الفصام التربوي يفقد الطفل توازنه

اختلاف أساليب الوالدين في تربية الأبناء يعمق المشكلات الأسرية.
الجمعة 2020/06/12
التوازن ضروري

يعيش أطفال كثر على وقع الاختلاف والازدواجية في أساليب التربية التي تبنى على التعارض بين الآباء والأبناء، كما أن الكثير منهم لا يرون أي حرج في التعبير عن هذه الاختلافات أمام الأبناء مما يعمق الأزمات الأسرية ويؤثر على حياة أفراد الأسرة في جميع مراحل حياتها ويصيب الأبناء بالكثير من المشكلات النفسية التي يصعب تداركها في المستقبل.

 لندن - تبحث جميع الأسر عن أساليب تربية متوازنة لتنشئة أطفال يتمتعون بالتوازن النفسي، إلا أن أسرا كثيرة تفتقد إلى أساليب متوازنة حيث تعم الاختلافات في تربية الأبناء وتوجيههم، مما يخلق مشكلات لا رد لها سواء في ما بين الزوجين أو في ما بين الأبناء وأحد الآباء وتؤثر سلبا على نفسيتهم.

وقالت هالة بن ناصر أم لطفلتين إن زوجها يعتمد على القسوة في تربية بناتهما، في حين تحرص هي على التعامل معهما باللين والتدليل، كما أنها لا تتوانى عن التعبير عن رفضها لأسلوبه في التربية أمامهما، وفي الكثير من الأحيان تنشب بينهما خلافات ومشادات كلامية أمام الطفلتين.

وأوضحت أنها تدرك أن هذا التعارض في التربية يؤثر سلبا على طفلتيها، إلا أنها لم تجد الطريقة المناسبة لتجاوز هذه الاختلافات في توجيههما أمام إصرار زوجها على عدم تغيير أسلوبه في التربية والتخلي عن أسلوبه العنيف.

وتنبع ازدواجية التربية أو ما يتفق على تسميته بالفصام التربوي من حالة تخبط الآباء والأمهات في تربية الأبناء، ويعتبر من أخطر ما يواجه الطفل في بداية حياته نظرا إلى التناقض في معاملته وفي تعليمه المبادئ والسلوكيات، فيسعى أحد الأبوين إلى عقابه على سلوك معين في حين قد يجازيه الطرف الآخر على نفس السلوك، وقد تنمي هذه الازدواجية مشاعر العدائية تجاه أحدهما.

وأكد الخبراء أن ازدواجية التربية تعد من أهم الأسباب التي تعرقل عملية التنشئة داخل الأسر، وبينوا أن تربية الأبناء ليست سلوكيات عشوائية تخضع لمزاج طرفي العلاقة.

تضارب الآراء بين الأبوين يضعف شخصية أحدهما أمام الأبناء ويؤثر على نفسياتهم ويرافقهم طوال حياتهم

ويعتبر الفصام التربوي حالة من التخبط والتشتت في تربية الأطفال والتي تواجهها كل الأسر تقريبا، حيث يكون هناك تناقض وتعارض بين الأبوين في ما يخص القرارات التي يتخذانها ويقف الابن حائرا بين الاثنين. وقالوا إن الفصام التربوي يجعل الطفل غير قادر على تحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض وما هو صحيح وما هو خاطئ ويجعل الطفل يتبنى سلوكيات سلبية.

ومن بين الأسباب التي تجعل الأب والأم يختلفان حول تربية الأبناء خوف الأم أو خوف الأب من أن يؤدي الدلال المفرط للأم في التأثير على سلوكيات الابن، بالإضافة إلى الاختلاف الواسع في الثقافة والمستوى التعليمي بينهما مما يعكس اختلافهما في الأفكار حول الكثير من القضايا الخاصة بتربية الأبناء، بالإضافة إلى اختلاف البيئة التي ينتمي إليها الأب والأم.. كأن تكون بيئة أحدهما محافظة جدا والأخرى أكثر انفتاحا.. أو أن يكون أحدهما من مدينة تختلف عن الأخرى. وعدم الاتفاق المسبق بين الأب والأم على طريقة معينة لتربية الأبناء، وافتقارهما لوجود حوار مشترك حول التربية.

وشدد أخصائيو العلاقات الزوجية والأسرية على ضرورة الاتفاق المبدئي بين الأبوين على عدم قيام أي طرف منهما بتوجيه رسالة تربوية مخالفة للرسالة التي وجهها أحدهما إلى الأبناء خاصة أمامهم، وإن كانت ثمة ملاحظات أو اعتراضات على تلك الرسالة فيؤخر أمرها إلى حين المشاورة والمحاورة بعيدا عن أعين الأبناء.

وأوضحوا أن هذه السلوكيات تجعل الطفل ينفر من أحد والديه ويميل لطرف على حساب الطرف الآخر وذلك وفق مصلحته، وقد يجد هذا الطفل صعوبة في التمييز بين الصّواب والخطأ، كما أنّه قد يعاني ضعفا في الولاء لأحدهما أو كليهما.

التربية السليمة الناجحة تبنى على اتفاق الوالدين على أسلوب تربية الأبناء
التربية السليمة الناجحة تبنى على اتفاق الوالدين على أسلوب تربية الأبناء 

ونبهوا إلى أن تضارب الآراء بين الأبوين يضعف شخصية أحدهما أمام الأبناء ويؤثر على نفسيتهم ويرافقهم طوال حياتهم.

وترتبط التنشئة السليمة للأبناء ارتباطا وثيقا بالتوافق بين الزوجين واتباع أسلوب تربية يعتمد على التفاهم والاتفاق، منبهين إلى أن الازدواجية في التربية تؤدي إلى اضطرابات سلوكية لدى الأبناء، مبيّنين أن الرسالة التربوية التي يحرص الآباء والأمهات على تنشئة الأبناء حولها قد تتلاشى إذا قام أحدهما بتوجيه رسالة معارضة لها، وقد تؤدي إلى اختيار الطفل الأسلوب التربوي الذي يتسم بالتساهل والتسامح والتهاون مع سلوكياته.

ولفت المختصون إلى أن التربية السليمة الناجحة تبنى على اتفاق الوالدين على أسلوب تربية الأبناء لتنشئتهم تنشئة سليمة بدلا من تنازعهما أو عدم اتفاقهما، مشددين على ضرورة أن يتفق الوالدان على طريقة واحدة في التربية فلا يصح أن يأخذ الأب طريق الشدة والقسوة، وتأخذ الأم طريق التساهل والتدليل وإنما عليهما أن يتخذا المنهج الوسط الذي لا يسرف في الشدة ولا يغلو في التدليل. وأشاروا إلى أن التناقض في أسلوب التربية يؤدي إلى حدوث مشاكل عاطفية لدى الطفل.

وأضافوا أن الحوار مهمّ جدا مع الطفل لأن ذلك يخلق شخصية واثقة من نفسها ومتوازنة، حيث أن الطفل يرسم صورة إيجابية أو سلبية لوالديه من خلال حوارهما، كما أنه يجب على الأبوين الانتباه إلى أن الطفل يبدأ بالتذكر منذ الثالثة من عمره لذلك يجب الحرص على ما يراه ويسمعه خاصة من الوالدين، ومن الضروري زرع القيم السلوكية منذ سن مبكرة حتى تنشأ وتصبح جزءا من شخصيته.

ونبه المختصون إلى أن اتفاق الآباء على أساليب التربية داخل الأسرة الواحدة وتحديد السلوك السيء من السلوك الجيد، يقي الطفل من ازدواجية الشخصية ومن الصراع النفسي الذي قد يدمر شخصيته وعلاقاته الأسرية والاجتماعية.

وأشاروا إلى أن تربية الأبناء من العمليات المهمة في تكوين شخصيّاتهم وتطويرها، وكلما كان هناك اتفاق بين الوالدين في التربية، انعكس بشكل إيجابيّ على الأبناء، واتّسم الأبناء بالثّقة الكافية في أنفسهم، والقدرة على التّواصل مع الآخرين وتحمل المسؤولية.

21