأثّر والنقل المباشر وعليه يجب تحفيز المخرجين على الإبداع، كما أوصت اللجنة المخرجين أثناء تعاملهم مع النصوص الأجنبية بعدم دمج أكثر من نص في نص واحد منعا للالتباس بين النصوص، داعية المشاركين في الدورات المقبلة من المهرجان إلى عدم الجمع بين التخصّصات، وأوصت أخيرا بتحفيز المشاركين على تفعيل حضور المرأة أكثر فأكثر في الدورات القادمة من المهرجان، نظرا إلى غياب العنصر النسائي عن معظم عروض الدورة الحالية، خاصة على مستوى الإخراج.
هذا وشارك في المهرجان الذي استمر لمدة خمسة أيام (من 26 وإلى غاية 30 سبتمبر الماضي)، عشرة عروض مسرحية للهواة ما بين قصيرة ومتوسطه الطول، تم اختيارها وغربلتها من قبل لجنة مختصّة مكوّنة من الفنانة السورية أمل حويجة والمسرحي التونسي يوسف البحري والمسرحي الإماراتي إبراهيم القحومي، لتكون صالحة للعرض الجماهيري والمشاركة بالمهرجان.
واعتمدت العروض التي أخرج معظمها شبان يافعون بشكل شبه كامل على كلاسيكيات المسرح العالمي، سواء بشكل حرفي أو عبر إعداد وتوليف مسرحي لتلك النصوص، مثل أعمال وليام شكسبير وصموئيل بيكت وهارولد بنتر وهوباي ميكلوش ويوجين يونيسكو، باستثناء عرضين وحيدين أحدهما مصري بعنوان “مأساة الحجاج”، والآخر مستمد من التراث الياباني بعنوان “صائد طيور الجحيم”.
والملاحظ أنّ عددا لا بأس به من تلك النصوص تنتمي إلى مدرسة العبث أو اللامعقول كمسرحيات يوجين يونيسكو وهوباي ميكلوش المجري والأيرلندي صموئيل بيكت الذي قدّمت له مسرحية “في انتظار غودو” عبر عرضين مسرحيين منفصلين ووفق رؤيتين مختلفتين تماما، فكيف عرف وتعرّف هؤلاء الشباب اليافعون على تلك النصوص الفلسفية؟ والأهمّ كيف استطاعوا تقديم عروض بلغة عربية فصحى؟ رغم أن الأمر لم يخلُ من أخطاء واضحة وعثرات في بعض الأحيان، ومع ذلك مثّل الأمر تحديا كبيرا خاصة بالنسبة للجيل الجديد من الشباب الذي أنسلخ كليّا عمّا هو ثقافي وأدبي والتحق بركب التكنولوجيا.
بحوث مسرحية
من الجدير ملاحظته أنّ عروض المهرجان قدّمت بشكل متتابع يوميا، ما بين عرضين أو ثلاثة عروض يفصل بينها ندوة تطبيقية لا تتجاوز العشرين دقيقة يتم خلالها فقط تغيير الديكور وتجهيز الإضاءة، الأمر الذي كان مربكا جدا بالنسبة للمخرجين والفنين وحتى الممثّلين، إلاّ أن أكثر العناصر تضررا من هذه العملية كانت الإضاءة، التي تلقت نقدا كبيرا، خاصة من قبل المتخصّصين حيث بدت باهته لا تظهر وجوه الممثلين وغير موظّفة بالشكل الصحيح، وهو عيب ظاهري غير مقصود فرضته ظروف العرض وضيق الوقت في التجهيز.
واستضاف المهرجان في يوم الختام، 30 سبتمبر الماضي، دورة سابعة من “ملتقى الشارقة للبحث المسرحي” المكرّس لاستعراض وإبراز أحدث الرسائل العلمية المنجزة في كليات الدراسات العليا المختصّة في المجال المسرحي، وشهد الملتقى مشاركة ثلاثة باحثين حازوا شهادة الدكتوراه في المسرح، مؤخرا، وهم: بوسلهام الضعيف من المغرب وسيف الفرشيشي من تونس، وشريف صالح من مصر.
وتعتبر تجربة مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة فريدة من نوعها، ليس فقط كونها تجربة تعيد للمسرح ألفته وألقه لدى الشباب الإماراتي الذي بات كغيره أسير الميديا ووسائل الإعلام الأكثر جماهيرية، بل في كونه حدثا ثقافيا يقوم على رعاية واكتشاف المواهب الشابة في دولة الإمارات ويسمح في الوقت عينه بدخول مشاركات عربية جنبا إلى جنب مع التجارب الإماراتية، كما يمنح البعض من الشباب اليافع فرصة إخراج عرض مسرحي في الوقت الذي تتهرّب فيه بعض المؤسسات الحكومية في دول عربية أخرى عن إنتاج أي عمل مسرحي للمحترفين بحجة أن المسرح لا يحقّق أرباحا مادية، كما أنه يتيح للمشاركين فرصة خوض تجربة التحكيم في المهرجان جنبا إلى جنب مع شخصيات مسرحية عربية لها وزنها في المسرح، سواء بشكل أكاديمي أو احترافي فني.