الغلاء والتقنين وشح السيولة تضغط بشدة على المصريين

ترخي مجموعة من التداعيات المزعجة التي يتعرض لها الاقتصاد المصري بثقلها على الناس الذين دخلوا في حالة طوارئ بعدما تبددت فرص ابتعادهم عن المشاكل في ظل غلاء المعيشة القاسي وتقنين الحصول على المواد التنموية وشح السيولة من السوق.
القاهرة - تلتقي معاناة المصريين هذه الفترة عند معضلة تدهور قدرتهم الشرائية بشكل متسارع والتي باتت تنذر بتداعيات خطيرة مع تراكم الأزمات التي لا يدرون متى ستنتهي رغم محاولات الحكومة تطويقها.
ومن قيود على السحب من الحسابات الشخصية خارج مصر مرورا بتقنين كمية الأرز التي يمكن للفرد شراؤها وصولا إلى حملات دعائية عن الفوائد الصحية لتناول أرجل الدجاج يعاني المصريون بشدة من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادهم فيما ترزح تحت عبء الديون.
ولا يتجاوز الاحتياطي النقدي لدى القاهرة 33.5 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج، لكن الديون الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل إلى 157 مليار دولار.
وبطلب من الدائنين، خفضت مصر قيمة عملتها العام الماضي بنسبة 57 في المئة حتى بلغ سعر صرف الدولار عند نحو 24.7 جنيه.
لكن بيانات رفينيتيف أظهرت الأربعاء تراجع الجنيه إلى نحو 25.9 جنيه للدولار مسجلا أكبر حركة يومية منذ سمح له البنك المركزي بالانخفاض بـ14.5 في المئة في أواخر أكتوبر الماضي.
وفي بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج وشهدت فيه أسعار الفائدة ارتفاعا بمقدار 8 في المئة في 2022، كان التأثير فوريا إذ بلغت نسبة التضخم 18.7 في المئة وفق الأرقام الرسمية.
وعلى الأرض، تعاني ربات البيوت. وتقول رحاب لوكالة الصحافة الفرنسية عند مخرج مخبز في وسط القاهرة إن “رغيف الخبز الذي كنت أشتريه بجنيه واحد صار بثلاثة جنيهات”.
وأضافت الشابة البالغة 34 عاما والتي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها “زوجي يجني ستة آلاف جنيه (نحو 230 دولارا) شهريا، وكنا في السابق نعيش ثلاثين يوما من هذا الراتب، ولكن اليوم تبدأ النقود في النفاد اعتبارا من اليوم العاشر”.
وتم مجددا تقليص حجم رغيف الخبز وأقراص الفلافل وعبوات زيت الطعام وأكياس البقوليات، كما تم تقليص حجم المنتجات التي كانت توزع بأسعار مدعومة على 70 مليون مصري يعتبرون “فقراء” ولديهم “بطاقات تموينية”.
وعند مدخل سوبرماركت كبير في القاهرة، تحذر لافتة المستهلكين من أنه لا يمكن للفرد الواحد شراء “أكثر من ثلاث عبوات أرز زنة كيلوغرام واحد أو عبوة واحدة زنة خمسة كيلوغرامات”.
وفي الصحف، أشاد المجلس الوطني للغذاء “بأرجل الدجاج المفيدة للجسم وللميزانية” ذلك أن اللحوم المجمدة المستوردة يستهلكها الناس الأقل دخلا لأنهم لا يستطيعون تحمل أسعار اللحوم الطازجة.
وقالت رضا، التي تعول أسرة من 13 فردا، إنه “لم تعد خيارا بعد أن ارتفعت أسعارها من 85 إلى 150 جنيها (3.2 و5.7 دولار)”.
وتبذل هذه السيدة البالغة 55 عاما والتي ترفض كذلك ذكر اسم عائلتها كل ما في وسعها لإعالة الأسرة. وتوضح “أنا موظفة وأعمل إلى جانب ذلك في مستشفى ولكن حتى مع هذين المرتبين هناك الكثير من الأشياء التي لا أستطيع شراءها”.
وإذا كانت الأسعار ترتفع، فأحد الأسباب هو عجز المستوردين عن الحصول على الدولارات اللازمة من المصارف. وتفيد مصادر حكومية أن في الجمارك حاليا بضائع بقيمة نحو سبعة مليارات دولار.
وبسبب أزمة النقد الأجنبي التي ساهم فيها خروج نحو 20 مليار دولار من السوق المحلية بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، قامت معظم البنوك بتقييد السحب بالدولار خارج مصر.
كما رفع القطاع المصرفي عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3 إلى 10 في المئة.
وحتى أحد أبرز أنصار النظام، المذيع عمرو أديب الذي يقدم واحدا من أكثر البرامج متابعة في مصر، قال أخيرا بعد تقييد السحب في الخارج “اتركوا على الأقل الناس التي سافرت قبل هذا القرار تسحب بعض النقود، لكي تستقل سيارة أجرة إلى المطار لتتمكن من العودة”.
وفي هذه الأجواء تنتشر شائعات تتحدث عن استعداد شركات مثل ماكدونالدز وأوبر للانسحاب من السوق المصرية.
وتحاول الدولة، وهي واحدة من خمس في العالم معرضة لأن تفقد القدرة على سداد ديونها وفق وكالة موديز، توفير أكبر قدر ممكن من الدولارات.

وقرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه القاهرة مؤخرا بقيمة 3 مليارات دولار تسدد على 46 شهرا ليس إلا قطرة في بحر خصوصا أن حزمة الدين التي يتعين على القاهرة سدادها خلال العام المالي 2022 – 2023 تبلغ 42 مليار دولار.
وفي مسعى آخر لجمع الدولارات، قرر وزير النقل كامل الوزير إلزام السياح بسداد ثمن رحلات القطار بالعملة الأميركية اعتبارا من يناير الجاري.
وقال في تصريحات للتلفزيون “أنا في حاجة الى دولارات لسداد ثمن عربات القطار المستوردة، والسياح يمكنهم الدفع بالدولار وهذا يناسبهم ويناسبني أيضا”.
ولجني المزيد من العملة الصعبة، تعتزم الدولة بيع الكثير من الشركات والأصول للقطاع الخاص إلى حد أن الأمر أثار القلق من فقدان السيادة على قناة السويس.
وأكد رئيس هيئة القناة أسامة عرابي أخيرا أن القناة “ليست للبيع”، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسي يرغب في إنشاء صندوق يُخصص له جزء من موارد الممر الملاحي يقوم بالإشراف على إدارته بنفسه.
وقال السيسي في خطاب مؤخرا “لا تتدخلوا في القضايا المالية، أتركوني أنا أتصرف”.
ويعتبر ستيفان رول الخبير في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن أن مصر “تستدين لتثبيت نظام السيسي”.
ويضيف أن “الجيش الذي يستند إليه (النظام)، هو أول المستفيدين، فالديون الخارجية مكنته من حماية دخله وممتلكاته وتمويل مشاريع عملاقة تعود عليه بأرباح كبيرة”، إذ أن معظم المشاريع الكبرى يسند تنفيذها إلى القوات المسلحة.
وبعيدا عن المدن الجديدة والقطارات الكهربائية السريعة، فإن كل ما تتطلع إليه رحاب هو أن تشتري معطفًا لابنتها يقيها من البرد. وقالت وهي تغالب دموعها “لكني وجدت أن ثمنه 1000 جنيه فصرفت النظر عنه”.