الفراق بديل عن الطلاق في عدد من الأسر التونسية

يعمد عدد من الأزواج في تونس إلى إنهاء العلاقة الزوجية بالفراق لعدم جرأتهم على اتخاذ قرار الطلاق، خصوصا في ظل وجود أطفال قد يتأثرون لاحقا بإنهاء العلاقة الأسرية رسميا. ويجد الزوجان أن قرار الفراق قد يكون مناسبا لأطفالهم أحسن من تواجدهم في بيت واحد لا يسوده التفاهم والانسجام، كما يعفي هذا القرار الأزواج من دفع النفقة والزوجة من حمل لقب مطلقة.
تونس ـ يؤكد خبراء علم الاجتماع وعلم النفس أن الاستمرار في علاقة فاشلة وميؤوس من إصلاحها لا يكون دائما خيارا مناسبا، لذلك يفضل عدد من الأزواج في تونس إنهاء العلاقة الزوجية بالفراق عوض الطلاق، وذلك كحل لإنقاذ الأطفال من المشاكل المستمرة بينهما من جهة، وحرصا من الزوجة على عدم حمل لقب مطلقة بعد سنوات من العمر أفنتها في خدمة الزوج، خصوصا إذا كانت قد أنجبت بناتا أو إذا كانت عائلتها ترفض الطلاق.
تقول أمينة بوميزة (35 عاما) أم لولدين، إنها “تزوجت وعمرها 24 عاما، وبعد إنجابها لطفلها الأول تفطنت إلى خيانة زوجها لها فقررت أن تشتغل حتى تتجاوز محنتها، مشيرة إلى أن عائلتها كانت ترفض فكرة الطلاق، كلما طرحت عليهم الموضوع”.
وتضيف بوميزة لـ”العرب” أن زوجها كان لا يتردد في إهانتها وإذلالها، كلما واجهته بخيانته وتعدد علاقاته وغيابه عن البيت لليالي متعددة، ما أثر سلبا على نفسية طفلها الأول الذي أصبح يعاني من اضطراب فرط النشاط والحركة.
وتتابع “قررت أن أبتعد عن بيت الزوجية وأستقر في بيت بعيد عن مسكن زوجي بحوالي 70 كيلومترا، بعد أن رزقت بطفل آخر خشيت عليه من أن يصاب بمرض نفسي.. لقد اخترت الفراق عن الطلاق لأنني فكرت في أطفالي أولا وفي نفسي ثانيا ..أنا لا أريد حمل لقب مطلقة”.
قرار الانفصال غير الرسمي ربما يكون حلا للتقليل من التوتر بين الزوجين اللذين ليس لهما الجرأة لإنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق
وكانت بوميزة تتنقل من حين لآخر بين البيتين حتى لا تهجر زوجها نهائيا، وكان هو يأتي إليها في بعض الأحيان، لكن بعد إنجابها لابنها الثاني أصبح الوضع يختلف وأصبحت غير قادرة على التوفيق بين البيتين والعمل، ولم تعد تستطيع الذهاب إلي بيت زوجها.
أما علياء بن رجب فهي امرأة تجاوزت الأربعين عاما من عمرها، لديها ولدان هما نتاج زواج عمره نحو عشرين عاما، حينما كانت تعيش علياء مع زوجها كانت تُعاني في كل شيء، بدءا من توفير الطعام والشراب ونفقات البيت، وصولا إلى تلبية حاجات الولدين. كان الزوج شديد الحرص في الأمور المالية، رُبما كان يصل إلى حد البخل، لا يهتم ماذا يأكل الصغار أو ماذا يريدان، لا يهتم بتوفير كسوة الصيف أو الشتاء، ولا يعنيه كثيرا التفكير معها في أمور تعليمهما أو تطوير مهاراتهما.
وتقول بن رجب: “بعد خمس سنوات من الإنجاب، خفت على طفلي، لم أود أن يعيشا محرومين تحت خط الفقر لأن والدهما بخيل، طلبت أن ننفصل وأن أربيهما بمُفردي وأتكفَّل بنفقاتهما كافة لكن دون طلاق”.
وبالفعل قامت علياء بالعمل في مهنة وإثنتين بعد الانفصال، كان الصغار يذهبون إلى المدرسة وهي إلى العمل، ثم تعود بهم إلى البيت لتطهو وجبات تقوم ببيعها للأقارب والأصدقاء والمحيطين.
وتضيف، كل ما كنت أرغب فيه هو أن أوفر حياة جيدة للصغار. مرّت السنين وأصبح عمر أكبرهما الآن ثمانية عشر عاما، ولم يحاول والدهما السؤال عن نفقاتهما، قد تمر سنوات دون أن يحاول حتى أن يراهما، سافر للعيش في مُحافظة أخرى، فقد كان يرى أن العيش في العاصمة يحتاج إلى الكثير من النفقات، وأن من أراد التوفير عليه الانتقال إلى مكان آخر، وبعد الانفصال فعل بمفرده ما كان يرغب فيه بالفعل”.
الزوجان يخافان أحيانا من الدخول في مغامرات المحاكم، حيث يجهل الكثيرون القانون ويخافون من التبعات الوخيمة المالية والقانونية لعملية الطلاق
ولا يختلف حال هادية المرايحي (46 عاما) إطار بوزارة، عن حال بوميزة أو بن رجب، فزوج المرايحي كان يختلق المشاكل والخصومات إضافة إلى إدمانه للخمر، ما جعل حياتها تنقلب إلى جحيم.
وذات خصومة حادة وصلت حد تقديمها شكاية ضده إلى مركز الأمن، قررت هادية أن تترك بيت الزوجية وتعود إلى بيت أهلها صحبة ابنتها البالغة من العمر وقتها خمسة أعوام.
ومنذ ذلك الحين وهي تقيم مع والديها وابنتها، وقد غادر زوجها أيضا العاصمة ليستقر في مسقط رأسه، فتفارق الزوجان دون طلاق.
وقالت المرايحي لـ”العرب” إن ذلك أفضل بالنسبة لها ولابنتها التي جاهدت من أجل أن تدرسها في أرقى المدارس، في غياب تام لوالدها الذي لم يتحمل مسؤوليتها منذ كانت رضيعة.
ويقول خبراء علم النفس إن الفراق قد يكون أفضل في عديد الأحيان من عيش الزوجين تحت سقف واحد، لأن العلاقات الزوجية المسمومة لها آثار سلبية كبيرة على الأطفال أكثر مما لو كانا منفصلين، بسبب أن الأبناء يشاهدون عن قرب تلك العلاقة المشوّهة وسوف ينجر عن ذلك أضرار أسوأ وأشد وطأة عليهم من الانفصال، ويشبون على هذا الفهم، وقد يسلكون نفس المسار عند الكبر عندما يتزوجون.
وقال المختص في علم النفس أحمد الأبيض، إن هذا السلوك ربما يكون حلا للتقليل من التوتر بين الزوجين اللذين ليس لهما الجرأة لإنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، مشيرا إلى أن الفراق قد يكون نتيجة لتراكمات من المشاكل على مدى سنوات، فقد يكون الزوج عنيفا لا يحترم الزوجة ولا ينفق عليها، كما أنه كثير الغياب عن البيت أو قد تكون الزوجة مهملة ومقصرة من حيت العناية ببيتها وزوجها.

وأضاف الأبيض لـ”العرب” قد يكون الانسحاب فرصة لمراجعة الذات والوقوف على الأخطاء واكتشاف كل واحد من الشريكين لنصيبه من توتير الأجواء، فيقتنع مبدئيا بأن هذا الشخص يناسبه بما فيه من عيوب تجعل العلاقة ممكنة وقابلة للتواصل.
وهناك من الزوجات من تفرض على زوجها الانفصال شرط التكفل بمصاريفها ومصاريف الأطفال، وهو حال سعيدة التي لم تعد ترغب في العيش مع زوجها في بيت واحد رغم محاولة عائلته التدخل وإيجاد حل لاستمرار العلاقة بينهما.
وتقول سعيدة إن زوجها يعمل لفترة ثم ينقطع عن العمل، وليس له راتب قار، ما جعلها تعيش ظروفا صعبة رفقة طفلها الذي تأثرت نتائجه الدراسية بهذا الوضع السيئ الذي تواصل على امتدد 14 سنة، لذلك قررت الانفصال دون طلاق مقابل تخصيص منحة شهرية قدرها 300 دينارتونسي(100دولار) تصلها عن طريق البريد.
وقالت حنان التابعي إنه رغم ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع التونسي، إلا أن هناك أنواعا أخرى من الطلاق المخفي المسكوت عنها مثل الافتراق دون طلاق فعلي. أي أن يعيش الزوجان كل في منزل منفصل أو الطلاق الصامت، حيث يعيش الزوجان تحت سقف واحد ولكن دون أي تواصل عاطفي أو جنسي، مشيرة إلى أن الزواج قد يتحول إلى عملية لإدارة الأعمال اليومية وتدبير شؤون الأطفال دون أن يكون بين الزوجين أي روابط عاطفية.
وأضافت المختصة في علم الاجتماع أن ذلك راجع إلى عدة عوامل، أهمها أولا خوف الزوجين من الأثر النفسي للطلاق على الأبناء الذي قد يؤثر على صحتهم النفسية ونتائجهم الدراسية. ثانيا لقب المطلقة الذي يمثل في المجتمعات الذكورية نوعا من الوصم الذي تتجنبه المرأة وتحرص على الحفاظ على مكانتها كامرأة متزوجة وأم حاضنة، مع ما لهذين الكلمتين من معان تحيل على المسؤولية، وقد تشير في أحيان كثيرة إلى مفاهيم كـ”الشرف” و”العفة” وغيرها من المصطلحات التي تعتمد عليها المجتمعات الشرقية في تصنيف الأفراد.
ثالثا يخاف الزوجان أحيانا من الدخول في مغامرات المحاكم، حيث يجهل الكثيرون القانون ويخافون من التبعات الوخيمة المالية والقانونية لعملية الطلاق، خاصة مع قوانين النفقة الصارمة والتي يمكنها أن تقذف بالمطلق في السجون.