الغنوشي يستعين بالغرياني لضرب خصومه وإيصال رسالة لمعارضيه في النهضة بأنه باق ومستمر

مناورة من الغنوشي لإضعاف الدستوري الحر وسحب ملف المصالحة من الرئيس قيس سعيد.
الاثنين 2020/11/30
التشبث بالمنصب

تونس - قال رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي إنه عيّن محمد الغرياني الأمين العام السابق لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي بهدف الانفتاح والتنويع، في محاولة للدفاع أولا عن موقفه في الاستعانة برموز من النظام السابق، لكنه أيضا ليرسل رسالة إلى خصومه داخل حركة النهضة بأنه باق في رئاسة البرلمان ويشكل ديوانه مما يعني ضمنيا بقاءه زعيما لحركة النهضة.

جاء ذلك في كلمة ألقاها الغنوشي أمام البرلمان، ردّا على انتقادات توجه بها نواب إليه على خلفية تعيينه مؤخرا محمد الغرياني مستشارا لرئيس البرلمان مكلفا باستكمال ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

وكان الغرياني آخر أمين عام لحزب التجمّع الدستوري المنحل، وشغل مناصب سياسية عدة خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فضلا عن انخراطه في عدد من الأحزاب كنداء تونس والمبادرة الدستورية وتحيا تونس.

وبعد الثورة، ورغم تعرّضه للسجن كغيره من قيادات المنظومة السابقة، عاد الغرياني إلى نشاطه السياسي، بعد أن تلقى الضوء الأخضر من حركة النهضة تحديدا، إذ لم يتوقف يوما عن كيل المديح لها والثناء عليها، مقابل التشنيع على أبناء عمومته من التجمعيين السابقين.

وكان الغرياني مساهما في التقارب بين الغنوشي وكمال مرجان، رئيس حزب المبادرة وآخر وزير خارجية في عهد بن علي، حيث صوت نواب المبادرة لفائدة حكومة علي العريض في مارس 2013. هذه الخدمة رد عليها راشد الغنوشي بعبارة "ما جزاء الإحسان إلا الإحسان"، ومنذ ذلك الوقت انطلقت مسيرة التقارب بين الطرفين، تقارب يقوم على توازن المصالح بين طرفين سياسيين مثلا عماد الحياة السياسية في تونس لعقود طويلة.

وأضاف الغنوشي أن "استقطاب (تعيين) محمد الغرياني يتنزل في إطار تحييد مستشاريه". مضيفا "هناك اعتراضات على هذا، لكن في التعاطي مع النظام القديم لا يوجد إلا أسلوبان، إما أسلوب المصالحة والبحث عما هو مشترك وإما أسلوب الانتقام".

حصان طراودة المكشوف
حصان طراودة المكشوف 

واعتبر الغنوشي أن "أسلوب الانتقام جُرّب في كل (بقية بلدان) الربيع العربي، فسقط هذا الربيع وبقيت تونس بسبب سياسة التوافق التي انتهجتها".

وأكد الغنوشي أن التحاق النظام القديم بقبة البرلمان لا يعني أن الثورة انتكست إلى الماضي بل تطورت في اتجاه الحاضر، مذكرا بأن الغرياني قدم اعتذاره للشعب التونسي وانتقل إلى أرضية الثورة "ولم يتبجح بالماضي وإنما انتقل إلى الدستور والثورة ولذلك ينبغي أن نفتح الطريق أمام كل الطيبين الذين يريدون الالتحاق بأرضية الثورة والقانون والدستور ونشجعهم بدل أن نرسخ عوامل القطيعة" حسب تعبيره.

وبين في السياق ذاته أنه يسعى لتنويع الديوان من خلال البحث عن مستشارين مختصين في مجالات مثل الاقتصاد والقانون، وذلك في حدود صلاحيات رئيس المجلس التي يحددها القانون وكذلك باستشارة النواب، وهو ما يعني أنه يتصرف كأنه باق في منصبه بالبرلمان وبالتالي أنه باق ضمنيا في قيادة النهضة.

وكانت عدة أطراف سياسية رفضت تعيين محمد الغرياني في ديوان رئيس مجلس النواب مكلفا بملف العدالة الانتقالية، أولها أبناء حركة النهضة الذين استقبلوا هذه التسمية بفتور.

 وقال القيادي سمير ديلو، وهو أحد عناصر مجموعة المئة المعارضين لتمديد الغنوشي لترشحه على رأس الحركة، إنه لم يتم استشارتهم بخصوص مقترح تعيين محمد الغرياني مستشارا للغنوشي، موضحا أن "الجسم الداخلي لحركة النهضة لم يبارك هذا القرار" وأنه "ليس ضد أن يكون لمحمد الغرياني دور في تونس ما بعد الثورة بعد تسوية وضعيته تجاه الدولة، لكن ذلك لا يعني تعيينه مستشارا مكلفا بملف هو معني به مباشرة".

ولا يخفي رئيس البرلمان اهتمامه بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، وهي استطلاعات تعمقت فيها الهوّة بين الدستوري الحر متصدر نوايا التصويت، وحمامة النهضة التي فقدت الكثير من ريشها حتى باتت عاجزة عن التحليق، كما حافظ فيها الرئيس التونسي قيس سعيّد على الفارق الكبير الذي يفصله عن أقرب منافسيه عبير موسي الأمينة العامة للدستوري الحرّ.

ويعرف الغنوشي جيدا أنّ تعزيز جبهته بـ"المنبوذين"، أي رجالات نظام بن علي، وأبناء الطيف التجمّعي، يعد خطوة أكثر من ضرورية لحماية مسار بدأته النهضة قبل عشرة أعوام، مسار قوامه التمكين وعدم التفريط في مواقعها لأي وافد جديد أو "قديم"، يعيدها إلى مربع "الفرجة" من بعيد.

بيد أن خطوة الغنوشي تطرح سؤالا حيّا هل يعد تعيين محمّد الغرياني، كحصان طروادة جديد، ينهي به الغنوشي سطوة خصومه من الداخل، اختيارا موفقا و"إنزالا عبقريا خلف خطوط العدو" كما يردد مناصروه؟

ويبدو أن الغنوشي رأى في الغرياني "حصان طراودة" جديدا، قادرا على اختراق منظومة التجمعيين الدفاعية، وشق صفوفهم من الداخل، مستفيدا من حالة التململ التي لطالما أبداها التجمعيون من إقصائهم المتعمّد من الفعل السياسي، إقصاء تواصل حتى تحت عهدة قيس سعيّد.

وهذا ما يطرح السؤال في واقع الأمر حول فعالية ووجاهة خطوة راشد الغنوشي. فزعيم النهضة مصرّ على توجيه ضربة قاضية لخصمه الرئيسي قيس سعيّد، من خلال سحب ملف المصالحة منه، وتأليب الرأي العام عليه، خصوصا بعد طرح سعيّد لمبادرته المتمثّلة في فتح باب الصلح مع المورطين في نهب المال العام بقدر إصراره على عزل عبير موسي، من خلال استقطاب من يعارضونها من داخل المنظومة السابقة، وكل ذلك من أجل حماية مواقع داخل الحكم وخارجه.

 ويرى مراقبون أن الغنوشي راهن على شخص بلا وزن تقريبا، فشل في أغلب محطاته السياسية، بل ولم يترك بصمة في حزب المبادرة لكمال مرجان، ولا في حركة نداء تونس، ووريثتها حركة تحيا تونس، علاوة على ما يحمله عتاة التجمعيين من مشاعر عداوة لا تخفى نحوه.