الفاشر اختبار لقدرة الحركات المسلحة على تغيير المعادلة في السودان

الحركات تسعى لضمان موطئ قدم في أي صيغة مستقبلية للحكم.
السبت 2024/04/13
إعادة تموقع قد تفقد الحركات الكثير

قرر عدد من الحركات المسلحة في السودان مغادرة منطقة الحياد والانخراط في الحرب لصالح الجيش، في خطوة أشبه بمقامرة، في ظل ظروف صعبة تعانيها على مستويات تنظيمية وسياسية وعسكرية.

الخرطوم - تسارعت وتيرة التطورات العسكرية في السودان مع اندلاع اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في ولايتي الخرطوم والجزيرة، تزامنًا مع تحشيد على أطراف الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وتوقعات باحتدام المعارك الأيام المقبلة استباقًا لجهود أميركية لإعادة الجيش وقوات الدعم السريع إلى المفاوضات بعد إجازة عيد الفطر.

وروجت حركات مسلحة تقاتل بجانب الجيش لقدرتها على تغيير موازين القوى العسكرية وأصدرت بيانًا تحدثت فيه عن جاهزيتها للتصدي لأي هجمات تتعرض لها الفاشر، وهي المدينة الوحيدة في إقليم دارفور الخاضعة لسيطرة الجيش، وزعمت أنها قادرة على تحرير جميع ولايات دارفور وهزْم قوات الدعم السريع في ربوع السودان.

وأشار البيان إلى أن مدينة الفاشر التي تتحصن داخلها ستكون حاسمة بشأن تغيير موازين الصراع العسكري من عدمه، وحال فشلت في تأمين المدينة فسيكون من الصعب تحقيق نجاحات سياسية تضمن تواجدها في السلطة مستقبلا.

ووقعت على البيان حركات: تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم، وفصائل منشقة عن تجمع قوى تحرير السودان والتحالف السوداني وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، وحركة تحرير السودان – المجلس القيادي.

خروج جزء من مقاتلي الحركات من مدينة الفاشر والاتجاه نحو الوسط والخرطوم يقوض قدرتها على الصمود داخل دارفور

وقرر رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر الانسحاب من القوة المشتركة عقب إعلان حركات مسلحة القتال بجانب الجيش والخروج عن حالة الحياد.

وقد تشهد الأيام المقبلة اشتباكات في صفوف حركات مسلحة إثر تلاسن حدث أخيرا بين مصطفى تمبور قائد أحد أجنحة حركة جيش تحرير السودان وبين رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر الذي رفض القتال إلى جانب الجيش، ما يجعل الحركات أمام مرحلة جديدة، وربما تدخل صراعات عسكرية بينية، بالتالي فتأثيرها على مجمل الأوضاع في السوان قد يكون محدوداً أو داعمًا للاتجاه نحو الفوضى.

وأكدت قوات الدعم السريع أن قوات حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة هدف مشروع لقواتها في كافة الجبهات، بعد إعلان انضمامهما إلى القتال مع الجيش. وبدأت الدعم السريع حشد قواتها، وتمركز الآلاف من المقاتلين في شرقي الفاشر على طريق الإنقاذ الغربي الرابط بين شمال دارفور وكردفان، وتموضعت قوة كبيرة في بلدة مليط شمال الفاشر.

وخاطبت الحركات المسلحة جيوشها التي تتمركز في الفاشر منذ اندلاع الحرب ولم تستطع تنفيذ مهامها التي قالت إنها تهدف إلى حماية المدنيين وتوصيل المساعدات، ودفعت انشقاقات حدثت مؤخرا في صفوف الكثير من الحركات المسلحة إلى رفع الروح المعنوية، خاصة مع إحكام قوات الدعم السريع حصارها للفاشر.

وقد تكون تطورات الوضع العسكري في دارفور طريق نجاة لبعض الحركات المسلحة التي تعاني من ظروف صعبة على مستويات تنظيمية وسياسية وعسكرية، في حال حولت دفة الصراع باتجاه الجيش.

YY

ويقود الفشل إلى تشظّ قد يكتب كلمة النهاية لحركات مسلحة، حاولت الترويج لقوتها على أساس مشاركتها في الحرب الأهلية بدارفور منذ حوالي عشرين عامًا ولم يتم اختبار قدرتها العسكرية الحالية بعد أن تخلت عن موقفها المحايد مؤخراً.

وحسمت حركات مسلحة وقعت على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة السودانية موقفها من الحرب وتخلت رسميا عن الحياد وقررت خوض المعارك بجوار الجيش.

وشاركت قوات من حركات العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مصطفى تمبور في المعارك التي شهدتها أم درمان القديمة وعلى الحدود مع ولاية الجزيرة التي بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها عليها.

وقاد رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي في نهاية مارس الماضي قوة ضخمة من ولاية نهر النيل شمال البلاد إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان شمال العاصمة الخرطوم معلنا المشاركة في معاركها.

وقال عضو هيئة محامي دارفور نصرالدين يوسف “إن تاريخ الحركات المسلحة ونشأتها يحدد برامجها التي تقوم على الدفاع عن حقوق أهالي دارفور والسودان بشكل عام، وحدثت تغيرات أدت إلى ابتعاد الجزء الأكبر منها عن مهامها التاريخية والبرامج التي نادت بها عند التأسيس ليتحالف بعضها مع نظام الرئيس السابق عمر البشير، ما يجعلها غير مؤهلة الآن لتحقيق أهداف حفظ الأمن والاستقرار في دارفور”.

وأوضح يوسف في تصريح لـ”العرب” أنه “يمكن استثناء حركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد النور من هذه المسألة، لكن الحركات الأخرى غير مؤهلة بحكم التحولات التي دخلت عليها لتأمين الفاشر أو غيرها من مدن دارفور، ومن الصعب عليها حسم الصراعات القبلية والعسكرية في الإقليم”.

ولفت إلى أن “تجارب حركات دارفور تؤكد أنها لم تحقق انتصارات عسكرية حاسمة حينما كانت تقاتل الجيش الذي تتحالف معه الآن، والتعويل عليها في النزاعات الحالية ضعيف، كما أن الانقسامات التي ضربت أجسامها وأفقدتها العديد من القوات والعناصر وتفتتها أمر لا يشي بأنها تستطيع التأثير في المعادلة العسكرية”.

وأوضح نصرالدين يوسف في حديثه لـ”العرب” أن “خروج جزء من جيوش الحركات المسلحة من مدينة الفاشر والاتجاه نحو الوسط والخرطوم عامل إضافي يقوض قدرتها على الصمود فترة طويلة داخل إقليم دارفور، وهي تواجه حاليا انتقادات بعد تركها مواقعها وحواضنها الاجتماعية والاتجاه نحو الخرطوم”.

ويشير خروج بيان الحركات المسلحة من بورتسودان في شرق السودان إلى أن أهدافها لا تتعلق بمدى تحقيق نجاحات عسكرية على الأرض من عدمه، بقدر رغبتها في ضمان موطئ قدم لها في هياكل الحكم مستقبلا والمشاركة في اقتسام السلطة.

ويبدو أن الدعم الخارجي الذي كانت تعول عليه الكثير من الحركات المسلحة لتعزيز قوتها العسكرية توارى أو لم تعد له أهمية كبيرة بعد أن تراجعت قدراتها العسكرية، ويبقى قتال البعض منها بجانب الجيش للاحتماء داخل مؤسسة قد توفر لها الدعم المطلوب وتوظف خبراتها السابقة في قتال قوات الدعم السريع لإقناع القيادة العسكرية بأنها تمثل إضافة لها، وهو أمر ستكشفه طبيعة سير العمليات في الفترة المقبلة.

وعقدت الحركات المسلحة اجتماعاً موسّعاً أخيرا في مدينة بورتسودان بحضور لجنة إسناد القوات المسلحة، حذّرت خلاله قوات الدعم السريع من مغبة الهجوم على مدينة الفاشر، بعد أن توافرت معلومات تؤكد أنها تعد العدة لمهاجمة المدينة.

2