الغلاء الجنوني للمواشي يُبعد التونسيين عن أسواق الأضاحي

يثير موسم الأضاحي لهذا العام جدلا واسعا بين الأوساط الشعبية والتجار والمربين في تونس بسبب الغلاء الجنوني لأسعار المواشي في ظل تدهور القدرة الشرائية، التي لا تزال تخنق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وتجعل الكثيرين منهما يعزفون عن الشراء.
تونس - يصطدم التونسيون مع اقتراب عيد الأضحى بظروف الغلاء الجنوني الذي يمنعهم من شراء المواشي، حيث لم تشهد البلاد من قبل هذا الوضع بعدما أدى تراكم الأزمات إلى إنهاك قدراتهم الشرائية وتفاقم معاناتهم المعيشية.
ورجح الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وهي نقابة تدافع عن المزارعين والصيادين، في أحدث تقييم لها قبل ثلاثة أسابيع من موسم الأضاحي، أن يزيد عدد المستهلكين، الذين سيعزفون عن شراء الأضاحي، رغم أن القطيع المتوفر يغطي الطلب.
وتتزايد احتمالات أن يحكم الكساد قبضته على أسواق المواشي في الفترة التي تسبق العيد، مما يقطع الطريق أمام المضاربين على ممارسة لعبتهم المعتادة في كل موسم في ظل حزمة من الالتزامات الأسرية والضغوط المعيشية الخانقة.
وقال مساعد رئيس الاتحاد الناصر العمدوني لوكالة الأنباء التونسية الرسمية السبت الماضي، إن “نسبة عزوف التونسيين عن شراء الأضاحي تتجاوز الـ30 في المئة المسجلة السنة الماضية”.
ولكنه أكد أن الخرفان متوفرة وعددها يتخطى “احتياجات التونسيين”، معتبرا أنه رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بالسنوات الأخيرة، فهي تبقى “معقولة” بالنظر إلى كلفة الإنتاج وجودة القطيع.
وفاقم التدهور الكبير للقدرة الشرائية للتونسيين منذ الأزمة الصحية العالمية في عام 2020، ثم اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع 2022، من صعوبات شراء الأضاحي بسبب ارتفاع الأسعار.
وفي السابق، كان قرابة 21 في المئة من التونسيين يرفضون شراء الأضاحي، بينما كان يخصص 70 في المئة منهم مبلغا يتراوح بين 140 و270 دولارا لشراء الأضحية.
وحاليا، تتراوح أسعار الخرفان، التي يقل وزنها عن 40 كيلوغراما بين نحو 800 و1300 دينار (256 دولارا إلى 415 دولارا)، وقد سجلت هذه الأسعار زيادة بنسبة 26 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفقا لأرقام رسمية.
ومع ذلك، فإن جدل الأسعار لا يكاد ينتهي مع ترويج البعض بأن الأضاحي سيتراوح سعرها بين نحو 480 دولارا و640 دولارا، وهو مستوى لم تشهده السوق المحلية من قبل.
ويتداول ناشطون على الشبكات الاجتماعية وخاصة فيسبوك مقاطع فيديو لتجار ومربي الماشية في العديد من مناطق البلاد، وهم يعرضون الخرفان بأسعار خيالية، ويرجعون السبب في ذلك إلى تقلص المراعي جراء الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.
ودعت أطراف تُعنى بالدفاع عن مصالح المستهلك في كثير من المرات إلى ضرورة تدخل الدولة لتعديل الأسعار ومراقبة السوق، علاوة على ترشيد الاستهلاك والحفاظ على القطيع، لكن من الواضح أن السلطات تواجه صعوبات رغم ما تبذله من جهود.
وقال العمدوني إن الزيادة الكبيرة في الأسعار “تعود إلى ارتفاع كلفة الإنتاج التي يتكبدها الفلاح”، مشيرا إلى أن عدد رؤوس الماشية المخصصة للأضاحي يناهز المليونا، في حين تتراوح احتياجات السوق بين 800 و900 ألف رأس.
ومع ذلك، فإن القطيع المتوفر حاليا هو أقل مما تم عرضه العام الماضي، والذي بلغ 1.2 مليون رأس، ويعود السبب في ذلك إلى عدم وضح الأفق في مجال تربية الماشية وتخوف المزارعين من السرقات.
كما أن تحكم بارونات بيع مستلزمات الانتاج في أسعار الأعلاف المركبة التي تتغير بصفة مستمرة، يعد عاملا رئيسيا في تراجع عدد القطيع، مما يهدد بتقلص رؤوس الماشية في السنوات المقبلة إن لم تتدارك السلطات هذه المشكلة على وجه السرعة.
وأوضح العمدوني أن لدى المزارعين ومربي الماشية نحو 570 ألف خروف دون الأربعين كيلوغراما، وقرابة 300 ألف خروف يفوق وزن الواحد منها 40 كيلوغراما، فضلا عن 30 ألفا من ذكور الماعز سيتم عرضها للبيع كأضاحي.
وأشار إلى أنه رغم تفوق العرض على الطلب، فان الأسعار تشهد ارتفاعا في حدود 5 دنانير (1.6 دولار) لكل كيلوغرام مقارنة بالسنة الماضية، وهي تعتبر “حالة استثنائية” تعود أساسا لعدم اتخاذ القرارات اللازمة للضغط على كلفة مستلزمات ومدخلات الإنتاج.
ومنذ بداية العام الحالي، اتخذت أسعار اللحوم الحمراء بشكل عام منحى صعوديا مفزعا لتصل إلى ذروتها في شهر رمضان حينما بلغ الكيلوغرام 50 دينارا (16 دولار)، في رقم لم تشهده السوق المحلية من قبل.
◙ 1 مليون رأس من الماشية مخصصة للأضاحي بينما الطلب يصل إلى 900 ألف رأس
ورغم الأزمات، يُصر كثيرون على شراء الأغنام وذبحها في منازلهم للحفاظ على الشعائر الدينية والتقاليد الاجتماعية، حيث يعتبر ذبح “العلوش”، كما يُسمّونه في تونس، جزءا أساسيا من احتفالاتهم بعيد الأضحى.
وأشار العمدوني إلى أن هناك مفاوضات جارية بين نقابة المزارعين وكل من وزارتي الفلاحة والتجارة لتحديد السعر المرجعي لبيع الأضاحي الذي بلغ السنة الماضية، 17.5 دينار (5.6 دولار) للكيلوغرام.
وأكد أن الاتحاد حدد السعر بين نحو 23 و25 دينارا (7.36 و8 دولارات) للكيلوغرام لتغطية كلفة الإنتاج، لكنْ ثمة اعتراض ضمني من الوزارتين المذكورتين من أجل خفض السعر المرجعي للبيع إلى مستوى 22 دينارا (سبعة دولارات).
وفي خضم هذا الوضع، الذي يأتي بينما تحاول الحكومة معالجة المشاكل الاقتصادية الكثيرة للدولة نتيجة التضخم المنجر عن الحرب في شرق أوروبا، تبرز مطالبات بالتخلي عن الأضاحي هذا العام لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتخفيف الأعباء على الناس.
وكانت غرفة القصّابين قد طالبت قبل أشهر بمنع ذبح الأضاحي بهدف حماية الثروة الحيوانية المهدّدة، وسط تنديد بالارتفاع الكبير لأسعار لحوم الخرفان بسبب النقص في القطيع.
ودعا أحمد العميري رئيس غرفة مفتي الجمهورية إلى الإفتاء بمنع ذبح الأضاحي، مشيرا إلى أن الغرفة خاطبت وزارة التجارة في يناير وفبراير الماضيين، للنظر في نشاط قطاع اللحوم بشكل عام.
وليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها دعوات لإلغاء شعيرة العيد بتونس، لكن المفتي الراحل عثمان بطيخ رفض الأمر في 2021، قائلا إنه “من غير الممكن إلغاء شعيرة عيد الأضحى فهي سنة مؤكدة”.