العيش من أجل الفن

“نأكل لنعيش، أم نعيش لنأكل؟” كان هناك سؤال ساذج من ذلك النوع اعتبره الكثيرون لغزا فخسروا مهاراتهم في فن العيش، يمكنني استبداله في مواجهة أزمة الفنان العربي بسؤال متخصص، هو “نرسم لنعيش، أم نعيش لنرسم؟”.
في العرض الذي قدمه الفنان البحريني راشد آل خليفة في قاعة “ساتشي” بلندن شيء من الجواب على ذلك السؤال، لم تكن الأعمال الفنية معروضة للبيع، وهي واحدة من عادات الفنان الذي لا يرغب في منافسة أحد من الفنانين البحرينيين في ما يمكن أن نسميه بمصدر الرزق.
آل خليفة لم يبع عبر مسيرته الفنية واحدة من لوحاته الرائعة، بالرغم من أن الكثيرين وأنا واحد منهم يتمنون أن تشرق بيوتهم بمباهج ما تنطوي عليه تلك اللوحات من شعور عميق بسعادة العيش.
المعرض الذي تنتمي أعماله إلى ما صار يُسمى بالفنون المعاصرة، يُقدم تجربة في الفن البصري بأبهى صوره، تلك الأعمال تنطوي على إضافة ملموسة لما يُفدم في العالم في ذلك الاتجاه.
لا تقلّ أعمال آل خليفة أهمية عن أعمال روّاد الفنون المعاصرة وفي مقدمتهم الهندي أنش كابور، من وجهة نظري وقد رأيت معظم المعارض التي أقامتها قاعة “ساتشي”، فإن معرض آل خليفة هو إضافة نوعية، سيكون على القاعة أن تسجلها في تاريخها.
لقد قدّم الرجل القادم من جزيرة صغيرة، هي البحرين، فنا يليق ببلد عظيم، إنه فن يستحق أن يعيش المرء من أجل إنتاجه، ذلك الفن لا بد أن يحظى بالاهتمام.
بعد هذا المعرض سيكون من الصعب على قاعة “ساتشي” أن تغلق أبوابها أمام الفنانين العرب الحقيقيين، لقد فتح راشد آل خليفة تلك الأبواب، وليس أمام الفنانين العرب سوى أن يطرقوها لتفتح لهم.
غير أن الكفاح هو شرط الفن الحقيقي، أما إذا كان الفنان يرسم ليعيش، فلا أعتقد أن القاعات الكبرى من نوع “ساتشي” سترحب به.
الشارع هو مكانه الطبيعي، وهو ما انتهى إليه الكثير من الرسامين الذين يقيمون في أوروبا منذ عقود.