الفضة خيار جديد للمصريين للحفاظ على مدخراتهم

امتلاك الذهب أصبح بعيدا عن متناول الكثيرين جراء الارتفاع الجنوني في أسعاره.
الجمعة 2024/02/09
البديل الأفضل الآن

أدت التقلبات في سوق العملة الموازية في مصر والانخفاض المتوقع في قيمة الجنيه إلى حالة من الفوضى في تجارة الذهب، مما دفع بعض الناس إلى اللجوء إلى الفضة كوسيلة لحفظ قيمة مدخراتهم، في تأكيد آخر على مدى الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد.

القاهرة - تحصل المرأة المصرية عادة على هدية قيمة من المشغولات الذهبية أو ما يعرف بـ”الشبكة” عند خطوبتها، لكن نظرا لزيادة الطلب على المعدن النفيس نتيجة ارتفاع الأسعار وضعف العملة فقد يحصل البعض منهن الآن على الفضة وليس الذهب.

ويكمن مرد هذا التحول في تقلب سعر الصرف، فقد انخفض الجنيه ما يقرب من 50 في المئة مقابل الدولار منذ مطلع عام 2022، إذ تواجه البلاد نقصا متزايدا في تدفقات العملة الأجنبية.

لكن العملة المحلية تهاوت في تعاملات السوق السوداء، ولذلك يسعى المصريون لحماية مدخراتهم عن طريق شراء الدولار والمعادن النفيسة والعقارات.

إيهاب سمرة: الإقبال الكبير على الذهب خلال هذا التوقيت يدفعه الذعر
إيهاب سمرة: الإقبال الكبير على الذهب خلال هذا التوقيت يدفعه الذعر

وفي بلد تشير التقديرات إلى أن نحو 60 في المئة من سكانه البالغ عددهم 105 ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه، لا يستطيع سوى عدد قليل من الناس تحمل تكاليف الاستثمار في العقارات الراقية التي تزدهر مبيعاتها.

وتعاني مصر من شح شديد في السيولة الدولارية منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها، والتي أدّت إلى تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، ما أدى إلى خفض قيمة الجنيه 3 مرات.

وقفز سعر الدولار في السوق السوداء إلى 71 جنيها الشهر الماضي مقابل سعره الرسمي عند 30.85 جنيه، قبل أن يتراجع إلى أقل من 60 جنيها في الأيام الماضية وسط توقعات بتوسع التمويل المقدم من صندوق النقد وتقارير عن استثمارات إماراتية على المتوسط.

وأنهت بعثة الصندوق زيارتها إلى القاهرة أواخر الأسبوع الماضي، وأعلنت عن إحراز تقدم في المناقشات مع السلطات المصرية.

وستواصل البعثة عقد لقاءات افتراضية لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم لسد فجوة التمويل المتزايدة في البلاد، وسط توقعات بأن تساهم المحادثات في توفير تمويلات تتجاوز 10 مليارات دولار لمصر من الصندوق والمانحين.

وبحسب التقرير السنوي لمجلس الذهب العالمي، فقد ارتفع الطلب على العملات والسبائك الذهبية في مصر بمقدار 57.8 في المئة بين عامي 2022 و2023.

كما ارتفع سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا بنحو 122.7 في المئة إلى 3875 جنيها (126 دولارا) في الاثني عشر شهرا الماضية، وفقا للاتحاد العام للغرف التجارية المصرية.

ويرى الخبير الاقتصادي إيهاب سمرة أن هذا الإقبال يدفعه “الذعر”. وقال لتلفزيون رويترز إن “امتلاك الذهب في هذه اللحظة لا يعد استثمارا ولا يعد ادخارا، بل هو هروب بالأموال إلى ملاذ آمن من باب الحق الشرعي للدفاع عن المال”.

وتبدو نانسي مصطفى، وهي ربة منزل، واحدة من المصريات اللاتي بدأن في تحويل مدخراتهن من الجنيه إلى الذهب منذ عامين، حيث قالت لتلفزيون رويترز إنها تفضل الادخار في الذهب لسهولة تداوله. وأشارت إلى أن لديها إمكانية لبيعه في أيّ وقت تشاء، كما أنه متاح عكس الدولار، ولذلك “من السهل أن أحفظ قيمة نقودي”.

0.74

دولار سعر غرام الفضة المتداول بالسوق، بينما غرام الذهب قفز إلى نحو 126 دولارا

ويرى إيهاب واصف رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات المصرية أن أسعار الذهب الحالية “غير عادلة”، وأن شراءه خلال هذه الفترة المضطربة “غير منطقي”.

وقال إن اندفاع الناس لاقتناء الذهب مؤخرا سببه “توجهات صفحات التواصل الاجتماعي التي تقول اشتروا الذهب، فالذهب بيزيد، وبالتالي الناس يقتادون خلف كلام السوشيال ميديا”.

وأكدت مصادر أمنية مؤخرا أنه تم إلقاء القبض على العشرات من تجار الذهب بتهمة التلاعب بالسوق، مما دفع بعض التجار الآخرين إلى التوقف عن البيع.

وتعد المشغولات الذهبية خيارا تقليديا للهدايا في مناسبات مثل الزواج أو ميلاد طفل جديد، لكن إيمان محمود، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 51 عاما، أكدت أنها اضطرت إلى اختيار الفضة.

وتقول إيمان إن حلقا صغيرا عيار 18 قيراط وزنه أقل من غرام سعره أكثر من 3 آلاف جنيه (97 دولارا)، “طبعا لا أستطيع شراء هديه بهذا المبلغ ولذلك اشتريت سلسلة فضة بحوالي 1900 جنيه (61.5 دولار)”. وتضيف “ليست كالذهب ولكن لديها قيمة”.

وبحسب المتعاملين، يبلغ سعر غرام الفضة نقي عيار 99.9 في أسواق الصاغة المصرية أكثر بقليل من 23 جنيها (0.74 دولار).

وأوضح وصفي أمين مستشار شعبة الذهب والتعدين باتحاد الصناعات المصرية أن ثمة إقبالا متزايدا على سبائك الفضة والمشغولات الفضية، رغم اعتبار البعض أنها “من الدرجة الثانية”.

إيهاب واصف: أسعار الذهب غير عادلة وشراؤه هذه الفترة غير منطقي
إيهاب واصف: أسعار الذهب غير عادلة وشراؤه هذه الفترة غير منطقي

وقال هاني واصف، تاجر الفضة المعروف في منطقة خان أبوتكية بالقاهرة القديمة، إن “زبائنه عادة من أصحاب الدخل المحدود الذين يريدون الحفاظ على قيمة أموالهم ولا يستطيعون شراء الذهب”.

وذكر أبانوب، وهو بائع في أحد محلات الفضة بالقاهرة، والذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، أن بعض المتزوجين الجدد يشترون شبكة الزواج من الفضة، بدلا من الذهب المعتاد، مضيفا أن “الفضة أصبحت هي الذهب”.

وزاد سعر غرام الفضة لأكثر من المثلين خلال عام واحد ليصل إلى 47 جنيها (1.5 دولار بالسعر الرسمي)، بحسب تجار تحدثوا إلى رويترز.

واشترى رامي زهران، وهو طالب في المرحلة الثانوية يبلغ من العمر 18 عاما، سبائك الفضة بسعر 31 جنيها للغرام منذ أكثر من ستة أشهر بناء على نصيحة عمه الذي يعمل في تجارة الفضة. وأضاف “مدخراتي لا يمكنها شراء 10 غرامات من الذهب”.

ودخلت القاهرة في سباق لإنقاذ صناعة المشغولات الذهبية ومواجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار عبر الاستعانة بالمغتربين والسماح لهم بإدخال كميات أكبر من المعدن النفيس دون دفع رسوم جمركية ولفترة محدودة، لزيادة المعروض في السوق.

وأعفت في مايو الماضي واردات الذهب التي ترد بصحبة القادمين من الخارج من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، لكنها أبقت على ضريبة القيمة المضافة البالغة 14 في المئة.

واعتمدت الحكومة هذا المسار بعدما شهدت أسعار الذهب في السوق المحلية قفزات تاريخية، نتيجة الطلب المرتفع من جانب أصحاب المدخرات على خلفية تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع التضخم.

10