الفقر يجعل اللبنانيين فريسة سهلة للاستقطاب الجهادي

طرابلس ( لبنان) – أثارت أخبار متداولة في لبنان عن اختفاء العشرات من الشباب من مدينة طرابلس (شمال) في ظروف غامضة قلقا لدى الأهالي، خاصة أن معظمهم من مناطق شعبية فقيرة، وسط أنباء عن توجههم نحو العراق للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي.
وأكد وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، عبر مقابلة تلفزيونية في الثالث عشر من يناير الجاري، معلومات صحافية متداولة عن مغادرة 37 شابا طرابلس للالتحاق بـداعش في سوريا والعراق.
وتعد طرابلس العاصمة الثانية للبنان، وهي المدينة الأكثر فقرا على ساحل البحر المتوسط، وفق تقديرات البنك الدولي عام 2017.
وتبلغ مساحتها حوالي 15 كلم، وعدد سكانها نحو 500 ألف نسمة، يعيش معظمهم أوضاعا بالغة السوء بمعدل دخل يومي لا يتجاوز دولارين للفرد.
محمد الصبلوح: الفقر والعوز والبطالة هي أسباب مهمة بما يكفي لما يجري
وقالت أم علاء، وهي ستينية، إن ولدها عمر (30 عاما) اختفى قبل يوم من ليل رأس السنة 2022، حيث استيقظت صباحا ولم تجده في فراشه، فاتصلت به عدة مرات، ولكن هاتفه مقفل، فسألت عنه أصدقاءه، ربما يكون برفقتهم، دون جدوى.
وتابعت “عندما لم نجده بأي مكان توقعنا وجوده لدى المخابرات اللبنانية.. تواصلنا معهم في اليوم التالي لاختفائه وسألنا إذا كان موجودا، فنفوا الأمر وأبلغوا (بأنه) ربما يكون قد ذهب مع الشباب الذين يهاجرون عبر البحر (بطريقة غير نظامية)”.
وأردفت “لا أعرف إلى أين ذهب.. أريد من يساعدني لإيجاده، ولكن بعد عدة أيام تلقيت اتصالا وحيدا منه عبر الهاتف من رقم غريب، وسألني عن صحتي وقال لي إنه بصحة جيدة”.
وذكرت الأم أن “عمر حُكم 5 سنوات بالسجن بتهمة الإرهاب وخرج، ومن حينه والأجهزة الأمنية لم تتركه، إذ كانت تستدعيه عند أي مشكلة صغيرة تحدث.. ابني لا يحق له العمل بسبب الحكم عليه.. إنه مجرّد من حقوقه المدنية”.
ووفق مدير مركز حقوق السجين في طرابلس (غير حكومي)، المحامي محمد الصبلوح، فإن أكثر من أربعين شابا لبنانيا من صغار السن والفقراء ذهبوا في الأشهر القليلة الماضية إلى العراق.
ورأى الصبلوح أن ما يجري في طرابلس مرتبط بـ”غرفة سوداء” لديها أزمة مع المدينة، من دون تفسير.
وتساءل عن كيفية “هروب العشرات من الشباب إلى العراق ودخولهم سوريا عبر معابر غير نظامية، ومنها يعبرون مدنا سورية تسيطر عليها أنظمة تدعي محاربة الإرهاب، ومن ثم الوصول إلى العراق، دون أن تشعر الأجهزة الأمنية بهذه التحركات وترصدها!”.
واعتبر الصبلوح أن “الفقر والعوز والبطالة هي أسباب مهمة لما يجري، لكن الأهم هو الإهمال الممنهج بحق المدينة، ومن ثم التعامل الأمني المفرط مع شباب ورجال متهمين بالإرهاب”.
ومنذ عامين، يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع انهيار عملته الليرة، وشح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، بجانب تدهور حاد لقدرة مواطنيه الشرائية.
وأردف الصبلوح أن من أبرز الأسباب أيضا “الضغوط التي يتعرضون لها من الجهات الأمنية واستدعاءهم المتكرر إلى الأمن للتحقيق وخوفهم من فبركة تهم لهم”.
ورأى أن “الأجهزة الأمنية اللبنانية أمام اختبار، وهو أن تكشف من هم خلف الغرف السوداء التي تكيد المكائد لطرابلس وشبابها، خاصة وأن بعض الشباب ليس لديهم التزام ديني ومعظمهم ليسوا متطرفين”.
وأوضح أن “التواصل مع هؤلاء الشباب يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الاتصال الهاتفي، وكان لا بد من كشف مَن وراء تجنيدهم ومَن المستفيد من إرسالهم إلى العراق”.
وأما الشيخ نبيل رحيم، وهو أحد المطلعين على قضية اختفاء الشباب والتواصل مع الأجهزة الأمنية، فقال “معلوماتي أنه حتى اليوم هناك 33 شابا من طرابلس، أعمارهم بين 15 و22 عاما، اختفوا من المدينة، وبعضهم من المؤكد أنهم وصلوا إلى العراق وتواصلوا مع أهاليهم، واثنان قتلا وآخرون انقطعت أخبارهم”.
وتابع رحيم “هؤلاء الشباب يتلقون الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت، حيث يتم تجنيدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل بينهم يتمّ عبر لعبة ببجي الشهيرة”.
واعتبر أن “الفراغ العلمي والعقلي وراء تبنيهم هذه الأفكار المتطرفة، فليس لديهم فهم صحيح للدين، ما يجعلهم يلتحقون بهذه الجماعات المتطرفة المتسببة في الكثير من الكوارث والمصائب في بلاد المسلمين”.
وأردف أن “الأزمة الاقتصادية والفقر والبطالة، التي يعاني منها الكثير من شباب المدينة، من بين العوامل التي دفعت بعضهم إلى الالتحاق بهذه الجماعات المتطرفة”.
لبنان يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع انهيار عملته الليرة، وشح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، بجانب تدهور حاد لقدرة مواطنيه الشرائية
واستطرد “ومن الأسباب وراء ذلك غياب العدالة عبر الضغوط الأمنية والاستدعاءات المتكررة للمشبوهين أمنيا والأحكام الظالمة التي تطولهم بعد اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية”.
وزاد رحيم بأن “عددا من هؤلاء الشباب مطلوب أمنيا، بدل تسليم نفسه وحل مشكلته يهرب إلى العراق”.
وأواخر 2017، أعلنت بغداد الانتصار على داعش، لكن التنظيم الإرهابي لا يزال يمتلك خلايا نائمة في مناطق عديدة من العراق، ويشن هجمات دموية من حين إلى آخر.
واعتبر صهيب جوهر وهو كاتب صحافي من طرابلس، أن “هناك أطرافا سياسية مثل حزب الله (اللبناني) ومن يدور في فلكه، يستغلون سياسيا هذه الأخبار لإعادة فزاعة داعش الإرهابي لتأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو القادم، بعد تراجع شعبيتهم وتوقعهم خسارة الأكثرية البرلمانية مع حلفائهم”.
وأضاف جوهر أن “حزب الله وحلفاءه الذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه، يريد شيطنة طرابلس وإظهارها على أنها مدينة راعية للإرهاب وخارجة عن القانون”.
وشدد على أن “طرابلس برهنت خلال ثورة السابع عشر من أكتوبر 2019، احتجاجا على السلطة والأوضاع المعيشية الصعبة، أنها إلى جانب الجيش اللبناني وأنها تريد دولة عادلة”.