الفاشر تعود إلى قلب الصراع في السودان

نجاح المشروع السياسي للدعم السريع رهين السيطرة على كل دارفور.
السبت 2025/03/08
رهائن في حرب عبثية

تشكل الفاشر عاصمة شمال دارفور أهمية خاصة بالنسبة إلى قوات الدعم السريع لكونها المدينة الوحيدة الخارجة عن سيطرتها في الإقليم الواقع غرب السودان، ويرى محللون أن السيطرة على الفاشر باتت أكثر إلحاحا لضمان نجاح المشروع السياسي لـ"الدعم".

الخرطوم - عادت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى بؤرة الصراع الدائر في السودان وفي خلفيته التوقيع على الميثاق السياسي بين عدد من القوى والحركات المسلحة وقوات الدعم السريع الذي مهد لتشكيل حكومة موازية.

ومن المتوقع أن تتخذ الحكومة المنتظرة من دارفور مقرا لها، ما يجعل الأطراف المتحاربة بحاجة إلى تعزيز مكاسبها، أو على الأقل عدم خسارة مواقع جديدة كي تساهم في ترسيخ الواقع الجديد لصالحها. وتطْبق قوات الدعم السريع حصارها على المدينة منذ مايو الماضي، ورفض الجيش مقترحا بهدنة خلال شهر رمضان، وطالب بفك الحصار عن المدينة أولا.

ومن المرجح أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من العمليات العسكرية في الفاشر لتحقيق هدف رئيسي بالنسبة إلى الدعم السريع يتمثل في السيطرة الكاملة على كل ولايات إقليم دارفور، فيما سيحاول الجيش تقويض هذا الهدف الذي يمهد لنجاح إجراءات تشكيل حكومة موازية.

وتجسد مدينة الفاشر الواقع السياسي الممزق في السودان، فصمود الجيش والقوات المشتركة التي تتشكل من حركات مسلحة انحازت إليه يمنح دفعة لاستمرار التحالف ويوفر له رئة جديدة يمكن بمقتضاها أن يفك الحصار وينطلق نحو مناطق أخرى في الإقليم، فيما يشكل نجاح الدعم السريع في اختراق المدنية نهاية لهذا التحالف الذي سيجد صعوبة في إيجاد أرض صلبة لوقف خسارة ولايات دارفور الأربع.

الصادق علي حسن: قوات الدعم السريع تبحث عن دلالات رمزية تبوّئها مكانة مختلفة
الصادق علي حسن: قوات الدعم السريع تبحث عن دلالات رمزية تبوّئها مكانة مختلفة

ويتوقف المشروع السياسي لقوات الدعم السريع، الذي ظهر عقب التوقيع على الميثاق التأسيسي في نيروبي، على مدى قدرتها على إحكام السيطرة على كل إقليم دارفور، وأن وجود الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه واستقطاب قبائل مهمة سيشكل عائقا أمام تمرير هذا المشروع، وقد يتم البحث عن بديل لانطلاق الحكومة الموازية في منطقة تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو بجنوب كردفان.

وتشهد الفاشر تصعيدا على المستوى العسكري عقب بعض التطورات السياسية التي تصاحب الحرب في السودان، وشهدت من قبل عمليات مكثفة من جانب قوات الدعم السريع بعد فشل الجلوس على طاولة التفاوض بمدينة جنيف في أغسطس الماضي. وتعد وسيلة ضغط يمكن أن تستخدمها قوات الدعم السريع ضد الجيش للتأكيد على أن موازين القوى تشهد اختلالا كبيرا، في حال فقدت القوات المشتركة السيطرة على الفاشر.

وقال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إن الأوضاع في الفاشر صعبة للغاية على المستوى الإنساني وما شهدته المدينة أخيرا ضاعف من حدة المأساة التي يعانيها المواطنون نتيجة الحصار المفروض عليها وتبادل الضربات. وذكر علي حسن في تصريح لـ“العرب” أن قوات الدعم السريع توغلت في عدد من القرى التي تبعد عن المدينة حوالي 30 كيلومترا، وباتت الحرب في المدينة مفتوحة على كل الاحتمالات.

وأوضح أن أبرز أهداف قوات الدعم السريع وضع يدها على المدينة، سواء قامت بتشكيل حكومة موازية أم لا، فهي تبحث عن الدلالات الرمزية التي تبوئها مكانة سياسية مختلفة إذا سيطرت على ولايات الإقليم الخمس، وسيكون ذلك تطورا نوعيا في الحرب.

ولفت إلى أن التقديرات العامة لمستقبل الحرب تشير إلى تكثيف حدة الصراع في دارفور باستخدام أبناء الإقليم كوقود لحرب سوف تكون أشبه بالنموذج الليبي، وأن الوضع يرتبط على نحو أكبر بخطط تقسيم السودان وليس مجرد إقامة حكومة موازية يسعى القائمون عليها لحكم البلاد، وأن احتدام الصراع في دارفور يعزز التقسيم الوجداني بين السودانيين، ويمهد لتقسيم مناطقي.

ويتكون إقليم دارفور من خمس ولايات، أربع منها سقطت في يد الدعم السريع، وبقيت ولاية شمال دارفور حيث تسيطر عليها قوات الدعم السريع ما عدا عاصمتها مدينة الفاشر، والتي يبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، و800 ألف نازح في مخيمات محيطة بها.

عثمان عبدالرحمن سليمان: تشكيل الحكومة الموازية لا علاقة له بما يحدث في الميدان
عثمان عبدالرحمن سليمان: تشكيل الحكومة الموازية لا علاقة له بما يحدث في الميدان

وهناك بعد عسكري يعكس تحركات قوات الدعم السريع، حيث استطاع الجيش السوداني قبل أيام فك الحصار الواقع على مدينة الأُبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، وسط غرب السودان، وتقدم بذلك خطوة نحو الطريق الذي يؤدي إلى مدينة الفاشر، وحال تحقق ذلك فإن الجيش سيحاصر الدعم السريع من الشمال، حيث تتمركز القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش في الفاشر، ومن الشرق حال وصول القوات القادمة من كردفان.

وأكد الصادق علي حسن في حديثه لـ“العرب” أن الجيش السوداني قد يكتفي بوضع يده على شمال السودان والوسط ووصولا إلى الأبيض، ولن يكون حريصا على التقدم أكثر من ذلك، لأن المؤثرين في القتال هم المستنفرون الذين يقاتلون من أجل مناطقهم في شمال السودان والوسط، تحديدا في سنار وحتى الأبيض، ولن يذهبوا إلى القتال في مناطق ليست تابعة لهم، ويعملون على إعادة تأهيل مناطق تمت استعادتها.

وقد يصبح الصراع في دارفور بين أبنائه، وأن الانقسامات القبلية والسياسية والعسكرية ستصبح طاغية، ما يضعف الوحدة الوطنية، ويشير إلى أن الإقليم سوف يشهد صراعات إثنية من الصعب التعامل معها إذا استمرت الحرب. وكشف فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أن أكثر من 700 شخص قتلوا في مدينة الفاشر منذ مايو الماضي، مناشدا قوات الدعم السريع رفع الحصار عن المدينة.

وقال المتحدث الرسمي باسم تحالف القوى المدنية المتحدة (ضمن الموقعين على الميثاق السياسي) عثمان عبدالرحمن سليمان إن تشكيل الحكومة الموازية والتوقيع على ميثاقها السياسي لا علاقة لهما بما يحدث في الميدان، ومن الصعب ربطهما بالأوضاع العملياتية، وخطوة نيروبي يمكن التعامل معها كتعبير عن خيارات لسودانيين.

وأضاف سليمان في تصريح لـ“العرب” أن الترتيبات تمضي على قدم وساق للإعلان عن تشكيل حكومة موازية ستعلن من داخل السودان، دون أن يتحدد مكانها بعد، ولا توجد خطوات سياسية أخرى بعد الإعلان عن الميثاق السياسي الذي يتحدث في مضمونه عن أنه لا يرتبط بما يحدث من تطورات عسكرية على الأرض.

2