الفصائل الفلسطينية تغطي عجزها عن إنهاء الانقسام بالشعارات

الفصائل الفلسطينية المجتمعة وجدت في اللجوء إلى لغة المزايدات وسيلة لتجاوز ورقة المصالحة وإخلاء كل طرف مسؤوليته عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه قضيته.
الاثنين 2023/07/31
هل فشل الاجتماع في لم شمل الحركات الفلسطينية؟

العلمين (مصر)- هربت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وغالبية الفصائل التي حضرت اجتماع الأمناء العامين في مدينة العلمين المصرية الأحد من مواجهة تحديات المصالحة إلى تبنّي شعارات حماسية حول تشكيل جبهة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وترحيل ملف إنهاء الانقسام المستمر منذ أكثر من خمسة عشر عاما.

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ختام اجتماع الأمناء العامين للفصائل إلى تشكيل لجنة لاستكمال الحوار الوطني بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.

وخاطب قادة الفصائل مشاعر الفلسطينيين عبر الحديث عن خطط طموحة للتوافق بينهم وتجنب بحث المصالحة بعمق، والتي أخفقت جهود مصرية وعربية في الوصول إليها، على الرغم من جمع الفصائل مرات عدة والاتفاق على طرق معالجتها سياسيا.

وبدا اجتماع الفصائل في العلمين، بشمال غرب مصر، نوعا من الكرنفالات التي تقيمها المدينة المصرية للترويج السياحي أكثر من كونه مناسبة لجمع شمل الحركات الفلسطينية، وكأن كل طرف يحاول إبراء ذمته أمام الشعب الفلسطيني وإخلاء مسؤوليته عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه قضيته.

◙ يمكن للفصائل الفلسطينية أن تؤجج الأوضاع في الأراضي المحتلة عندما تلجأ إلى صواريخها البدائية، لكن تأثيرها لن يتجاوز حدود المناكفات مع إسرائيل

ووجد هؤلاء في اللجوء إلى لغة المزايدات وسيلة لتجاوز ورقة المصالحة الوطنية، حيث أدى الانقسام إلى تفاقم التدهور في الأراضي الفلسطينية، ومنح إسرائيل ذرائع لعدم العودة إلى المفاوضات، ووفر لقوى دولية مبررات لعدم بذل جهود حقيقية لتحقيق السلام.

وقال محمود عباس إن “العدوان الإسرائيلي” يفرض على الفلسطينيين جميعا ترتيب بيتهم الداخلي، وشدد على وجوب الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها الدولية، معلنا عن أسس ومبادئ لإنهاء الانقسام المستمر منذ 2007، أي منذ سيطرة حماس على قطاع غزة.

وتحاشت الحركات الفلسطينية الخوض في تفاصيل المصالحة وضرورة إنهاء الانقسام، لأنها تدرك صعوبة التباحث حول هذه النقطة في ظل مسافات متباعدة بينها وتنازلات كبيرة تحتاجها، وحرص كل منها على عدم التفريط في ما تملكه من مزايا نسبية.

وكان عباس دعا في العاشر من يوليو الجاري الأمناء العامين إلى اجتماع طارئ عقب عملية عسكرية إسرائيلية استمرت نحو يومين في مدينة جنين بالضفة الغربية.

واستجابت للدعوة الفصائل الفلسطينية، وتغيبت حركة الجهاد الإسلامي، وطلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة)، والجبهة الشعبية/القيادة العامة، بسبب الاعتراض على قيام السلطة الفلسطينية بـ”اعتقالات سياسية في الضفة الغربية”.

واشترط الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة الإفراج عن عناصر الحركة الذين قال إنهم معتقلون لدى السلطة للمشاركة في اجتماع الأمناء العامين، لكن السلطة تنفي وجود معتقلين سياسيين أصلا لديها وتقول إنهم محتجزون على خلفيات جنائية.

وأعلنت الفصائل الثلاثة في مؤتمر صحفي بغزة أنها ستحترم نتائج اجتماع العلمين “ما لم تُمسّ رؤيتها الوطنية”، ودعت المجتمعين إلى “وضع إستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال، وتشكيل قيادة موحدة لإدارة المقاومة في الضفة الغربية”.

أحمد فؤاد أنور: مضمون الاجتماع السياسي مهم بعد أن ابتعدت القضية الفلسطينية عن الواجهة الإقليمية
أحمد فؤاد أنور: مضمون الاجتماع السياسي مهم بعد أن ابتعدت القضية الفلسطينية عن الواجهة الإقليمية

وقدم غياب حركة الجهاد وشروطها تفسيرا جاهزا لمن يريدون التهرب من استحقاق المصالحة، وحمل هذا الغياب سردية سياسية حول تعقيدات إنهاء الانقسام، والهروب إلى الأمام من خلال عدم التفريط في خطاب الشعارات للتعامل مع واقع مرير.

وطالب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بتبنّي خطة وطنية لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية الحالية.

وترتكز خطة حماس على خمسة منطلقات هي: انتهاء مرحلة أوسلو، والتناقض الرئيسي هو مع العدو (ليس مع الفصائل)، والمرحلة الراهنة هي مرحلة تحرير وطني، والشراكة السياسية على أساس الخيار الديمقراطي الانتخابي هي المنطلق لبناء الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني، وأخيرا قضية فلسطين ومحورها القدس “قضية وطنية عربية إسلامية إنسانية”.

وأوضح هنية أن ترجمة هذه المنطلقات تتطلب تبني “خيار المقاومة الشاملة وتعزيز صمود الشعب ونضاله، وإزالة العقبات التي تتناقض مع حق الشعب في المقاومة”.

وفي الوقت الذي دعا فيه قائد حماس إلى إنهاء كل أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل، ووقف الملاحقة والاعتقال على خلفية المقاومة أو الانتماء الفصائلي أو العمل السياسي، أعادت السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية مؤخرا.

وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية أن هدف الاجتماع الرئيسي بحث التطورات الفلسطينية وسبل استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية.

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية أحمد فؤاد أنور إن اجتماع الفصائل ينطوي على وعي مشترك بخطورة مشاريع نقل السكان الإسرائيليين، ورغبة الحكومة اليمينية في تدمير الحاضنة الشعبية للمقاومة.

◙ الحركات الفلسطينية تدرك صعوبة التباحث حول المصالحة في ظل مسافات متباعدة بينها وتنازلات كبيرة تحتاجها

وأكد لـ”العرب” أن مضمونه السياسي مهم بعد أن ابتعدت القضية الفلسطينية عن الواجهة الإقليمية، ويدعم حضور عدد كبير من قيادات الفصائل التصورات العربية بأن حل هذه القضية لا يزال هو المفتاح الرئيسي لتخطي الكثير من الصراعات في المنطقة، وأن انتهاكات إسرائيل المستمرة بحق الفلسطينيين قد تشعل المنطقة.

وذكر فؤاد أنور أن القاهرة حريصة على وقف نزيف الدم الفلسطيني وإيجاد صيغة عاجلة لبرنامج تتوافق عليه الفصائل يؤدي إلى مفاوض قويّ حال استئناف محادثات التسوية السياسية، وانتزاع الملف من بعض الوسطاء والسماسرة وأصحاب الأجندات الإقليمية، والمغامرات العسكرية التي توحد الشارع الإسرائيلي.

وتظهر القاهرة حرصا دائما على استمرار مقاربتها حيال القضية الفلسطينية، وتريد من وراء هذا الاجتماع وما يحمله من رسائل سياسية تأكيد أنها طرف مهم في المعادلة الإقليمية الرامية إلى إحداث تغيير جوهري في المنطقة عبر انخراط إسرائيل في علاقات طبيعية مع دول عربية عدة دون تقيد بضوابط فلسطينية تاريخية.

ويمكن للفصائل الفلسطينية أن تؤجج الأوضاع في الأراضي المحتلة عندما تلجأ إلى صواريخها البدائية، لكن تأثيرها لن يتجاوز حدود المناكفات مع إسرائيل، في ظل تباين كبير في حسابات كل منها ووجود تقاطعات إقليمية مختلفة لها لعبت دورا مهما في إفشال محاولات سابقة للمصالحة السياسية.

 

• اقرأ أيضا:

            الاشتباكات في مخيم عين الحلوة تكرس الانقسام الفلسطيني

1