"الفرح" معرض تشكيلي يحتفي بزخم الحياة في النوبة

نجاة فاروق تتتبّع مراسم الزواج لتشكّل عبر الألوان المُبهجة فرحا جديدا.
الجمعة 2019/11/15
اهتمام بتفاصيل التراث

يُعدّ المكان بخصوصيته الثقافية منبعا رئيسا يستلهم منه الفنانون العديد من الأعمال الإبداعية والفنية ذات الصبغة المُتميزة بما يحمله من وهج الحياة وتلقائيتها وبساطتها المُتخفّية في ظل إيقاع سريع للمُجتمعات الراهنة، من هنا جاء استلهام الفنانة التشكيلية المصرية نجاة فاروق للبيئة النوبية بكل خصوصيّتها وجمالها الاستثنائي في معرضها الأخير بدار الأوبرا المصرية والذي حمل عنوان “الفرح”.

القاهرة – تتكئ الفنانة التشكيلية المصرية نجاة فاروق في معرضها “الفرح”، على الجمال الاستثنائي في النوبة، جنوب مصر، المكتظة بالبساطة والدفء والألفة والمحبة، والتي تعكسها المنازل البسيطة بزخارفها المميزة، وأجواء الدفء التي تبعثها بخصوصيّتها، ويأتي الفرح الذي هو عنوان المعرض ليُشكّل لوحات فنية متكاملة العناصر.

وتتعدّد مشاهد ومظاهر الفرح في لوحات المعرض البالغة 22 لوحة (أكريليك على توال)، ما بين ليلة العرس بكل ما تحمله من مظاهر البهجة والفرح سواء على وجوه الحاضرين من أقارب وأهل العروس أو على ملامح العروسين اللذين يستقبلان حياتهما الجديدة، وليلة الحنة التي تشهد زخما في منزل العروس من قبل الصديقات لمساعدتها في التزيّن، فضلا عن احتفاء العروس الخاص بلحظة زفافها بوجه مُشبع بالسعادة والمرح في عدد من اللوحات.

مفردات الفرح

نجاة فاروق: الحركات الأنثوية تعبّر في لوحاتي عن مظاهر الحياة وزخمها
نجاة فاروق: الحركات الأنثوية تعبّر في لوحاتي عن مظاهر الحياة وزخمها

تستلهم الفنانة المصرية أعمالها من الجمال النوبي الاستثنائي، وتشير إلى أنها اهتمت بتصوير المشاهد المبهجة المُتضمنة في ليالي العُرس، ومنها ليلة الحنة التي تجالس فيها العروسة صديقاتها وغير ذلك من المشاهد المرتبطة بالفرح، وعلى رأسها الفستان الأبيض الذي هو حلم أيّ فتاة منذ طفولتها، فتلك اللحظة فرحة للبيوت المصرية كافة، وما زالت حلما أساسيا لكل بيت مصري مهما تغيّرت الظروف أو اختلفت الطموحات، فزواج الفتاة المصرية هو الحلم الأكبر والأهم للأسرة المصرية، وهو ما تولي الاهتمام به في لوحاتها؛ الفرحة بمختلف تجلياتها.

الأزهار كان لها عامل رئيسي في المعرض، فهي مفردة أساسية في “العرس” والفرح عموما، حسبما تُلفت فاروق، إذ تدخل في تزيين العروس ومقعد الزفاف وفي الهدايا المُقدّمة لها، ومثلما هي تقليد مرتبط بمظاهر الفرح فهي مفردة أساسية في لوحاتها بمختلف ألوانها وأشكالها.

تتصدر المرأة لوحات معرض “الفرح” بشكل جلي، سواء كانت هي العروس نجمة العُرس، أو هي الصديقة والقريبة والأم والجارة، فمن خلال المرأة يأتي التعبير عن مختلف أشكال المحبة والتآزر والدفء والود، ويظهر بوضوح عمق العلاقات الإنسانية في الفرح.  وهنا توضّح نجاة فاروق أنها تهتم بشكل أساسي بالمرأة منذ أول المعارض التي أقامتها، وهو اهتمام يشترك فيه العديد من التشكيليين، بدءا من الرواد مثل محمود سعيد وبيكار وحتى المُعاصرين، فالحركات الأنثوية تستهوي أي فنان وتعبّر عن مظاهر الحياة وزخمها، حتى أبسطها على مستوى تعبيرات الوجه والحركات المعتادة اليومية، فهي تعبير فني عن الحياة وتفاصيلها.

تقدير الجمال

عالم من الفرح
عالم من الفرح 

تضيف الفنانة المصرية “الاهتمام بتلك التفاصيل ليس محاولة لإعادة الضوء إلى ذلك التراث المهمل بقدر ما هو اهتمام خاص بالجمال الذي عاينته وقت زيارتي للنوبة، فهناك تكوّن لديّ فائض من الإحساس بهذا الجمال بكل تفاصيله، الزهرات المتدلية على البيوت الزرقاء والبيوت ناصعة البياض، والاهتمام بنظافة المنازل وجمالها رغم بساطتها، واهتمام السيدات بالأزياء والإكسسوارات بمختلف أعمارهنّ. ما وجدته هناك هو تقدير للجمال في كل شيء وهو ما حاولت أن أنقله عبر تفاصيل اللوحات”.

وتعبيرا عن حالات البهجة والفرح تأتي الألوان مُفعمة بالحيوية والدفء وهو ما يظهر في استخدام الدرجات اللونية الساخنة مثل الأحمر والأصفر والبرتقالي، فضلا عن الألوان التي تزخر بها الطبيعة مثل الأخضر والأزرق والأبيض، وهو ما حاولت من خلاله الفنانة المصرية أن تجعل لوحاتها مفعمة بالحياة، علاوة عن مساحات التجريب التي حضرت في التعبير عن المصابيح بدائرة، فيما يظهر اهتمامها الخاص برسم نقوش الملابس والمثلثات المتقابلة والزخارف المتنوعة وإظهار نقوش لطيور وأسماك، والتي تقول عنها “النقوش موجودة بالفعل على البيوت النوبية، فمن عاداتهم أن تزيّن كل امرأة واجهة منزلها بزخارف شعبية بسيطة، وكلها تحمل معاني الخير والرزق مثل السمكة والطيور، وهذه الزخارف مكملة لوحدة الخط الذي اهتم به”.

ومثلما تعبّر اللوحات عن مراحل الاستعداد لليلة الزفاف وما بعدها، فثمة اهتمام تعبيري بحركات الوجه ونظرات الأعين لم تغفلها الفنانة في لوحاتها، فثمة أعين مُغلقة وأخرى تنبض بالفرح والحياة، وهي تعبيرات لحالات مختلفة بين الاستعداد والفرح وترقب الحياة الجديدة، فضلا عن عناية خاصة بتفاصيل زينة المرأة من الأقراط الضخمة والقلادات والأساور والأزياء المميزة بطابعها الخاص وجمالياتها المتفردة.

يُذكر أن نجاة فاروق قد أقامت العديد المعارض الخاصة كمعرض “أسرار مؤجلة” في ديسمبر 2018، و”ألعاب بني حسن” في أبريل 2019. كما شاركت في عدد من المعارض الجماعية المحلية مثل معرض “من وحي مصر”، و”روح أفريقيا”، أما أحدث المعارض الدولية التي شاركت بها فكان “معرض ملتقى الثقافات الدولي” ببلجيكا 2019.

17