الغرب يستعيض عن رفع العقوبات عن سوريا بتوسيع نطاق المساعدات

تعمل القوى الغربية على مساعدة الشعب السوري من دون التخلي عن حذرها حيال الحكام الإسلاميين الجدد، فلا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يغامروا باستعجال رفع العقوبات قبل التحقق من مآلات الأوضاع في سوريا.
دمشق - تعتزم الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاستعاضة عن خيار رفع العقوبات عن سوريا بتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، إلى حين التحقق من أن الإدارة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام تسلك المسار المطلوب منها سواء في علاقة بمحيطها الخارجي أو بخصوص توجهاتها في الداخل واحتوائها لجميع المكونات المجتمعية والطائفية في البلاد.
وقالت مصادر مطلعة إن الولايات المتحدة ستعلن قريبا جدا عن تخفيف القيود عن تقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء إلى سوريا مع الإبقاء على نظام العقوبات الصارم.
ومن شأن القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس جو بايدن أن يبعث بإشارة حسن نية للحكام الإسلاميين الجدد في سوريا بينما يهدف إلى تمهيد الطريق لتحسين الظروف المعيشية الصعبة في الدولة التي مزقتها الحرب مع التحرك بحذر في الوقت نفسه والحفاظ على النفوذ الأميركي.
والتقى مسؤولون أميركيون عدة مرات مع أعضاء الإدارة الحاكمة بقيادة هيئة تحرير الشام منذ نهاية حكم عائلة الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي بعد هجوم خاطف شنته الهيئة وحلفاؤها.
واشنطن ستعلن قريبا جدا عن تخفيف القيود عن تقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من الخدمات الأساسية مع الإبقاء على نظام العقوبات الصارم
ولئن شكلت نهاية حكم عائلة الأسد، الذي استمر لأكثر من خمسين عاما، مصدر ارتياح للغرب، لكن البديل الحالي لا يزال مثار توجس، بالنظر لخلفيته الأيديولوجية، حيث إن هيئة تحرير الشام كانت في السابق فرعا من تنظيم القاعدة، ورغم مساعي زعيمها أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني للظهور في ثوب المعتدل والمنفتح على الجميع، لكن لا تزال هناك شكوك كثيرة تدفع القوى الغربية إلى الإبقاء على سيف العقوبات.
وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات على سوريا منذ العام 2012، على خلفية التعاطي الخشن للنظام السوري السابق مع الاحتجاجات والتي سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح.
وتم تشديد تلك العقوبات على مدار عمر الأزمة، وكان أبرزها تلك التي تضمنها قانون قيصر الأميركي الذي تم إقراره خلال الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، وقد نص على فرض عقوبات على أي جهة أو مؤسسة تتعامل مع دمشق أو توفر لها تمويلا.
إلى جانب ذلك فإن هيئة تحرير الشام لا تزال تصنف على لائحة الإرهاب الأميركية. ويقول محللون إن أمام الإدارة السورية الجديدة تحديا كبيرا في تفكيك الهواجس الغربية، وبالتالي إنهاء العقوبات.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة بايدن وافقت على تخفيف القيود في مطلع الأسبوع، قائلة إن الخطوة تفوض وزارة الخزانة لإصدار الإعفاءات لمنظمات الإغاثة والشركات التي توفر الضروريات مثل الماء والكهرباء وغيرهما من الإمدادات الإنسانية.
لئن شكلت نهاية حكم عائلة الأسد مصدر ارتياح للغرب، إلا أن البديل لا يزال مثار توجس، بالنظر إلى خلفيته الأيديولوجية
ويرجح أن ينسحب الموقف الأميركي على موقف الاتحاد الأوروبي، بأن يقتصر الدعم حاليا على تدفق المساعدات الإنسانية والحاجيات الأساسية للسكان، ويعتقد أن يجري طرح هذا الملف خلال لقاء مرتقب هذا الأسبوع بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظرائه الأوروبيين.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، شددت عقب لقائها مع قائد الإدارة السورية في دمشق، الجمعة، على أن “أوروبا ستدعم سوريا الجديدة بشرط عدم تقديم أموال لهياكل إسلامية جديدة.”
ودعت بيربوك إلى تجنب إقامة “حكومة إسلامية” بعد إسقاط نظام الأسد، كما شددت على أن رفع العقوبات عن سوريا مرهون بتقدم العملية السياسية.
ويرى خبراء اقتصاد سوريون أن توسيع نطاق المساعدات على أهميته في هذا التوقيت بالنسبة للبلاد وسكانها، لكنه يبقى غير كاف، حيث إنه لا مجال للحديث عن إعادة الإعمار واستئناف عجلة الاقتصاد لدورانها بدون رفع العقوبات.
وأعلنت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الاثنين أن المنظمة تعتزم توسيع مساعداتها لسوريا بشكل كبير بما يتجاوز برنامجا أوليا بقيمة 100 مليون دولار، مشيرة إلى احتياجات ملحة في قطاعات الصحة والمياه والطاقة.
ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن سوريا تحتاج إلى مساعدات بقيمة 4.07 مليار دولار هذا العام، لكن لم يتم جمع سوى 33.1 في المئة منها، لتبقى فجوة تبلغ 2.73 مليار دولار.
ويأتي التوسع المتوقع للجنة الدولية للصليب الأحمر بعد أن صار بإمكانها الوصول إلى جميع مناطق سوريا بعد الإطاحة بالرئيس الأسد.

وقالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش لرويترز على هامش زيارة لسوريا “كان برنامجنا في الأصل لهذا العام لسوريا 100 مليون دولار ولكن من المرجح أن نوسع هذا المبلغ بشكل كبير.”
وذكرت أن دولا مانحة عرضت بالفعل بشكل فردي زيادة التمويل لسوريا.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر واحدة من المنظمات الدولية القليلة التي ظلت تعمل في سوريا خلال حكم الأسد، إذ عملت على مشروعات بنية تحتية منها أنظمة المياه والكهرباء.
وقالت سبولياريتش “نحن بحاجة إلى التوسع في هذا العمل، لدينا الكثير للقيام به في قطاع الصحة.”
وتشارك المنظمة في أعمال إعادة تأهيل للحفاظ على توفير المياه بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة من مستويات ما قبل الحرب في سوريا، لكن حماية مرافق المياه تظل مهمة لأن بعضها قريب من مناطق لا يزال القتال مستمرا فيها.
وقالت سبولياريتش إن التقييمات الأولية لبدء إعادة تأهيل أنظمة الكهرباء في سوريا اكتملت جزئيا، لكن هناك حاجة الآن إلى استثمارات مالية عاجلة وتعديلات على العقوبات.
وأضافت “يجب السماح بدخول قطع غيار معينة لأن ذلك يقوض أيضا أعمال إعادة التأهيل في الوقت الحالي. لذا فإن الأمر له بعد سياسي.”