الفصائل المسلحة تسيطر على غالبية حلب وسط انسحاب الجيش السوري

دمشق - سيطرت هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها على "غالبية مدينة حلب" في شمال سوريا، حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت، بعد يومين على بدء هجوم مباغت ضدّ القوات الحكومية أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
ويمثل خرق حلب تحولا دراماتيكيا في الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا وأكبر هجوم للمتمردين منذ عام 2020.
وتشكل مكاسب المتمردين في حلب ضربة كبيرة ليس فقط لنظام الرئيس السوري بشار الأسد ولكن أيضا لداعميه الروس والإيرانيين.
ووقع الهجوم على المدينة أثناء زيارة الأسد لموسكو قبل اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن اليوم السبت.
وشنّت طائرات حربية روسية غارات ليلا على أحياء المدينة للمرة الأولى منذ العام 2016، وفقا للمرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرا ويعتمد على شبكة كبيرة من المصادر في سوريا.
ويعدّ القتال الناجم عن هذا الهجوم الأعنف منذ سنوات في سوريا التي تشهد منذ العام 2011 نزاعا داميا.
وفي العام 2015، تمكّن نظام الرئيس بشار الأسد بدعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، من استعادة السيطرة على جزء كبير من البلاد، وعلى مدينة حلب بأكملها في العام 2016 بعد قصف مدمّر.
مع ذلك، بقيت مناطق واسعة خارجة عن سيطرته، إذ استمرّت هيئة تحرير الشام التي يهيمن عليها عناصر جبهة النصرة (الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة)، وحلفاؤها في السيطرة على أجزاء من محافظة إدلب (شمال غرب) وعلى مناطق في محافظة حلب المجاورة، إضافة إلى مناطق في متاخمة في محافظتي حماة واللاذقية. كما تسيطر القوات الكردية على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت إنّ هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا "سيطرت على غالبية المدينة (حلب) ومراكز حكومية وسجون".
ومن جهته، قال الجيش السوري اليوم السبت في بيان إن العشرات من جنوده قتلوا في هجوم للمعارضة بشمال غرب البلاد وإن قوات للمعارضة تمكنت من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب، ما اضطر الجيش إلى إعادة الانتشار.
ويشكل البيان أول اعتراف علني من الجيش بدخول قوات معارضة بقيادة (هيئة تحرير الشام) مدينة حلب، التي تسيطر عليها الحكومة، في هجوم مباغت بدأ الأسبوع الماضي.
وقال الجيش في البيان "إن الأعداد الكبيرة للإرهابيين وتعدد جبهات الاشتباك دفعت بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد".
ويمثل الهجوم الذي قادته هيئة تحرير الشام أكبر تحد منذ سنوات للرئيس بشار الأسد، إذ يجدد المواجهات في الحرب الأهلية السورية التي توقفت إلى حد كبير منذ عام 2020.
وذكر بيان الجيش السوري أن قوات المعارضة لم تتمكن من "تثبيت نقاط تمركز... بفعل استمرار توجيه قواتنا المسلحة لضربات مركزة وقوية".
إلى ذلك، أفادت صحيفة "الوطن" السورية بأن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" سيطرت على مطار حلب الدولي وعدة أحياء في المدينة، بعد انسحاب الجيش السوري من المدينة إثر دخول المجاميع المسلحة إليها.
وقالت الصحيفة، إن قوات "قسد" تسيطر على أحياء الهلك الفوقاني وحي بستان باشا والأشرفية والسريان الجديدة والحي الصناعي في مدينة حلب وبعض مناطق الريف الشمالي وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء.
وأضافت أن "قسد" وسعت سيطرتها شرق مدينة حلب وسيطرت على مطار حلب الدولي وبلدات دير حافر وتل عرن وتل حاصل.
ومنذ بدء الهجوم الأربعاء، أسفرت العمليات العسكرية عن مقتل 311 شخصا، 183 منهم في هيئة تحرير الشام ومئة من عناصر الجيش السوري والمجموعات الموالية للنظام، إضافة إلى 28 مدنيا، وفقا لحصيلة جديدة صادرة عن المرصد السوري.
وأفادت وسائل إعلام حكومية عن مقتل أربعة مدنيين لدى تعرّض المدينة الجامعية في مدينة حلب للقصف الجمعة.
وأفادت إذاعة "شام اف ام" المقرّبة من الحكومة عن "تجنّب معظم المدنيين الخروج من منازلهم وإغلاق شبه تام للمرافق العامة والخاصة في المدينة".
وأفاد مدير المرصد رامي عبدالرحمن بأنّ هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا سيطروا على أجزاء كبيرة من ثاني أكبر مدينة في سوريا، "من دون مقاومة كبيرة".
وقال إنّ "محافظ حلب وقيادات الشرطة والأفرع الأمنية انسحبوا من وسط المدينة".
واضاف أنّ الغارات الروسية "استهدفت حي الفرقان قرب حلب الجديدة من الجهة الغربية، تزامنا مع وصول تعزيزات عسكرية كبيرة" للفصائل المعارِضة.
وأتاح الهجوم سيطرة مقاتلي الفصائل على حوالى 50 مدينة وقرية في الشمال، بما في ذلك مدينة سراقب الرئيسية في محافظة إدلب جنوب حلب، عند تقاطع طريقين سريعين يربطان دمشق بحلب واللاذقية، وفقا لما ذكره المرصد.
وقال مصدران من المعارضة السورية لرويترز اليوم السبت إن قوات المعارضة أعلنت سيطرتها على مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، مما يعني أن محافظة إدلب بأكملها باتت الآن تحت سيطرة المعارضة.
ورأت دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية أنّ "خطوط النظام انهارت بوتيرة مذهلة فاجأت الجميع".
وفي إدلب، اعتبر رئيس "حكومة الإنقاذ" التي تدير مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام محمد البشير الخميس أن سبب العملية العسكرية هو حشد النظام "في الفترة السابقة على خطوط التماس وقصفه مناطق آمنة، ما أدى إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين".
ويسري في إدلب منذ السادس من مارس 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، وأعقب هجوما واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.
والجمعة، دعت تركيا التي يسيطر جيشها على مناطق عدّة في شمال سوريا، إلى "وقف الهجمات" على مدينة إدلب ومحيطها.
من جانبه، أعلن الجيش الروسي أنّ سلاح الجو التابع له شنّ عمليات قصف الجمعة على مجموعات "متطرّفة" في سوريا، دعما لقوات النظام، وفقا لوكالات أنباء روسية.
وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي "على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمنها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب".
وبدأ الهجوم الأربعاء خلال مرحلة حرجة يمر بها الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش في لبنان بين إسرائيل وحزب الله الذي يقاتل منذ سنوات إلى جانب قوات النظام بسوريا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي السبت تنفيذ ضربة على "مواقع لبنى تحتية عسكرية" قريبة من الحدود بين سوريا ولبنان "يستخدمها حزب الله لتهريب أسلحة".
وفي الأثناء، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن ثلاثة أشخاص بينهم طفل، أصيبوا بجروح جراء غارة إسرائيلية طالت سيارة في جنوب البلاد السبت.
وتشهد سوريا منذ العام 2011 حربا مدمّرة أعقبت احتجاجات شعبية ضد النظام، وأودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص كما دفعت الملايين إلى النزوح، وأتت على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.