الغنوشي يدين عنف نواب ائتلاف الكرامة في مناورة لتفادي السقوط

تونس - أدان راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، مساء الجمعة، العنف المادي لنواب ائتلاف الكرامة تجاه نواب الكتلة الديمقراطية، في بيان اعتبره متابعون مناورة جديدة من زعيم حركة النهضة الإسلامية لتفادي السقوط.
وجاء في البيان، الذي صدر مساء الجمعة من دون توقيع الغنوشي، إدانة لما مارسه بعض نواب كتلة "ائتلاف الكرامة"، من عنف ضدّ نواب الكتلة الديمقراطية (38 نائبا)، أنور الشاهد وسامية عبو وأمل السعيدي بتاريخ 7 ديسمبر الماضي، معتبرا أن ما مارسوه (نواب ائتلاف الكرامة) "سابقة خطيرة يجب أن لا تتكرّر".
ويرى مراقبون أن اعتراف الغنوشي بالسقطة الأخلاقية والسلوكية للائتلاف الكرامة، محاولة فاشلة من زعيم تنظيم عرف بتاريخه العنيف، للتملص من مسؤوليته المجتمعية والهيكلية على عشر سنوات من الدم والتكفير والتفجير والاغتيالات خبرتها تونس منذ 2011، وأنها محاولة تملص ترجمتها إدانة باردة وهمية، لم يتابعها بأي إجراء عقابي إن كان مؤسسيا أو قضائيا، رغم أن الحادثة جرت في رحاب مجلس نواب الشعب، في اعتداء على رمزية المؤسسة التشريعية أولى ركائز الدولة وهياكلها المؤسسة.
وتتمثل وقائع حادثة العنف حسب ما صرّح به المعتدى عليه النائب أنور بالشاهد، في "تعمّد نواب من ائتلاف الكرامة إيقاف أشغال اجتماع للجنة المرأة، وعلى إثر ذلك توجّه نواب الكتلة الديمقراطية إلى مكتب البرلمان للتظلّم، إلاّ أنهم فوجئوا بعدد من نواب ائتلاف الكرامة يتقدمهم سيف الدين مخلوف وزياد الهاشمي ومحمد العفاس يتولون ملاحقتهم ونعتهم بأبشع النعوت قبل أن يقوم أحدهم برشقه بقارورة على مستوى الوجه".
وأعلنت الكتلة الديمقراطية في 8 ديسمبر 2020، الدخول في اعتصام مفتوح بالبرلمان احتجاجا على عدم تمرير بيان يندد بالعنف داخل البرلمان، خلال الجلسة العامة المنعقدة ذلك اليوم على إثر حادثة الاعتداء اللفظي والمادي، التي كان تعرّض لها النائب عن الكتلة الديمقراطية أنور بالشاهد.
وأعلن عدد من نواب هذه الكتلة وهم سامية عبّو ومنيرة العياري وأمل السعيدي وزياد غناي دخولهم في إضراب جوع، وذلك تنديدا بما اعتبروه "تبييض رئيس البرلمان للعنف وإصراره على رفض إدانة كتلة ائتلاف الكرامة" ومطالبته "بتحمّل مسؤوليته وإصدار بيان يندد بالعنف ومرتكبيه".
وتعكرت الحالة الصحية لبعض المعتصمين بمقر مجلس نواب الشعب وهم سامية عبّو (بعد مرور 112 ساعة إضراب جوع) وأمل السعيدي (96 ساعة إضراب جوع) وزياد غنّاي (72 ساعة إضراب جوع)، ما استوجب تدخلا طبيا.
واعتراف الغنوشي المحتشم بعنف ممارسات نواب الائتلاف، جاء بعد ضغوط متعددة الاتجاهات والمصادر طيلة أكثر من شهر.
وتمثلت الضغوط في تحرك النواب المتضررين والعديد من النواب من كتل أخرى، لنيل دعم رئيس الجمهورية والقوى السياسية والمدنية، لإدانة فعل الاعتداء، ودفع المجلس ورئيسه أساسا إلى التصريح بكونه من قبيل التجاوزات ذات الخطورة على المؤسسة المشرعة والبلاد وتجربة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس.
وقال المحلل السياسي باسل ترجمان على صفحته بموقع فيسبوك إن "الغنوشي قد ضحى بتحالفه مع ائتلاف الكرامة مخافة أن يطيح اعتصام الكتلة الديمقراطية به من رئاسة المجلس".
واعتبر ائتلاف الكرامة بيان رئيس مجلس النواب "بمثابة طعنة في الظهر" وقال رئيسه سيف الدين مخلوف ''هذا البيان ستكون له استتباعات خطيرة جدا بشأن علاقاتنا مع بقية النواب والكتل البرلمانية ولم يعد يربطنا أي التزام مع أي كان''.
ويمثل الائتلاف الوجه المتوتر لحركة النهضة، والجهاز الذي تنفذ به ما لا تستطيع المجاهرة به، حيث قدم لها خدمات عديدة من بينها الهجمات المستمرة على اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية)، ومحاولات تطويق رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في البرلمان.
ورأى البعض أن تهديد الائتلاف بفك التحالف مع حركة النهضة مجرد زوبعة في فنجان، باعتبار أن العلاقة بينهما هي علاقة تبادل للأدوار داخل البرلمان التونسي، الهدف الرئيسي منها التمكن من الدولة واختراق أجهزتها وإضعاف مؤسساتها الأمنية والعسكرية لحساب العناصر المتطرفة الإرهابية، فيما رأى البعض الآخر أنه قد ينبئ بتفكك الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي التي ستتحول إلى حكومة أحزاب وكتل مستقلة، وقد ينجر عن ذلك انقلاب كامل لمخلوف وائتلافه على الغنوشي في جلسة سحب الثقة التي بدأت تلوح في الأفق.
ويعتبر متابعون للشأن التونسي أن انفصال ائتلاف مخلوف عن النهضة سيضعفها بشكل كبير، وسيجعل شعار المرحلة القادمة هو الابتزاز الجماعي، حيث أن التصويت على تحوير حكومة المشيشي وغيرها من القوانين لن يكون دون مقابل أبدا ومن أي كتلة في البرلمان لتعويض أصوات نواب ائتلاف الكرامة.