الفساد في الجزائر على طاولة محاكمة سايبم الإيطالية

توجهت الأنظار إلى الجزائر لمتابعة تفاصيل قضية سايبم المثيرة للجدل، والتي عادت إلى الواجهة بعد أن أشارت القرائن إلى حقيقة تقديم الشركة الإيطالية رشاوى لمسؤولين جزائريين كبار فترة النظام السابق للحصول على امتيازات للفوز بصفقة خارج إطار المنافسة.
ميلانو (إيطاليا) – اختزلت إدانة شركة سايبم الإيطالية للخدمات النفطية بفساد صفقاتها مع سوناطراك المملوكة للدولة حجم الفساد في الجزائر، والذي نخر مفاصل الاقتصاد، وقوض لعقود كافة مساعي الإصلاح الضرورية لإنهاء الارتهان للخام.
واعتبر محللون أن إدانة محكمة الجرائم المالية والاقتصادية الجزائرية الاثنين الماضي سايبم ومسؤولين تنفيذيين بالشركة الإيطالية وشركات صغيرة أخرى متحالفة معها بتهمة الفساد في محاكمة تتعلق بتقديم برشاوى، مجرد قمة جبل الفساد الظاهرة في البلد النفطي.
وخلصت المحكمة التي بدأت منذ العام 2019 النظر في هذه القضية إلى إدانة من الدرجة الأولى في ما يتعلق بالدعوى الجنائية المرتبطة بمناقصة عقد مشروع جي.أن.أل 3 أرزيو، وإقرار غرامات إجمالية على كافة الأطراف بقيمة 316 مليون يورو.
ويتعلق الأمر بالصفقة المبرمة بين سوناطراك وسايبم قبل 14 عاما لإنجاز مصنع ضخم للغاز الطبيعي المسال بمنطقة أرزيو بوهران.
وتقول المحكمة إنه جرى منح الأفضلية للشركة الإيطالية بطرق غير قانونية وإقصاء شركات أخرى، من بينها بيتروفاك البريطانية التي كانت قدمت أفضل عرض.
شركة سايبم: سنستأنف ضد الحكم القاضي بتغريمنا نحو 192 مليون يورو
ويأتي إسدال الستار على أحد فصول فضائح الفساد الجزائري بعد نحو ثلاث سنوات من بدء محاكمة 19 مسؤولا جزائريا نافذا على خلفية هذه القضية التي جرت أيضا شركة فونكويرك الألمانية.
ولكن سرعان ما دفعت الشركة الإيطالية ببراءتها من تلك التهم. وقالت سايبم التي برأتها السلطة القضائية الإيطالية تماما من هذه التهمة في ديسمبر 2020 في بيان إنها “سوف تستأنف ضد حكم إدانتها”.
وفي ضوء ذلك، فمن المتوقع أن تستأنف سايبم كونتراكتنغ الجزائر وفرع سنامبروجيتي أس.بي.أي في الجزائر ضد هذا الحكم، مع ما يترتب على ذلك من تعليق لآثار القرار.
وواجهت سايبم وذراعها كونتراكتنغ الجزائر وسنامبر الجزائر اتهامات بـ”الحصول على عقد بسعر أعلى من القيمة المتوقعة، تم إبرامه مع شركة تجارية وصناعية مملوكة للدولة، عبر الاستفادة من نفوذ ممثلي تلك الشركة”، وتهم تقديم “بيانات جمركية مزيفة”.
وفرضت المحكمة غرامة وتعويضا عن الأضرار ضد هذه الشركات الثلاث يبلغ إجماليها نحو 192 مليون يورو. كما أصدرت حكما بالسجن خمس سنوات ضد مسؤولين كبار في سايبم، وهما جيلبرتو بولاتو وماسيمو ستيلا.
وفي علاقة بهذه القضية، أصدرت المحكمة حكما بسجن وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل عشرين عاما، وخمس سنوات سجنا في حق محمد مزيان الرئيس التنفيذي الأسبق لسوناطراك، وست سنوات بحق نائبه عبدالحفيظ فيغولي.
وبموجب الأحكام سيدفع خليل وسوناطراك تعويضا للدولة الجزائرية بقيمة تصل إلى حوالي 124 مليون يورو رغم أن ممثل الخزينة العامة طلب في دعواه تعويضا يصل إلى 880 مليون يورو.
واستندت المحكمة في حكمها على قرائن ثابتة واعترافات من المسؤولين الجزائريين بمنح امتيازات غير مبررة للغير وسوء استغلال الوظيفة وإبرام صفقات مخالفة للتشريع والقوانين، طبقا لقانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
ومن بين المتهمين أيضا اثنان من أبناء مزيان وثمانية من المديرين التنفيذيين السابقين. ويلاحق هؤلاء بتهم “تشكيل عصابة والاستيلاء على أموال عامة وتبييض أموال وفساد في إطار إسناد الصفقات لشركات أجنبية بما ينافي التشريعات”.
واشتبه في قيام مزيان بمنح فرع الشركة الألمانية المتخصصة في تطوير وتصنيع أنظمة الاتصالات للشركات وقطاع النقل في الجزائر صفقة تفوق قيمتها 110 ملايين يورو تتعلق بتزويد سونطراك بأنظمة مراقبة بصرية لمنشآتها، في مقابل منح ابنيه أسهما.
19 مسؤولا بينهم الرئيس السابق لسوناطراك ملاحقون على خلفية فضيحة سايبم
وثمة شبهات في أن الصفقة واكبتها عمولات بقيمة 4 ملايين يورو استخدمت في شراء هدايا منها شقة بباريس لأسرة مزيان. كما أن مزيان حابى سايبم بمنحها عقدا بقيمة 586 مليون يورو وذلك لإنجاز أنبوب غاز بين الجزائر وإيطاليا.
وكان قضاة محكمة ميلانو قد أصدروا حكما في سبتمبر 2019 على بيترو تالي الرئيس التنفيذي السابق لسايبم بالسجن لقرابة خمس سنوات ومصادرة 198 مليون يورو من أصول المجموعة، وفرض غرامة عليها قدرها 400 ألف يورو.
وتعلقت القضية حينها بمزاعم بأن سايبم دفعت نحو 198 مليون يورو إلى وسطاء للحصول على عقود قيمتها 8 مليارات يورو مع شركة سوناطراك.
ورغم أن المحكمة برأت مجموعة إيني النفطية العملاقة ورئيسها التنفيذي السابق باولو سكاروني، ورئيس أنشطة المنبع الحالي أنطونيو فيلا، لكن مع ذلك لا يستبعد البعض فرضية دفعها رشاوى لمسؤولين جزائريين للحصول على مشاريع نفطية هناك.
وبموجب القانون الإيطالي، تتحمل الشركات مسؤولية أفعال مديريها، ويمكن فرض غرامات عليها في حالة الإدانة، وهذا ما حصل بالفعل في فضيحة سايبم.
ويعود تفشي الفساد وظاهرة الرشوة في الجزائر إلى التسلط وغياب مؤسسات المجتمع المدني، التي يمكن أن تحدث نوعا من الضغط، حين ينعدم العقاب، ونوعا من التوازن حين تحمي جهات رسمية الفاسدين أو تمنحهم حصانة سياسية للإفلات من جرائمهم.
ولطالما أشار الخبراء إلى أن الرشوة في البلد، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، خلال فترة حكم عبدالعزيز بوتفليقة وصلت إلى مستويات لا تُحتمل وبدأت تنخر جسد الاقتصاد وأن الفساد المالي متغلغل في أعلى مستويات السلطة.
وكانت الشركات العالمية تتردد في العمل في الجزائر، والآن يبدو أنها ستنقلب على تلك السياسات في حال وجدت مرونة في التعامل من قبل السلطات الجديدة، التي أعلنت أواخر العام 2019 أنها ستعيد هيكلة أعمال سوناطراك وفق معايير شفافة طالب بها الحراك الشعبي.
وشكل عزوف الشركات النفطية العملاقة عن العروض المتعلقة بالاستكشاف واستغلال النفط الجزائري، والتي طرحتها السلطات منذ العام 2008، أحد المؤشرات على فشل سوناطراك في تطوير نشاطها وإيراداتها.