الغياب القسري يغيّر علاقة الأطفال بالمدرسة

الضجر والملل لدى الأطفال بسبب العزل المنزلي المفروض في ظل انتشار فايروس كورونا يشعرهم بمدى أهمية الخروج اليومي للذهاب إلى المدرسة.
الثلاثاء 2020/04/21
أجواء خاصة

أغلقت المدارس أبوابها إلى أجل غير مسمى بسبب انتشار فايروس كورونا القاتل، ورحب الأطفال في بداية الأمر بهذه العطلة غير المرتقبة ظنا منهم أنها سوف تكون كسائر العطل مرفوقة بالنزهات واللهو والترفيه خارج المنزل، غير أنهم فوجئوا بالعزل التام عن العالم الخارجي. وبعد مرور أسابيع بدأ الكثير منهم يعبر عن أهمية المدرسة بالنسبة إليه، وينتظر اليوم الموعود الذي يعلن فيه عن نهاية الحجر للعودة إلى الرفاق والدروس.

لندن - تدفع كثرة الدروس والاختبارات والواجبات العديد من الأطفال إلى النفور من المدرسة، إلا أن أزمة كورونا والعزل المنزلي الذي تسبب في غلق المدارس كشفت توقهم إليها وإلحاحهم اليومي للذهاب إليها، فهل تغيّر هذه الأزمة علاقة الأطفال بالمدرسة وتجعلهم يشعرون بقيمتها؟

يلح الأطفال كثيرا في الآونة الأخيرة للعودة إلى المدرسة بسبب حالة الضجر والملل التي يعيشونها مما جعل الأمهات يعتبرن أن ذلك من البوادر الإيجابية التي قد تدل على إمكانية تغير علاقة الأبناء بالمدرسة التي كانوا ينفرون منها.

وقالت روضة بن محمود أم لطفلتين في عمر المدرسة إنها لاحظت أن بنتيها لا تتوانيان في التعبير عن رغبتهما في العودة إلى مقاعد الدراسة، وذلك بسبب الضجر والملل اللذين جعلاهما يشعران بمدى أهمية خروجهما اليومي للذهاب إلى المدرسة.

وأضافت أن الصغار أحسوا بقيمة المدرسة من زاوية أنها تجمعهم بأصدقائهم المقربين والذين يفرحون كثيرا عندما يلتقون بهم، ولاحظت هذا الجانب من خلال حرصهم المتواصل على الاتصال ببعضهم هاتفيا والحديث عن مصير السنة الدراسية.

أما الطفلة إيلاف بن عمر فقد أكدت أنها كرهت المنزل وأصبحت تتوق للعودة إلى المعهد، لأنها تشعر بالضجر بسبب العزل الذي فرضته عليها أزمة كورونا، وأشارت إلى أنها ترغب في العودة إلى المعهد لأنها اشتاقت إلى الدروس وإلى الأساتذة هذا بالإضافة إلى شوقها إلى رؤية أصدقائها، والخروج من المنزل.

وأضافت أنّ هناك فرقا بين الإجازة الصيفية المطولة والحجر الذي تعيشه في هذه الفترة، لأن الإجازة الصيفية مليئة بالترفيه في حين أن الحجر مختلف تماما بما أنه حرمها من الخروج ولقاء الأصدقاء والأساتذة، وجعلها تعرف قيمة الدروس التي تتلقاها.

وأكد عادل حسن مدرس في المرحلة الإعدادية “مهما تطور التعليم عن بعد فهو لا يُغني عن الفصل المدرسي، ففي المدرسة هناك عملية متكاملة وليس فقط مجرد تحصيل العلوم والمناهج، هناك البعد التربوي والنفسي والاجتماعي، وقدرة الطالب على العمل في فريق والتعامل مع أقرانه، وتفريغ طاقته في المدرسة وتنمية العلاقات الاجتماعية بين الطلاب”.

بقاء الأطفال في المنزل لا يعوض نشاطهم في المدرسة، خاصة في ظل الوباء، حيث لا توجد أماكن بديلة لها

وأفادت الباحثة المصرية في شؤون التعليم، غصون توفيق “أنّه يجب إدراك أن العملية التعليمية ليست تلقي معلومات فقط، هناك جانب تربوي وجانب اجتماعي، مهما كانت جودة التعليم عن بعد، فإنه لا يعوض وجود التلاميذ في جماعة، والعمل بشكل مشترك والتعاون في الفصل، كذلك اكتساب مهارات اجتماعية ورياضية والنمو النفسي، كل هذه الأمور يصعب أن تتم من خلال التعليم عن بعد، لذلك فلا يمكن اعتباره بديلا كاملا للمدرسة، وإن كان ضروريا، خاصة في ظل الكثافات العالية للفصول”.

وشدّد أولياء الأمور على أهمية الحضور المدرسي، وقالت إيمان علي وهي أم لطفلين في مرحلتين مختلفتين من التعليم لوكالة سبوتنيك “بالنسبة للأطفال فالمدرسة مجتمع متكامل، وبقاؤهم في المنزل لا يعوض نشاطهم في المدرسة، وخاصة في ظل الوباء، حيث لا توجد أماكن بديلة للمدرسة اجتماعيا ورياضيا، ولا حتى الزيارات المنزلية، الأطفال يصبحون أكثر عصبية وتوترا لقلة الأنشطة المتاحة، وهذا يصبح أسوأ في المنازل الصغيرة المزدحمة”.

وأكدت الكاتبة فاليريا ساباتير في تقرير نشرته مجلة “لا منتي إس مرافيوسا” الإسبانية- أن الأطفال يعتبرون الفئة الأكثر تضررا من كوفيد – 19، لأنهم يواجهون الواقع الجديد بصمت خاصة وأنهم يعانون من أقسى تبعاته، وهي حرمانهم من الفصول الدراسية.

وأشارت إلى أن انعدام التعليم يعد أكثر خطورة للأطفال الصغار، الذين لا يزالون في طور تعلم القراءة والكتابة، خلال الفترة العمرية بين أربعة وسبعة أعوام. فهذه المرحلة تشكل نقلة نوعية كبيرة للأطفال لتنمية العمليات المعرفية والحركية والتنفيذية للدعم المستمر لإنشاء مهارات الكتابة والقراءة. ويمكن مواصلة هذه المهمة في المنزل، فإذا كان الدعم من الأسرة كافيا، فلن يتأثروا. وفي حالة عدم توفر الدعم، فسيعاني الأطفال من تأخر دمج هذه المهارات.

وأوضح أخصائيو علم النفس أن عدم الذهاب إلى المدرسة بالنسبة للعديد من الطلاب يعتبر بمثابة عطلة، وهناك جانب يحنّ إليه معظم الطلبة، وهو التنشئة الاجتماعية، إضافة إلى روتين الفصل الدراسي والأصدقاء، ومشاعر أخرى يمكن أن تعزز التطور الاجتماعي والعاطفي لديهم، مبينين أن المدرسة في جميع أنحاء العالم تعد جزءا من إيقاع الحياة للآباء والمعلمين والتلاميذ. وأشاروا إلى أن التأثير الاجتماعي لانفصال التلاميذ عن أقرانهم يختلف أيضا باختلاف الفئات العمرية، فجميع الأطفال تقريبا، بمن فيهم بعض الذين يجدون صعوبة في المدرسة، يستفيدون من التجارب الاجتماعية التي تقدمها، مبينين أنه بالنسبة للمراهقين، الذين يفرض عليهم نموهم العاطفي أن يصبحوا أكثر انفصالا عن آبائهم، فإن الإجبار على العودة إلى الأسرة والابتعاد عن المعهد يحمل ضغوطا معينة.

وقالوا إن أزمة كورونا سوف تغيّر مفهوم الإجازة لدى الأطفال وربما تؤثر هذه الجائحة على علاقتهم بالمدرسة وسيظل هذا التأثير يرافقهم طوال حياتهم التعليمية، وتجعلهم يعيشون تحت وطأة الخوف من الإغلاق والعزل الذي يرتبط بعدم ذهابهم إلى المدرسة وما ترتبط به في مخيلتهم خاصة في الجوانب الإيجابية.

انقطاع التواصل المباشر مع الأصدقاء
انقطاع التواصل المباشر مع الأصدقاء

وقد تختلف الأسباب وراء رغبة الأطفال في العودة إلى المدرسة، وقد تلعب الصداقات التي يكوّنها الطفل في المدرسة دورا مهما وأساسيا في تحريك حماسته وتحفيزه للذهاب إلى المدرسة والاجتهاد في تعليمه. ويعتبر المعلّمون والمعلّمات مصدر وحي وإلهام كبيرين للطفل الذي يمكن أن يجلّهم ويعتبرهم كأهله ويحبّ الوجود في المدرسة بحضورهم.

ونبهت ساباتير إلى أنّ الأطفال والمراهقين سيتذكرون هذه الأيام لفترة طويلة، وكل منهم سيعالجها بطريقته الخاصة بحسب التجارب التي عاشها. وسيتذكر البعض ولأعوام مشاعر الألم التي انتقلت إليهم من تعبير وجوه ومحادثات والديهما، في المقابل، ربما يحتفظ الكثير بذكرى جيدة.

وقالت إن الآثار المترتبة على عدم ذهاب الأطفال إلى المدرسة أثناء الأزمة الحالية، تتجاوز مجرد الملل أو فقدان التواصل الاجتماعي، إذ قد يعاني أي طفل من آثار سلبية وخيمة على قدراته الإدراكية والمعرفية وعلى مشاعره.

وأوضح علماء النفس أنه قد تكون لهفة الأطفال للعودة إلى مقاعد الدراسة ليست الغاية منها التعلم وتلقي الدروس، بل الالتقاء بالأصدقاء، حيث تساعد صداقة الطفل المدرسية على نموه الجسدي والنفسي والحركي والاجتماعي، وتجعل شخصيته سوية ومتوازنة، كما أنها تعلمه الكثير من القيم والمبادئ التي تنفعه في حياته المستقبلية.

كما أضافوا أن صداقة المدرسة تعلم الطفل التسامح والعمل الاجتماعي، وكتم الأسرار والتصالح والتواضع، ترشده لطريقة الاندماج وعدم الانطواء أو العزلة، وتمده بالثقة في النفس، ومعها يحس بروح المنافسة الشريفة الإيجابية وفن التواصل الاجتماعي. ونبهوا إلى أن العزلة تجعل الطفل شخصية ضعيفة هشة.

وكشفت إحصائيات حديثة أن أكثر من 800 مليون تلميذ حول العالم انقطعوا عن الدراسة، في وقت تحاول معظم الدول حل المشكلة بتقديم الدروس عبر الإنترنت. لكن، الفجوة الرقمية تفرض نفسها، إذ لا تملك جميع العائلات الوسائل اللازمة لذلك، إضافة إلى عدم جاهزية الكثير من المدارس للتعليم عن بعد.

21