العيش وحيدا.. ثمن العزلة الباهظ

نيويورك – يقضي الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم أمسياتهم وحيدين في بيوتهم، بسبب وباء كوفيد – 19 العالمي، ففي ظلّ العزل وإغلاق كافة المتاجر غير الأساسية، انقطع الكثيرون بشكل شبه تام عن أي تواصل بشري.
ويشعر الكثيرون بالاكتئاب لعدم مخالطة الآخرين التي كانت تعتبر مكسبا حتميا، ويرى العلماء أنها حيوية. وتشير مديرة معهد “تاتش ريسيرتش” في كلية الطب في جامعة ميامي، تامي فيلد، إلى أن “ما يحصل عند لمس الآخرين عبارة عن تغيير جسدي بحت”.
وتوضح أنه في تلك اللحظة “يتباطأ الجهاز العصبي، وينخفض معدل ضربات القلب، وكذلك ضغط الدم، وتتجه الموجات الدماغية نحو المزيد من الاسترخاء، وهو ما يؤدي إلى انخفاض في الكورتيزول، الهرمون المسؤول عن التوتر”.
وتشعر ليليا شاكون، المديرة العامة للاتصال في مدينة سانتا فاي في ولاية نيومكسيكو، بالحنين إلى الحقبة التي كان فيها التواصل البشري أمرا ممكنا في حياتها. وتعيش شاكون البالغة من العمر 65 عاما بمفردها وتعمل من المنزل.
وقالت “إنه جنون، كيف يمكن لواقعك أن يتغير بهذه السرعة؟ أشاهد التلفزيون، فأرى أشخاصا جالسين جميعا إلى طاولة واحدة وهم يتعانقون، وأقول: يا إلهي، الأمور لا تجري كذلك حاليا”. وللتعويض عن هذا النقص، تلجأ إلى مكالمات الفيديو مع أصدقائها.
وتؤكد “نجد طرقا للحفاظ على الصداقات والعلاقات. بالنسبة إليّ صار استخدام مكالمات الفيديو عبر فايس تايم أمرا أساسيّا. أن أبقى على تواصل مع أصدقائي بشكل مرئي وليس فقط عبر المكالمات الصوتية، فهذا أمر جيّد”.
وأكثر المتضررين من العزل هم الأشخاص الأكبر سناً، فهم الفئة الأكثر عرضة للفايروس وغالبا ما يعيشون بمفردهم في منازلهم.
وتشجع ماري كارلسون، عالمة الأعصاب في كلية الطب في هارفارد، على التواصل النظري. وتخصصت كارلسون في مجال الحرمان الحسي بعدما درست حالة الرضع الذين كبروا في منشآت في رومانيا خلال التسعينات، وقد كان في هذه المنشآت عدد قليل من الموظفين.
وتقول “أشجع الناس على التفاعل الاجتماعي عبر النظر والسمع”، مضيفة “لمن يعيشون وحدهم، التكنولوجيا تتيح هذا التفاعل عبر المكالمة الهاتفية أو الفيديو للتعويض عن هذه المدّة الضرورية والمؤقتة التي تم فيها فرض قيود على اللمس”.
وتطمئن كارلسون المتخوفين من فقدان مقدرة التواصل الطبيعي في مرحلة ما بعد الوباء. وتشرح “أعطي دائما مثال نيلسون مانديلا الذي أمضى 27 عاما في السجن”، موضحةً “نعلم جميعاً ما حصل حين خرج، شاهدناه على التلفزيون وسمعنا كل ما قاله، لم يفقد إطلاقاً قدراته الاجتماعية وحساسيته تجاه الآخرين”.