الفشل الحكومي يرهن الأمن الغذائي في الجزائر

الجزائر - يتواجد الأمن الغذائي الاستراتيجي بالجزائر في وضعية حرجة جدا، بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في وضع سياسة زراعية تحقق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية، أو التقليص من حدة التبعية للأسواق الدولية، خاصة في ظل تراجع المقدرات المالية للبلاد خلال السنوات الأخيرة لأسباب عدة.
وكشف وزير الزراعة الجزائري عبدالحفيظ هني، عن إحصائيات صادمة تعكس فشل الحكومة في إدارة القطاع الزراعي بالبلاد، رغم أن المسألة تدخل في صلب البرنامج الحكومي، وكان ضمن التعهدات التي قطعها الرئيس عبدالمجيد تبون، خلال حملته الانتخابية التي قادته رئيسا للبلاد إلى نهاية العام 2029.
ويبدو أن الأرقام التي كشف عنها الوزير أمام نواب البرلمان في جلسة مساءلة، جاءت مخيبة لأنصار خطاب التغيير الذي تروج له السلطة الجديدة في الجزائر، لاسيما وأن الحصيلة المعلن عنها تقلصت مقارنة مع نظيرتها في السنوات الماضية، الأمر الذي يضع رهان الأمن الغذائي في وضعية حرجة، ويبقيها في تبعية دائمة للأسواق الدولية.
وزير الزراعة كشف عن إحصائيات صادمة تعكس فشل الحكومة في إدارة القطاع الزراعي رغم أنه في صلب البرنامج الحكومي
ورغم دخول الظروف المناخية على خط الأزمة بسبب موجة الجفاف والحرائق التي تعيشها البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يحجب مسؤولية الحكومة عن تأمين غذاء الجزائريين الذي يزداد تبعية للخارج، ويجعلها في صدارة الدول المستوردة للقمح، وتفوق حتى إحصائيات مصر التي يفوق تعداد سكانها حاجز الـ100 مليون نسمة.
وتعتبر الجزائر أكبر الدول العربية والأفريقية مساحة، حيث تفوق المليونين و300 ألف كلم مربع، غير أن غياب استراتيجية واضحة للقطاع الزراعي، وفشل برامج الحكومات المتعاقبة، رهن غذاء الجزائريين، فباستثناء تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضار والفواكه، فإن باقي المنتوجات الأخرى تبقى مربوطة بالاستيراد، خاصة في مادتي الحبوب والحليب، وهو ما يكلف الخزينة العمومية أموالا باهظة وتحولت تحت ضغط تقليص فاتورة الاستيراد إلى تذبذب وندرة في بعض المواد كالزيت والحليب.
وعرف إنتاج الحبوب في الموسم الأخير، نكسة غير مسبوقة، تحيل البلاد إلى خانة الدول غير المطمئنة على مخزونها الغذائي، وتفاقم تبعيتها للأسواق الدولية، رغم المقومات الطبيعية التي تؤهلها لأن تكون سلة غذاء جهوي وحتى عالمي، لولا تخبط السياسات والبرامج المنتهجة في هذا المجال.
وذكر وزير الزراعة في ردّه على أسئلة نواب البرلمان أن “الكميات المجمّعة من الحبوب على مستوى الديوان الوطني المهني للحبوب بلغت 13 مليون قنطار من القمح اللين والصلب ليسجل عجزا في هذا الخصوص وفق إحصائيات موسم 2020 و2021”.
وفي أول انعكاسات الموسم الزراعي الشحيح على الأنشطة المتصلة به، يكون مربو المواشي هم المتضررون الأوائل، فقلة الإنتاج أدت إلى بروز المضاربة والاحتكار في أغذية الحيوانات، لاسيما وأن ديوان الحبوب لا يحصي إلا 135 ألف قنطار من الشعير، بينما تقدر حاجيات البلاد بـ8 ملايين قنطار.
الجزائر تعتمد في تأمين حاجياتها من الحبوب والمواد الزراعية الأخرى، على الإنتاج الفرنسي، قبل أن تتوجه في الآونة الأخيرة إلى الأسواق الروسية والأوكرانية
ووصف مختصون، الحصيلة الحكومية في مجال إنتاج الحبوب، بـ”الهزيلة جدا”، وبـ”المؤشر الخطير”، وأوعز هؤلاء المسألة إلى الاختلال في السياسات الحكومية المتبعة، وعدم قراءة الأولويات بشكل جيد، لأنه تم التركيز على تجربة الذرة وقصب السكر، بدل التركيز على الحبوب قياسا بأهميتها في توفير الأمن الغذائي للبلاد.
وتفيد الإحصائيات المعلن عنها بأن إنتاج الحبوب لم يتجاوز 3.5 مليون طن، مسجلا تراجعا عن حصيلة الموسم الذي سبقه بحوالي 40 في المئة، بينما تقدر حاجيات البلاد بـ13 مليون طن، وهو ما يجعل البلاد في صدارة الدول المستوردة للقمح الصلد واللين.
وعلق عليه البعض بالقول “نتائج هزيلة جدا ومؤشر قوي على ضعف إنتاج الحبوب التي أنهكت الخزينة العمومية نظرا للأموال المرصودة لأجل الاستيراد، خاصة وأن الأمر ينسحب إلى منتوجات أخرى على غرار الحليب والزيوت، ما يجعل الأمن الغذائي في وضع هش للغاية”.
وعادت مسألة تسيير الحكومة للمخزونات الاستراتيجية بقوة في الآونة الأخيرة، بسبب ظهور أزمات وندرة في مواد أساسية، فاستنفاد مخزون مياه السدود خلال الصائفة الماضية أدى إلى ظهور أزمة عطش حقيقية في البلاد، اضطرت الحكومة إلى الاستعانة بالمياه الجوفية والتموين بالطرق التقليدية، كما أدى سوء التخطيط والرقابة والتنظيم إلى ظهور ندرة في مواد الزيت والحليب والبطاطا، وحتى الخبز لم يسلم من فوضى الأسعار نتيجة الخلاف بين المهنيين والحكومة.
وتعتمد الجزائر في تأمين حاجياتها من الحبوب والمواد الزراعية الأخرى، على الإنتاج الفرنسي، قبل أن تتوجه في الآونة الأخيرة إلى الأسواق الروسية والأوكرانية ودول الأراضي المنخفضة، نكاية في السلطات الفرنسية بسبب الأزمة الدبلوماسية التي تفجرت بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة.