العيون التي تضحك

الضحك الذي يعبر عن سعادة يطلقها الحب من خزانته ليعيد المحبين إلى زمن البراءة، حيث الطفولة التي تسابق ظلها.
السبت 2023/08/05
الضحك يُطيل العمر ويُحسن المزاج

"وضحكنا ضحك طفلين معا/ وعدونا فسبقنا ظلنا"، ذلك ما قاله الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدته "الأطلال" التي غنتها أم كلثوم فصارت بعض أبياتها تجري على الألسن كما لو أنها أقوال مأثورة. خذ مثلا "واثق الخطوة يمشي ملكا" أو "هل رأى الحب سكارى مثلنا" أو "أعطني حريتي أطلق يديّ".

ولكني هنا أشير إلى ذلك الضحك الذي يعبر عن سعادة يطلقها الحب من خزانته ليعيد المحبين إلى زمن البراءة، حيث الطفولة التي تسابق ظلها.

كانت "الأطلال" قصيدة راقصة احتفى بها صوت أم كلثوم من خلال موسيقى رياض السنباطي الذي هو من وجهة نظري آخر الملحنين الذين وضعوا أم كلثوم في مكانها الحقيقي بعد محمد القصبجي وزكريا أحمد. في تلك الأغنية كان الضحك عنوانا للحب بالرغم من الطابع الموسيقي الراقص الرصين.

في المقابل كان عبدالحليم حافظ مرحا وهو يضع الضحك في مكان شبابي يسوده اللهو، "ضحك ولعب وجد وحب" عناصر أربعة لبناء معادلة الحياة الحية "عش أيامك عش لياليك/ خلي شبابك يفرح بيك"، ولا أعرف من سبق الآخر، فريد الأطرش أم محمد قنديل.

الأول غنى "يبو ضحكة جنان/ مليانة حنان/ اضحكها كمان وكمان وكمان" فيما غنى الثاني "أبوسمرة بسكره/ أبوضحكة منورة".

و"الضحك بلا سبب من قلة الأدب" قول معتمد في المجتمعات الكئيبة. لقد قيل "اضحك تضحك لك الدنيا"، والإنسان المحظوظ هو من تضحك له الدنيا. كما أن الرابح مَن يضحك أخيرا.

لكن العراقيين وهم شعب حزين لديهم مثل يقول "امشي ورا اللي يبكيك/ لا تمشي ورا اللي يضحكك"، ويُراد به اتباع النصح الذي غالبا ما يكون جادا وقد يُسبب إزعاجا.

أدخلت عفيفة اسكندر ذلك القول الحزين إلى إحدى أغانيها المشهورة.

وفي العيون الضاحكة سحر خاص. يقول عمرو ذياب "ضحكت عيون حبيبي/ ضحكت ليا الليالي/ سافر قلبي لحبيبي/ سافر بعد انشغالي".

والمصريون شعب ضاحك اشتهر بما يُسمى بـ"القفشة"، وهي تعبير عن موقف تلقائي يستغله الإنسان المرح ليصنع منه نكتة ويضحك الآخرين. غير أن القفشة في اللهجات الخليجية هي ملعقة الطعام.

ولقد قيل إن الضحك يُطيل العمر والمؤكد أنه يُحسن المزاج. فاضحك قبل أن يدركك قول ابن زيدون "تلك الليالي التي كانت تجمعنا/ هي الليالي التي باتت تنائينا/ فكم ضحكنا وكم دامت مودتنا/ واليوم نبكي على الذكرى وتبكينا".

18